hit counter script

أخبار محليّة

عيد الحب على ألسنة زوجات العسكريين المخطوفين... ذوّبَنا الفراق

السبت ١٥ شباط ٢٠١٦ - 07:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع


قبل أن تسكُن في الخيمة حلمت بمَن يبني لها سقفاً يُدفّيها، وقبل أن تُشعل الإطارات بيدَيها حلمَت بمَن يُشعل قلبَها... كبرَت ولها أمنيات تَسقيها بريف عينيها، وحبيبٌ «حبَسها برّات النوم». وبَعد عام ونصف على 2 آب 2014 تهاوَت آمالها، وكادت مسامُّها تتأوّه ألماً، وعند الصلاة تتوضّأ بدمع عينيها... حالها ككلّ زوجات العسكريّين المخطوفين لدى «داعش» يَصرخن لأزواجهنّ... «إشتقنالكن كتير».مع بزوغ الفجر وهبوط الليل تشتدّ الحسرة في قلوب زوجات العسكريين المخطوفين، ولكنْ لعيد العشاق غصّة من نوع آخر، عطشٌ لا يرويه بحر، وجمرٌ لا تُطفئه «تلجات كانون». تعرّفَت غنوى (23 سنة) على زوجها الجندي محمد يوسف عبر الإنترنت، على رغم أنّهما من القرية ذاتها «المدوخا» البقاعية.

وتروي لـ«الجمهورية»: «زوجي «كِلمتو كِلمة، زلمي»، وهذا أكثر ما شدّني إليه، لذا ارتبطتُ وأنا في العشرين من عمري. وأكثر ما يميّزه انفتاحُه، فهو لم يمنعني يوماً من التحدّث مع رفيقاتي، لا بل كنتُ أشعر بأنه رفيقي وليس فقط زوجي».

«الهَمّ ختيَرنا»

أنعَم الله على غنوى ومحمد ثمرةَ حبّهما الأولى، فكانت صبيّاً سمّياه حسين، فتقول: «حسّونة أغلى ما أملك، مِراراً أشعر بالاستسلام، وكأنّ «الهَمّ ختيَرنا» باكراً، ولكن أنظر إلى ابتسامته أستمدّ منها ما يقوّيني».

ومع اقتراب عيد العشّاق، تتحسّر غنوى لتبدّل الظروف، فتقول: «كنّا نحتفل بعيد العشاق معاً، فأعِدُّ لزوجي مفاجأة خاصة، أزيّن له المنزل، ونَقطع قالباً من الحلوى، أمّا اليوم!»... تَصمت غنوى، تصارع دموعَها، وتقول: «ما عاد بوسعي إلّا إرسال الكلمات، علّكَ تقرأ ما أقول، أعِدك بأنّني سأبقى أحبّك، وأسعى جاهدةً لتعود إلينا، إشتقتُ إليك كثيراً».

تعود غنوى لذكرياتها مع زوجها فتقول: «حلمنا بكلّ شيء وتَصوَّرنا أيّ شيء إلّا أن نُحرَم منه، عملية خطفِه علّمتني الكثير، واكتشفتُ كم أحبّه، وأنّني مستعدّة لمواجهة الموت في سبيل حرّيته». وتضيف: «أواجه من أجلِه الإرهاب، أحرقتُ الإطارات وقطعتُ الطرق، لم أتخيّل يوماً أنّني قد أقوم بتلك التصرّفات». وتضيف: «في الماضي كنتُ أمازحه بالقول: «إذا بصيبك شي بِلحَقك»، والآن هو الوقت لأترجمَ مدى حبّي له وجهدي لاسترجاعه بثباتي قوية، متماسكة، لـ ألله يفرِجا».

«أخشى من هذه الكأس»

أمّا ريم زوجة العسكري المخطوف إبراهيم مغيط، فقد أجبِرت على تأدية دور الأمّ والأب، خصوصاً أنّها وضعت مولودتها بعد خطفِ زوجها. تُعبّر ريم عن مكنونات صدرها لـ«الجمهورية»: «منذ 8 سنوات ارتبَطنا. تعرّفت إلى إبراهيم بحكم وجود صلة قربى بعيدة بين العائلتين، وأنعَم الله علينا بدايةً بصبيَّين: عمَر 6 سنوات، وحمزة 5 سنوات، ولاحقاً بابنةٍ وهي ماريا التي لم تكمِل عامَها الثاني بعد».

تصِف ريم حياتها الزوجية بالجنّة، لشدّة سعادتها وافتخارها بعائلتها: «إبراهيم «كتير قلبو طيّب» ويُحبّ الأولاد، ولا سيّما أنّني مدرّسة، فكان يهتمّ بالأولاد ريثما أعود من عملي»، مضيفةً: «الشباب أيضاً متعلّقون كثيراً بوالدهم، ينتظرونه على النافذة يومياً حتّى سماع زمّور سيارته، فيهرَعون إلى الدرج لاستقباله».

