hit counter script

مقالات مختارة - سعيد غريب

يا شباب لبنان

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٦ - 12:17

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الأفكار

ليس غريباً أن تعيش الديموقراطيات في العالم حالة عجز، فالكون بأسره يمرّ بحالة انفصام خطيرة.. وتشهد البشرية غياباً يكاد يكون كاملاً لمفهوم السلطة إن في المدرسة وإن في العائلة، عبر تنامي عدم الاحترام للمسؤولين والأساتذة والأب والأم. ولم تعد الأزمات العالمية سياسية بقدر ما هي أزمات روحية، وأصبحت الآليات الديموقراطية مسخّرة بفعل سلطات أربع اجتمعت في كتلة واحدة، هي وفق الدكتور أنطوان مسرّة <المال والأنتلجنسيا والسياسة والإعلام>.

وبـــــات لبـــــنان في هذا البحـــــر الهائج مجـــــرّد باخرة مثقوبة يتقاتل من على متنها لقيادتها وهي تغرق…

الكبار منشغلون اليوم بنشر فلسفة جديدة في مفهوم الديموقراطية، فيفرضونها متفلتة من أي ضوابط في أمكنة، ويتركونها جدلية في أمكنة ثانية، ويضربونها بوسائل ظاهرها ديموقراطي وباطنها ديكتاتوري في أمكنة ثالثة.

أما لبنان فيتخبّط بأمور لا تُحصى، ويسلّم قدره لهؤلاء الكبار المنشغلين حتى آذانهم بديموقراطية البترول والمصانع الكبرى، ولا يحاول أن يترجم رسالته الكبرى التي نصح بها القديس الراحل البابا يوحنا بولس الثاني لينتصح منها العالم أجمع وتكون جوهراً جديداً وأساساً متيناً للحضارات، ومخزوناً روحياً وثقافياً لسائر الشعوب.

إن حكّام لبنان لا يزالون هم هم بالجينات عينها، يتحكّمون بالناس ولاسيما الشباب.

ولو كانت الديموقراطية في لبنان ديموقراطية لما واجهنا قضية الشباب. فالديموقراطية هي انتقال السلطات بالأساليب السلمية من يد تمارسها الى يد يعتبر الشعب أنها باتت أجدر بممارستها.

يقول الكبير غسان تويني قبل ستة عقود، <إن من مفارقات الديموقراطية في لبنان، أن ليس في لبنان أحزاب ديموقراطية تمثل دورها في الانتخابات، ومتى علمنا أن الأحزاب هي حجر الزاوية في النظام الديموقراطي، وأنها الضمانة الكبرى لشعبية الحكم، وبالتالي الصلة الحية بين الناخبين ونوابهم، ومن ثم بين النواب والحكومة، وبين الحكومة ورئيس الدولة، متى علمنا ذلك، أدركنا السر في فشل الديموقراطية عندنا>.

إن صراخ الشباب اللبناني اليوم يذهب سدى وهدراً لأنهم مشتتون وضائعون و<مبلوعون> في أفواه الحيتان، حيتان المال والطائفية، وَهُم بجهود خجولة، لن يستطيعوا تصويب البوصلة والبدء بعملية إصلاح مضنية.

في مقال للأديب صلاح لبكي قبل ستة وستين عاماً عن الشباب ومستقبل لبنان، يقول: <إن العلّة الكبرى في حياتنا السياسية، بل إن العلل التي تتحدّر منها مصائبنا الأخرى هي أن الذين يحكمون اليوم مستعدون لأن يحكموا باسم كل الفلسفات أو من دون أية فلسفة، وانه يوم تزول هذه العلة، أي يوم تُسند مقاليد الحكم الى أهل عقيدة ونهج، تكون قد زالت علل كثيرة>.

ومما لا شك فيه أن الظاهرة التي تلازم الشباب اللبناني هي الحيرة:

الشباب اللبناني على حد تعبير موريس باريس، <مُقتلَع الجذور، يتخبّط وسط تيارات متضاربة متكاثرة يدّعي كل منها لنفسه ولاءه التام، ولم يقدّم واحد منها بعد مثاليّة أو عقيدة تتيح له كسب معركة الشباب أو توفر له العناصر الكفيلة بكسب تلك المعركة>.

هل يعرف شباب لبنان ممن هم دون الثلاثين من العمر، وأخص بالذكر الشباب الموارنة، لأن الزمن زمن مار مارون وعيد شفيع الطائفة، إن الاستحقاق الرئاسي لم يعد استحقاقاً بالمعنى العملي منذ شهر أيلول/ سبتمبر من العام 1988؟

يومهـــــا، انكسر الاستحقــــــاق وأضحــــى التعطيــل <موضة> جديدة وثقافة جديدة.

يومها، خُيّر اللبنانيون بين مخايل الضاهر والفوضى، فاختار الزعماء الموارنة الفوضى، وخسروا ومعهم سائر المسيحيين الجمهورية الأولى، ولم يربح المسلمون الجمهورية الثانية.

هل يعرف شباب 14 آذار، والزمن زمن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أن الباقة الحلوة التي صنعوها هم قبل أحد عشر عاماً في ساحة الشهداء، غَرفَ الساسة وحدهم من أريجها، وتنشّقوا وحدهم رائحتها واستفادوا من خيراتها طوال عقد كامل؟

هل يدري شباب لبنان، المسلم والمسيحي أن القرار بيدهم وحدهم، وأن قضيتهم هي أن ليس لهم فلسفة لبنانية يجتمعون على الإيمان بها؟

ماذا ينتظر شباب لبنان من بلد بلا رأس؟ من مسرح مفتوح لانتخاب رئيس؟ من عرس حضره المدعوون وغاب عنه العريسان؟

يا شباب لبنان،

ذووكم انهكتهم الحروب والأزمات المتعاقبة وأنتم تأكلون الحصرم، معركتم في سبيل الدولة الفضلى ليست معركة سياسية بحتة، إنما هي معركة بناء المجتمع.

فهل تُقدمون على تحدي التاريخ، وتبنون لأنفسكم دولة وتاريخاً؟

  • شارك الخبر