hit counter script

أخبار محليّة

الجسر: ثورة الأرز كانت أول ربيع عربي انتقل في ما بعد الى كل المحيط

السبت ١٥ شباط ٢٠١٦ - 14:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نظمت هيئة التثقيف السياسي في منسقية طرابلس في "تيار المستقبل" ندوة خاصة عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في الذكرى السنوية الحادية عشرة لاستشهاده، قدم خلالها النائب سمير الجسر لمحة موجزة عن أبرز المحطات السياسية التي واكبت مسيرة الرئيس الشهيد الحريري، مستذكرا فضائله وصفاته الانسانية والعلمية والعملية.

حضر الندوة النائب بدر ونوس، عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش، مستشار الرئيس سعد الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة، رئيس بلدية طرابلس المهندس عامر الرافعي، نقيب أطباء الأسنان الدكتور أديب زكريا، نقيب موظفي المصارف في الشمال السيدة مهى المقدم، مدير مستشفى طرابلس الحكومي ناصر عدرة، أعضاء مجلس المنسقية وحشد من كوادر التيار.

بعد النشيد الوطني وكلمة ترحيبية من مسؤول هيئة التثقيف السياسية في طرابلس الدكتور أحمد الرافعي، القى الجسر كلمة قال فيها: "لم يكن قد مرت ثلاثة أيام على رحيل الشهيد رفيق الحريري حين التقيت صدفة مع مجموعات من الأصدقاء في شبه مجلس عزاء، ضم القاضي والمحامي والطبيب والمهندس والتاجر والصناعي ونفر من أهل الفكر والقلم، تظللنا رهبة الموت وعظيم الشهادة وهول الصدمة وفداحة الخسارة وفظاعة الجريمة بما احتوت من حقد كشف عنه قوة الانفجار ودقة التخطيط وبما خلف من فراغ كبير. لم يكن الانتماء السياسي هو جامعنا بل الذهول الذي أحاط بكل الناس حين شعروا عن حق بأن لبنان هو المستهدف الحقيقي من خلال اغتيال هذا العملاق بما كان يمثل من وطنية ورؤيوية وايمان بالله والوطن والشعب اللبناني، وبما كان يعكس من همة وقدرة على العطاء والبذل سخر لها جاهه وعلاقاته وماله في سبيل وطنه. يومها كنت استعرض في ذهني شريط الحياة الذي عرفت من خلاله الشهيد الكبير بفكره، بمرونته، بصلابته، بقدرته على اجتراح الحلول في أحلك الظروف وأصعبها، باصراره على التفاؤل حين كان يغرق الآخرون في التشاؤم.. لأجد نفسي اقول: مع كل يوم يمر سنفتقد رفيق الحريري أكثر فأكثر وسندرك مع الأيام حجم الخسارة التي أدركتنا والتي المت بالوطن في آن. عبارة أطلقتها عن حرقة لكن بوعي كامل، لا زال بعض الأصدقاء ممن سمعها يذكرني بها عند كل مفترق. واليوم في الذكرى الحادية عشر لاستشهاد الرفيق، أرغب في الإضاءة على بعض الانجازات السياسية التي شكلت علامة فارقة في مسيرته بقدر ما شكلت منعطفا في تاريخ هذا الوطن".

أضاف: "رفيق الحريري لم يكن انسانا عاديا، ولم يكن مجرد رجل قادته الظروف بعامل الوراثة أو عامل الصدفة الى الحكم. رفيق الحريري كان رجلا كادحا، يملك حلما كبيرا وعزيمة قوية ودأبا واسعا وايمانا بالله عز وجل. فصقلته تجربة الحياة وعجنته التجربة القومية برومانسيتها ونكساتها، بدءا من الأحلام التي طاولت النجوم الى الواقعية التي فرضتها هزيمة ال67. كل مسيرة حياته قادها باليدين العاريتين وطوعها لحلمه ومشروعه متذكرا في عمق وجدانه أن "ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى"، فيسر الله له ما يسر، وأعطاه المولى بحكمته ما أفاض به من خلاله على الناس، وزاده الله تجربة سخرها لوطنه. وحين كان معيار النجاح والثروة لدى بعض الذين أصابوا نجاحا في دول البترودولار مرتبط باخبار البذخ وما أنفقوه على القمار في مونت كارلو واخواتها، كان هم الشهيد رفيق الحريري كيف ينفق على أهله من أبناء وطنه في مجالات الصحة والتعليم والإقالة من العثرة. وكان داعما للعمل المقاوم بدون مشاوفة، وكان يسعى للم شمل اللبنانيين واعادة بناء الوطن حين كان معظم الناس يرون ذلك بعيدا وكان رفيق الحريري يراه قريبا. لقد وظف نجاحه وعلاقاته في التقريب بين اللبنانيين وكانت بدايات عمله الوطني في مواكبة مؤتمري جنيف عام 83 ولوزان عام 84، اللذين مهدا فعليا لمؤتمر الطائف. وكانت مواكبته لأعمال مؤتمر الطائف وتنقله بين كل الاطراف وتواصله مع كافة المراجع العربية التي رعت الاتفاق عاملا أساسيا في انجاح مؤتمر الطائف بما أفضى عنه من اتفاق".