لا تُنكر ريم أنّها كانت تخشى من خسارة زوجها أو تَعرُّضِه لأيّ خطر، بحُكم عملِه ودفاعه عن الوطن، فتقول: «غالباً ما كنّا نسمع بمشكلات لدى أُسَر أبناءِ الدولة، أحدُهم استشهد وآخر أصيب، وكنتُ أخشى في قرارة نفسي من أن أشربَ من هذه الكأس، إلى أنْ أصابَنا ما أصابنا، خُطف زوجي، سَندي وأبو أولادي».

ما عادت تُميّز ريم بين الأعياد ولا حتى أيام الأسبوع لمرارة الوقت وحساسيّة غياب الأب والزوج، فتقول: «في المرحلة الأولى من خطف زوجي كنت منهارةً نفسيّاً خصوصاً أنّني كنت حاملاً، فهذه المرحلة صعبة، والوحدة أصعب، وابني البِكر وضعُه الصحّي دقيق ومتاعبُ الدنيا لا تنتهي. ولكنْ كلّ مرّة أتأمّل أولادي وأتذكّر كلامَ زوجي قبل أن يذهب إلى الخدمة، «الأولاد أمانة انتِبهيلُن، وشو ما صابني حافظي على صلابتك».

أكثر ما يحزّ في نفس ريم لحظة استفسار الأولاد عن والدهم، فتقول: «أخبِرهم أنّه مسافر وأحياناً أشتري لهم أغراضاً على اعتبار أنّها منه». وتتابع متأسّفة: «صحيح أنّ المناسبات، مثل عيد العشاق، لم تعنِ لي ولزوجي الكثير، ولكنْ يكفينا أنّنا كنّا معاً نرتوي من نظرات بعضِنا، فنتقوّى، أمّا اليوم ففي كلّ ثانية وفي كلّ ذكرى أو مناسبة أتمنّى لو يكون إلى جانبي. وكأنّ شيئاً ما ينقصني، فلا معنى ولا رهجة للمناسبات، وقد أنسى الأعياد كلّها لولا واجهات المحالّ التي تُزيّن لهذه الأعياد».

أمّا عن الرسالة التي ترغَب في توجيهها إلى زوجها، فتقول ريم: «أرغب بمناداته أبو عمر، كما يَحلو له، يا «أبو عمر» الأمانة أولادُنا بخير يَكبرون بنعمة الله، ماريّا بدأت تندَه لك والشباب ينتظرونك، إشتقنالك، وانتبِه لحالك». تَعتبر ريم أنّ «أساس العلاقة الناجحة هي التفاهم والمحبّة وتحمُّل المسؤولية إلى أقصى الحدود».

مسؤولية تفوق طاقتي

من جهةِ وضحة (20 سنة) زوجة الجندي خالد مقبل حسن، الزواجُ المبكر لم يكن في الحِسبان، لكنّ الصدفة جمعتهما، فتروي لـ«الجمهورية»: «يومَ خطبةِ شقيقي من شقيقة خالد تعرّفتُ إليه وأعجبتني، «شبوبيته»، وأظهرَ لي كاملَ لطافتِه، فارتبطتُ به منذ أن كنتُ في السادسة عشرة من عمري». وتتابع بحماسة ولهفةِ العاشقين: «كنتُ «فايعة» ولا أزال على مقاعد الدراسة، فتزوّجنا وسَكنّا في منزل أهلِه في الفنَيدق، ولم أتوقّع أبداً أن يُخطَف منّي».

لوَضحة وخالد ولدان: صبيّ سمّياه مُقبل (3 سنوات)، والابنة أزاد (سنتان). لا تُنكِر وضحة أنّ حملَ المسؤولية ثقيل، «أحملُ مسؤوليةً تفوق طاقتي، لستُ بحجم هذا الحِمل، ولكن ليس بَعد الصبر إلّا الفرج». لذا تأبى الاستسلام إلى مرارة الأيام وفراغ الأعياد نتيجة غياب زوجها، فتقول: «كنّا نَحتفل معاً، وعيد العشّاق من الأمور الخاصة، للمرّة الثانية يمرّ العيد وزوجي ليس معي»... لذا ترفَع وضحة يديها إلى السماء مناجيةً ربَّها: «أعِده لي سليماً».

في الختام، «لا تُشرق الشمس في منتصف الليل، ولكن في قمة اليأس ينبت الأمل!» على حد قول الاديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران، لذا يبقى التحلي بالامل بأن يتوّج مصير العسكريين المخطوفين لدى داعش بتحررهم وعودتهم سالمين.


ناتالي اقليموس - الجمهورية - 

  • شارك الخبر