hit counter script
شريط الأحداث

أخبار محليّة

الراعي: الموارنة مدعوون ليكونوا قادة الوحدة لا ممعنين في تفتيتها

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٦ - 11:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد مار مارون في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطارنة بولس الصياح، سمير مظلوم، حنا علوان وعاد ابي كرم، الأب ايلي الخوري، في حضور النائبين جيلبيرت زوين وانطوان زهرا، الوزير السابق يوسف سعادة، ممثل سفير فرنسا المستشار الثاني في السفارة جان كريستوف أوجيه، قائد سرية جونيه العقيد جوني داغر، رئيس جمعية تجار جونيه كسروان - الفتوح روجيه كيروز، رئيس نادي الانوار الرياضي بول كنعان وحشد من الفعاليات والمؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "حبة الحنطة إن وقعت في الأرض وماتت، أتت بثمر كثير" (يو 12: 24 )، قال فيها: "يشبه الرب يسوع موته وقيامته وولادة الكنيسة منهما "بحبة الحنطة التي إن وقعت في الأرض وماتت أعطت ثمرا كثيرا" (يو 12: 24). ونحن بالمعمودية والميرون أصبحنا شركاء المسيح بموته وقيامته من أجل حياة جديدة، فينا وفي مجتمعنا ووطننا، بل وفي الأسرة البشرية جمعاء. وبات نهج حبة الحنطة، القائم على التضحية والتفاني وإخلاء الذات، مصدر ثمار الخير في العالم. هذا النهج عاشه القديس مارون ناسكا مصليا ومتقشفا على تلة من تلال قورش في نواحي أنطاكية، المدينة التي سمي فيها تلاميذ المسيح "مسيحيين" لأول مرة، بحسب كتاب أعمال الرسل (11/ 26). فكان القديس مارون بمثابة حبة حنطة ولدت منها الكنيسة المارونية".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معكم، ومع جميع الموارنة في القارات الخمس، بعيد أبينا القديس مارون، ونهنىء كل أبناء كنيستنا وبناتها، إكليروسا وعلمانيين، في كل أنحاء العالم، بعيد أبينا القديس الذي دعينا باسمه، ملتمسين من الله بشفاعته، ونحن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية، أن يمنحنا نعمة الإقتداء بروحانيته في عيش إنجيل المسيح، وبفضائله، حفاظا على الإرث الموروث من الآباء، والأجداد، والتزاما منا برسالتهم في هذا المشرق وفي كل مكان نعيش فيه".

وقال: "تنسك مارون الكاهن السرياني الأنطاكي على جبل، محولا هيكلا للأصنام الوثنية مكانا للصلاة واللقاء بالله وشفاء المتقاطرين إليه. إن أول ما يدعونا إليه القديس مارون أن ننتصر على أصنام الحياة التي تسعى إلى أن تأخذ مكان الله في حياة البشر وهي أولا صنم المال الذي سماه الرب يسوع "ربا" بقوله: "لا يمكنكم أن تعبدوا ربين، الله والمال. فإما أن تحب الواحد وتبغض الآخر، وإما أن تتبع الواحد وتنبذ الآخر" (متى 6: 24). فلا يمكن لأبناء مارون أن يتخلوا عن إيمانهم وأرضهم ووطنهم، وعن مبادئهم وتقاليدهم، لقاء الورقة الخضراء التي تحتل أرضنا، أو أي صنم آخر.
والصنم الثاني الراحة واللذة على حساب الرسالة والشهادة المسيحية والتضحية بالقيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، والعيش في أسر الأنانية والروح الإستهلاكية، وفي الانغلاق عن البذل والعطاء، وعن تقاسم ما وضع الله بين أيدينا من خير مادي أو معنوي أو ثقافي مع من هم في حاجة.
والصنم الثالث هو السعي إلى السلطة، بأي وسيلة كانت ولو على حساب الخير العام، والإحتفاظ بها، من دون القيام بما تملي من واجبات تجاه الشعب والجماعة. فتضحي وسيلة لكسب المال والتسلط وإهمال حقوق المواطنين. هؤلاء لا يدركون أن الأوطان تبنى بالتضحية بالذات لا بالتضحية بالآخرين من أجل ذواتهم ومصالحهم.
والصنم الرابع هو العنف والسلاح الذي يحمل عابده إلى فرض نفسه ورأيه على جميع الناس وتخويفهم وتهديدهم، ويعطل الشأن العام، ويستبيح الحرب وأعمال العنف، ويستبد بأرواح المواطنين وغيرهم، ويجعل من نفسه سيد الحياة والموت، محتلا مكان الله، الذي هو وحده سيدهما و أوصى آمرا: "لا تقتل!" (متى 5: 11)

أضاف: "إن جميع الذين يعبدون هؤلاء الأصنام وأمثالهم، إنما يعيشون في حالة عبودية لأصنامهم، ويخسرون عطية "حرية أبناء الله" الثمينة. نلتمس من الله، بشفاعة القديس مارون، أن يحررنا ويحررهم، ويحرر جميع المستعبدين لأصنام، أكانت أشخاصا أم أشياء أم ايديولوجيات، من أجل خيرهم وخير مجتمعهم. إن زمن الصوم الكبير ويوبيل سنة الرحمة هما الزمن الغني بنعم الله التي تشفي الانسان وتغير كيانه الداخلي، وتجعله فاعل تحرير لغيره".