وتابع: "لم يكد حبر اتفاق الطائف يجف وما أن تحقق السلم الأهلي بوقف الاقتتال وتسليم السلاح وبدء تنفيذ الاتفاق من خلال الاصلاحات الدستورية، حتى باشر الشهيد بالتحضير لمرحلة تحقيق مشروع الدولة. فالدولة لا تقوم فقط باصلاحات سياسية على الورق لأن الهدف من الاصلاحات السياسية هو تأمين الخدمات الاساسية للناس والانماء المتوازن وفتح كوة أمل من بين الانقاض بأننا نستطيع، نستطيع أن نعيد مؤسسات الدولة للعمل ونستطيع أن نعيد بناء ما تهدم بشكل أفضل ونستطيع ان نشرع لانماء متوازن. كانت هذه الخطوة هي صمام الامان لاعادة الروح الى مفاصل الدولة وبدء العمل على وقف هجرة الشباب اللبناني، الثروة الأساس في لبنان والتي كان الرئيس الشهيد يؤمن بقدراتها ويعرف قيمتها عن حق. فكان أن قدم دولة الرئيس الشهيد هبة الى الدولة اللبنانية من خلال مجلس الانماء والاعمار لمشروع عرف بأفق 2000 (HORIZON 2000) يقوم على مسح الواقع الاقتصادي والخدمات العامة بعد الحرب واقتراح برنامج يتعلق بالدرجة الأولى بالاستثمارات العامة مع علاقتها بالوضع الماكرو اقتصادي (MACRO ECONOMIE) هبة كلفت بها كبرى البيوت العالمية واللبنانية في الاقتصاد والمال والانشاء لوضع خطة حتى العام 2000".

وقال: "حين دخل الرئيس الحريري الى السلطة كانت الدولة قد بدأت تستلم نتائج الدراسات. لكن كان الشهيد يعرف بخبرته وفطرته وبعد نظره أنه وبصرف النظر عن الدور الذي لعبته سوريا في مرحلة ما في استقرار لبنان ووقف الحرب الأهلية فيه. فان اي نهضة في لبنان بمعزل عن نهضة موازية في سوريا سيصعب قيامها. لذا حينما كان يخطط، وهو لا يزال في السعودية، لإعمار لبنان ورفعه من تحت الركام، فكر مليا بإمكانية إقامة مشروع اعماري للبنان وسوريا في وقت واحد، على منوال خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا. وحاول أن يسعى إلى ذلك وإن كانت الظروف الإقليمية والدولية لم تسعف في السير بذلك. إلا أن المتابع لمسيرته يعرف مساعيه الدائمة في فك الحصار الاقتصادي عن سوريا، وسعيه للمساهمة في تحسين علاقاتها مع الأوروبيين، وخاصة مع الجانب الفرنسي، وهذا التفكير بذاته يشكل بعدا رؤيويا واقعيا. فالماء، كما يقولون لا تمر على عطشان. إضافة إلى أن سوريا بما تشكل من مجال حيوي للبنان، فإن دورها هذا يتسع اطرادا مع تقدمها وليس العكس. فإن كانت سوريا تستطيع أن تشكل سوقا للبنان، فإن هذا الدور يكبر ويزيد بقدر زيادة قدرة أهلها الشرائية. وهكذا نجد كيف أن رفيق الحريري ببعد نظره كان يعلم أن استقرار لبنان وازدهاره مرهون باستقرار جارته وازدهارها، وهذا بعد رؤيوي نادر يدفعنا إلى التبصر في حجم الفرصة التي أضعناها بخسارة رفيق الحريري رحمه الله. بهذه الخلفية الواقعية النادرة، وبالخلفية القومية التي يختزنها رفيق الحريري في أعماقه ومن مرحلة شبابه وبفهم عميق للجغرافية السياسية بكل أبعادها، والتي تجعل من سوريا الجار الوحيد، وانطلاقا من قناعته في دور سوريا في المنطقة، وتحديدا في مسألة السلم والحرب، والتواجد السوري في لبنان، بنى الشهيد رؤيته السياسية في العلاقة مع سوريا ورأى في التفاهم والتنسيق معها مصدرا لاستقرار لبنان الذي هو في أصل كل نهضة اقتصادية أو إعمارية أو اجتماعية، وحماية من الخطر الإسرائيلي ببعده الإحتلالي، وإبعادا لشبح الفتنة التي كانت إسرائيل تسعى دوما لزرعها في لبنان".

أضاف: "كان رفيق الحريري يعرف، من خلال واقعيته المفرطة، أن هذه العلاقة قد تكون مكلفة بعض الشيء، هنا أو هناك، ولكن كان يعرف أيضا من خلال موازنة الأمور، أنه يمكن التسامح ببعض التفريط في حدود المقبول مقابل استقرار أمني وسياسي يتيح إعادة بناء لبنان، الإنسان في لبنان الذي أنهكته الحرب الأهلية والطويلة، وإلى أن يقوى عود لبنان، وإلى أن تتغير المعادلات في المنطقة التي أفرزت راديكاليات سياسية تركت آثارها على لبنان، وكان من خلال العلاقات الشخصية مع القيادة في سوريا يصوب الأمور ويصححها كلما لامس التجاوز ما هو غير مقبول. كان دائما لديه شيء من خلال اتصالاته السياسية الدولية والعربية والإقليمية يوظفه مع سوريا. من أجل هذا كانت لديه قدرة على تصويب الأمور. طبعا كان ذلك في زمن الرئيس حافظ الأسد. والحقيقة أنه أنشأ مع الرئيس حافظ الأسد وفريقه علاقات شخصية كانت ذات أثر كبير في القدرة على لجم الأخطاء والحد من تماديها. طبعا لم يكتف الرئيس الشهيد في هذه العلاقة الآحادية مع سوريا، لأنه كان يعلم أنها وبحكم الطبيعة البشرية- طبيعة الاستئثار- قد تنتهي إلى تحويل لبنان إلى دولة تابعة في الفلك السوري، لذلك شرع إلى الموازنة في العلاقات عربيا وإقليميا ودوليا. فكان للعلاقة مع المملكة العربية السعودية ومع جمهورية مصر العربية، بما لهما من وزن عربي ودولي، ولدى سوريا بالذات التي هي دائما في حاجة إلى هاتين الدولتين من أجل تسليك الأمور مع المجتمع الدولي، العامل الأساس في إضفاء بعض التوازن في العلاقات اللبنانية السورية. وقد أضفت العلاقات مع الأوروبيين من خلال البوابة الفرنسية ومع الفرنسيين بالذات الكثير من الحضور السياسي الذي عدل الميزان. حتى أنه، رحمه الله، كان قد شرع في علاقة إقليمية مع تركيا (زمن طانسو تشيلر) من أجل تعزيز التوازن، وخاصة أن تركيا قد تكون- وعلى ما أظهرت الأيام- من أكثر الدول قدرة على التأثير على سوريا من خلال الواقع الجغرافي أو البشري أو الاقتصادي أو المصالح المشتركة بينهما. طبعا وبكل أسف لم يقرأ الكثيرون هذا الحراك. كان البعض يحركه عمى الدافع القومي. والبعض الآخر تحركه ردود الفعل الشوفينية على كل ما هو قومي أو متصل به. وآخرون يأكلهم الحسد من النجاح. وكان رحمه الله القوة الهادئة التي لا تتلفت إلى كل ردود الفعل ذلك لأنه يعرف ماذا يريد ويعرف كيف كان يتعاطى بواقعية وبعقل وبتوازن. وكان عن حق الفرصة الضائعة التي لم نستفد كفاية من قدراتها ورؤيتها الاستراتيجية".