وتابع: "من عظائم الله المتجلية في شخص القديس مارون، قدرته على الشفاء من جميع أنواع الأمراض، الجسدية والروحية والأخلاقية، بقوة صلاته. كتب مؤرخ حياته المطران تيودوريطس، مطران قورش:
"كل أنواع الأمراض تعالج عنده بدواء واحد: الصلاة. إن الذين يتعاطون الطب، يعالجون كل داء بدواء خاص. أما صلاة القديسين فهي علاج عام للأسقام كلها".
صلاة القديسين تشفي لأنهم أحباء الله؛ يدهم تشفي لأنها امتداد ليد الله؛ كلامهم يشفي لأنهم يقولون ما يقول الله".

أضاف: "من ميزات القديس مارون وتلاميذه وكنيسته المارونية حتى يومنا، بناء العلاقة الطيبة مع الجميع. فالكنيسة المارونية لم تعرف الانقسام في داخلها. بل هي واحدة موحدة في شركة الايمان مع كرسي بطرس. ولذا، هي مقبولة من جميع الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والجماعات المنبثقة من الإصلاح. ولها أن تلعب دورا مميزا في الحركة المسكونية.
هذا الدور لعبته في لبنان، إذ قادت مسيرته التاريخية، بشخص بطاركتها والقادة المدنيين، في زمن المقدمين، وفي عهد إمارتي المعنيين والشهابيين، حتى الأول من أيلول 1920 عندما أعلنت دولة لبنان الكبير، وصولا إلى سنة 1943 وتحقيق الاستقلال الكامل، وإطلاق الميثاق الوطني. فكان النظام السياسي في لبنان قائما على مشاركة جميع مكوناته المسيحية والإسلامية، على تنوع طوائفها، في الحكم والإدارة، مع الفصل بين الدين والدولة، والمساواة في الحقوق والواجبات. ولعب الموارنة دورا مميزا في جعل لبنان جسرا ثقافيا متبادلا بين الشرق والغرب، مع الانفتاح الكامل على الحداثة".

وتابع: "في عيد القديس مارون، الموارنة مدعوون لإكمال هذا الدور؛ لأن يبنوا جسورا بين جميع مكونات الوطن، لا جدرانا؛ لأن يكونوا صلة وصل لا قطع؛ فالمسيح نفسه جمع بين البعيدين والقريبين، ونقض حاجز العداوة (راجع أفسس الفصل الثاني). ينبغي أن يكونوا قادة الوحدة في لبنان، لا ممعنين في تفتيتها".

وقال: "إننا نبارك كل خطوة تجمع بين البعيدين والمتنازعين، وكل فعل تحرير من الذات والمصلحة الشخصية، وكل تقارب بين الأضداد. نبارك كل خطوة تعيد الثقة بين اللبنانيين ولا سيما بين الكتل السياسية والنيابية، وبين أهل الحكم في البرلمان والحكومة. نبارك كل مبادرة شجاعة لإزالة تعطيل الجلسات الانتخابية في المجلس النيابي. فمن أجل الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لبنان بحاجة إلى رجالات دولة حقيقيين، يقومون بمثل هذه الخطوات والأفعال والمبادرات".

وختم الراعي: "في عيد أبينا القديس مارون الذي ينادينا للعودة إلى الجذور والتقاليد، وفي زمن الصوم الكبير الداعي إلى التغيير الداخلي والمصالحة مع الله والذات والناس، وفي يوبيل سنة الرحمة الذي نختبر فيه رحمة الله وجودته، نلتمس من الله أن يمن على لبنان بزمن جديد يخرجه من أزماته، وعلى بلدان الشرق الأوسط، ولاسيما على فلسطين والعراق وسوريا وسواها، بالسلام العادل والشامل والدائم، ونهاية الحروب والنزاعات، وعودة جميع النازحين والمهجرين والمخطوفين إلى ديارهم وممتلكاتهم. ولله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس، نرفع كل مجد وشكر الآن وإلى الأبد، آمين".
 

  • شارك الخبر