وحول تفاصيل ما حصل خلال العدوان الاسرائيلي عامي 1993 و1996، قال: "إسرائيل كانت قد اجتاحت جنوب لبنان في صيف العام 1993. وانتهت إلى وقف عدوانها. لكن الذي حصل انه لم يكن للبنان دور أساسي في وقف الاعتداء، وفي المفاوضات التي تمت بمعزل عن الحكومة اللبنانية. حين اجتاحت إسرائيل لبنان في العام 1996 في ما عرف بعملية عناقيد الغضب، كانت إسرائيل تخطط لعملية تدميرية انتقامية هائلة من لبنان ومقاومته. لقد هال رفيق الحريري كما هال اللبنانيين الاجرام الاسرائيلي في الاعتداء على لبنان والذي بلغ ذروته في قصف الآمنين من أطفال ونساء وشيوخ في قانا ممن لجؤا الى مخيم قوات الامم المتحدة. لكن الشهيد على عادته لم يترك الألم الذي أصاب البلد يشل تفكيره وحركته، بل عمد الى الرد بسرعة فائقة بوسيلة قضت مضاجع الاسرائيليين وكشفت اجرامهم حين طلب الى أحد مراسلي أكبر وكالات الأنباء العالمية أن ينقل بشكل حي عبر التلفزيون وقائع الجريمة الاسرائيلية على أطفال قانا. عملية تردد فيها المراسل خوفا من أن يفقد وظيفته وعمله قبل ان يقنعه الشهيد ويتعهد له بكل تعويض عن أي ضرر يصيبه. مشهد لم تنقله وسائل الاعلام الغربية أكثر من مرة نظرا لضغوط اللوبي الصهيوني. لكنها كانت كافية ومهدت الدرب أمام تحرك الرئيس الحريري. لم يكتف رفيق الحريري بالاتصالات الدبلوماسية عبر السفارات والمنابر الدولية وتقديم الشكاوى. بل ركب طائرته وراح متنقلا بين عواصم القرار في العالم التي لها تأثير لدى الإسرائيليين ولدى شعوب العالم والرأي العام العالمي. بالطبع لقد كانت للرئيس الشهيد من خلال السمعة التي بناها، عبر نجاحاته في الحكم، ولشبكة العلاقات الشخصية مع الملوك والرؤساء في العالم، والتي قامت على احترام كبير لنجاحه ولمصداقيته، ولما كان يوحي من ثقة واحترام للذات واحترام لتعهداته، الأثر الكبير في فتح أبواب كل قصور الرئاسات والممالك".

أضاف: "لقد أدهش الرئيس الشهيد العالم بهذه الحركة وبما لقيه من استقبال على وجه السرعة. لكن الرئيس الحريري كان يعرف أنه بما كان يتمتع به من مصداقية في تصوير الواقع، وأنه بالاتصالات المباشرة مع أصحاب القرار، كان يختزل الوقت الذي تتطلبه مراسلات السفراء إلى وزارات الخارجية المعنية لتنقل إلى أهل الاقرار. وكان يعرف أن اتصاله المباشر بما يتمتع به من مصداقية وقدرة صادقة على التعبير عن حجم المأساة، ومن قدرة أكبر على اقتراح الحلول العملية لوقف العداون، سيكون له التأثير الكبير على تدخل مراكز القرار في وقف العدوان. ولقد أعان الرئيس الشهيد في حركته، ما نقلته فضائية تلفزيون المستقبل وبتوجيه منه من مآسي الإجرام الذي وقع في بلدة قانا على الأطفال الأبرياء، والذي تناقلته وسائل الإعلام في العالم. لكن المؤسف أن الكثيرين توقفوا عند سرعة الحركة التي قام بها، أخذتهم الدهشة أمام أبواب الملوك والرؤساء التي فتحت من دون انتظار، وذهلوا عند سرعة وقف العدوان، من دون أن يتوقفوا مليا عند بعد الأثر السياسي لهذا التحرك السياسي. لقد حقق دولة الرئيس بذلك أمورا ثلاثة بالغة الأهمية:

- أوقف العدوان، وأبان للعالم أن إسرائيل دولة معتدية تمعن في قتل الشيوخ والنساء والأطفال ولو كانوا في حمى الأمم المتحدة.
- انتزع الرئيس الشهيد- بتفاهم نيسان- اعتراف العالم بالمقاومة والحق في الرد بقصف المدنيين الإسرائيليين حين يتعرض المدنيون اللبنانيون للقصف.
- أعاد لبنان على الخريطة السياسية، إذ تولت الحكومة أمر المفاوضات بدون وصاية أو غياب، من دون ان ننسى زيارة وزير خارجية أميركا كريستوفر إلى لبنان والى البقاع تحديدا لتنفيذ الاتفاق (تفاهم نيسان)".

وتابع: "طبعا لقد كان الإنجاز كبيرا، وأظهر قدرات الرئيس الشهيد التي أذهلت خصومه وكل الذين يخشون على لبنان من استعادة العافية، فكانت برأي الإيذان الكبير في بدء الحرب الشنيعة عليه، تلك التي بدأت بعد انتخابات 1996 بتأليف حكومة ليس له فيها غالبية- وهذا يشكل نوعا من الحصار من الداخل- لينتهي الأمر في العام 1998 وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، بالتكليف المعيب لرئاسة الحكومة الذي اعتذر عنه، بحق، رحمه الله".

وأكد انه "حين خرج الشهيد من السلطة في العام 1998 ظن المتآمرون أنها النهاية وأن الخروج من السلطة سيكون مقدمة لاخراجه من البلد كما كانوا يشتهون. لم يدر في أذهان أولئك الغافلون أن الرئيس الشهيد لم تكن حساباته نزوة سلطة تتقاذفها رياح شهوة السلطة، بل كان في ذهنه وارادته مشروع بناء وطن لا يحيده عنه شيء. لم يتركوا وسيلة من وسائل الضغط والقهر والافتراء إلا ومارسوها ولم يستثنوا من ذلك قرارات التوقيف الاحتياطي والتحقيقات التي تناولت وهددت أقرب المقربين اليه. وبدلا من التلهي بفرعيات الأمور كان يخطط للأصل، كان يخطط لانقاذ البلد من جديد عبر سلسلة من الاصلاحات المالية والقانونية التي تحفظ للناس كراماتهم من خلال دولة القانون والتي تؤسس لانقاذ مالي ونهوض اقتصادي. لقد كنت شاهدا على تلك الحقبة والحقبة التي تلت ولقد كان لي شرف مرافقته عند عودته الى السلطة في تشرين الثاني من العام 2000. وبكل فخر لا أجد حرجا أن اقول أن كل مشاريع القوانين التي تقدمت بها وزارة العدل التي انيطت بي مسؤوليتها خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الحكومة كانت من اعداد فريق الرئيس الحريري في فترة الانتظار. كانت تردني مشاريع القوانين وكنت أراجعها مع فريق من الوزارة حتى إذا ما تبين لنا خلوها من أي عيب أو نقص عمدت الى التقدم بها من خلال رئاسة الحكومة كمشروع قانون. لقد قاربنا في تلك الفترة مجموعة من المشاريع التي تحفظ الحريات العامة وحرية العمل السياسي سواء من خلال ضبط التوقيف المؤقت في الجنايات والجنح أو من خلال وجوب التعويض على الموقوفين بخطأ مقصود أو غير مقصود أو حتى اعادة النظر بقانون المحكمة العسكرية، الى ما هنالك من أمور كشفت سنوات القهر عن قصور التشريع في حماية ضحاياها، وان لم نوفق في إقرار كل مشاريع القوانين التي قدمت بالشكل الذي كنا نطمح اليه، إلا أن هذه المشاريع آذنت بوعي جديد قابله سلوك آخر الى حين".

وقال: "لمجرد التذكير أقول: لم يغب الاهتمام عن كل ما هو اجتماعي. كان اصلاح الأمر في الصندوق الوطني الاجتماعي هو هاجس دولة الرئيس وبالرغم من قرار مجلس الوزراء والملاحقة شبه الشهرية، فلم نتمكن من الاطلاع على تقرير التدقيق المطلوب. وكان أيضا الاهتمام بالضمان الاختياري وتحضير مشروع قانون التقاعد في القطاع الخاص هو من أولويات الاهتمام وان لم ير المشروع النور حتى هذه الحظة".

أضاف: "لقد كانت العودة الى السلطة مدوية. كانت بنجاح كاسح بالرغم من كل الحصارات التي أملوها في سائر المحافظات. لقد أملى النجاح الكاسح وخاصة في بيروت، عودة مظفرة للحكم من خلال حكومة كان للرئيس الشهيد فيها القرار الوازن. فحضر لمؤتمر باريس 1 الذي كان مقدمة لباريس 2، حتى إذا ما تبين التزام لبنان بكل تعهداته في باريس 1 من الوفاء بالتزاماته المالية في مواعيدها الى رزمة الاصلاحات التي صدرت (قوانين الخصخصة) التي من شأنها لو نفذت أن تخفض الدين العام وتسير بالبلاد الى بر الأمان، حتى تقرر عقد مؤتمر باريس 2. لقد أذهل الجميع نجاح باريس 2 الذي فاقت نتائجه حتى تقديرات دولة الرئيس الشهيد. وما ان بدأ التدفق النقدي من خلال القروض والهبات والودائع مع ما استتبع ذلك من تخفيض خدمة الدين العام نتيجة انخفاض سعر الفائدة، الذي انعكس بدوره ايجابا على القطاع الخاص، حتى بدأت حرب من نوع آخر، حرب بدأت باستقالة الحكومة لاعادة تأليفها من جديد بفريق للرئيس الشهيد لم يتجاوز خمسة وزراء من أصل ثلاثين. لقد عبر دولة الرئيس رحمه الله وفي فترة التأليف بالذات عن امتعاضه من خلال لغة الجسد التي كان يمارسها باتقان. حتى إذا ما تألفت الحكومة تعاطى مع الواقع الجديد بنفس جديد من دون أي كلل أو ملل".

وتابع: "لقد واجهت البلاد مشروع التمديد لرئيس الجمهورية، كان دولة الرئيس رافضا للتمديد ويرى فيه من وجهة نظر مبدئية غلطا سياسيا كبيرا. وبعد أن قبل التمديد قسرا شرطه برزمة من الاصلاحات. وكان شرطه هذا وسيلة وحيدة متاحة للخروج من السلطة. وحين تأكدت له توقعاته كان شرطه الذي لم ينفذ وسيلته الفضلى للخروج من السلطة بدون صدام. لقد أدرك دولة الرئيس من خلال التهديدات التي رافقت عملية التمديد والوعود الكاذبة بعدم اعتراض مسيرة الاصلاح بأن نهجا جديدا يتبعه النظام السوري، نهج لم يعد يراعي لا الشكل ولا الأصل، نهج يهدد البلد في كيانه وسيادته، فعلم أن اسلوب التعاون قد سقط أو يكاد وانه لا بد من الانتقال الى المواجهة ولو بقدر ولو باعتماد المرحلية. فقرر تقديم استقالته واستقالة حكومته بعبارته الشهيرة "اني استودع الله هذا البلد وشعبه الطيب". لقد كانت العبارة بذاتها استشعارا مبكرا لمخاطر المرحلة المقبلة بما قد تتضمنه من آلام ومآس للبلد وأهله. لقد استقال دولة الرئيس وأتبع استقالته باتصالات سياسية واعتمد سياسة الخطوة خطوة بدلا من سياسة قلب الطاولة. وكان ايذانه لبعض نواب كتلته في الاتصال بقوى المعارضة المسيحية والانضمام الى اجتماع البريستول خطوات قليلة لكن ثابتة في درب اسقاط الوصاية السورية".

وختم الجسر: "لقد أدرك النظام السوري وحلفائه مقاصد رفيق الحريري وخياره في الاستقالة من السلطة. ولأنهم يعرفونه ويعرفون قدراته الشخصية وقدراته في الاتصالات الدولية والاتصالات السياسية وقدرته على استنهاض الناس، ولأنه كان يقلقهم إن تكلم ويقلقهم أكثر إن صمت ولأنهم كانوا يعرفون انهم بمواجهة رجل يعمل بصمت، رجل ذو ارادة صلبة يعرف ماذا يريد وكيف يريد، فأشار بعضهم الى ان التخلص منه سيكون بداية النهاية لاحلام السيادة واسقاط الوصاية. وكان ما كان من جريمة شنعاء عبر مخططوها ومنفذوها عن حجم الحقد الذي يختزنونه ضد رفيق الحريري وكل الأحرار وموطن الحرية. لقد فجر دم الرئيس الحريري بركان الغضب بعد أن أسقط كل اقنعة دعاة القومية والقضية وادعياء دعم لبنان ومساعدته. فكانت ثورة الأرز أول ربيع عربي أظهر قدرة الجماهير على مقاومة الطغيان، ربيع انتقل الى كل المحيط العربي والى دمشق تحديدا، ربيع لا بد أن يزهر ياسمينه. هذه بضع محطات سياسية من مسيرة رجل الانماء والتحرير، رجل كل الفصول، رجل العزيمة الصلبة، الرجل الذي أقرن دوما القول بالعمل، الرجل الذي عشق وطنه حتى الثمالة، الرجل الذي آمن بلبنان وشعب لبنان وشباب لبنان، الرجل الذي قضى من أجل لبنان. رفيق الحريري، وكفى".  

  • شارك الخبر