hit counter script

مقالات مختارة - محمد عبيد

مفاجأة الميدان وإرباك الحسابات

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٦ - 07:03

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الوطن
هل تقطعت السُبُل بالولايات المتحدة الأميركية وأذرعها الإقليمية في سورية، أم مازالت لديهم بدائل لاستعادة زمام المبادرة العسكرية في الميدان والسياسية في أروقة المفاوضات؟ سؤال فرضته الوقائع المتزامنة بين الحوارات غير المكتملة في جنيف وبين الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الشمال والجنوب السوريين.
فبعد البدء بحصاد نتائج المرحلة الأولى من الخطة الروسية-السورية-الإيرانية المشتركة التي هدفت إلى تدمير مخازن الدعم اللوجستي وقوافل الإرهابيين النفطية والعسكرية والبشرية من خلال الانتقال إلى مرحلة الانقضاض البري على أكثر من محور مفصلي، وقطع طرق الإمداد الخارجية للمجموعات الإرهابية إضافة إلى تحصين المدن الرئيسية ومنع أي من هذه المجموعات من التقدم نحوها، بدت سورية بحُلةٍ معنوية جديدة فهي تقترب تدريجياً بشكل دراماتيكي من استعادة سيطرة الدولة على حدودها البرية الأكثر تأثيراً في الحرب عليها بعدما تلاشت إمكانية السيطرة على جزء من مجالها الجوي. والأهم والأبرز أن المعركة الفاصلة الأخيرة في الشمال السوري تحديداً أدت إلى انهيار قوى مصطنعة كجيش الفتح مثلاً الذي تستظل به التنظيمات الإرهابية المتنوعة والذي كان الأتراك والسعوديون والأميركيون من خلفهم قد راهنوا على توظيفه في حماية الممر الممتد بعرض 5 إلى 15 كيلومتراً من الحدود التركية عبر بلدة إعزاز إلى حلب المدينة.
ولأن الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي السوري يفصل بشكل قاطع بين مساري مواجهة المجموعات الإرهابية من جهة وبين متابعة الحركة الدبلوماسية ومن ضمنها العملية التفاوضية من جهة أخرى، كان ممثلو الحكومة السورية ومازالوا يقاربون طاولة الحوار السوري-السوري في لقاءات جنيف وفيينا وفق قراءتهم لجدول الأعمال المطروح، غير أن وفد «الرياض» المعارض في لقاء جنيف الأخير أحس بالخواء السياسي والمعنوي وهو يتلقى أخبار المتغيرات الميدانية وخاصة بعد تلقيه أوامر تركية-سعودية بضرورة وقف التفاوض والمغادرة على اعتبار أن الهدف الحقيقي لحضور هذا الوفد أصلاً كان السعي إلى تثبيت وقفٍ لإطلاق النار يشمل مناطق وجود المجموعات الإرهابية المسلحة بمجملها، ما يُفضي تباعاً إلى تثبيت خطوط تماسٍ تمنح هذه المجموعات شرعية الاعتراف بها كأمر واقع يستوجب أن يُحسب لها مكان على طاولة الحوار أو في كواليسه.
الآن وبعد هذا التحول النوعي والمفاجئ، تبدو الإدارة الأميركية أمام معضلة جديدة حول كيفية مقاربة الأزمة في سورية حيث لم تصح مقولاتها ومقولات أذرعها بأن المشاركة أو ما يسمونه «التدخل» العسكري الروسي سيُغرق موسكو في مستنقع لن تخرج منه سالمة أو أن ذلك سيعرضها إلى هجمات إرهابية وهو ما حصل فعلاً ضد بعض العواصم الأوروبية وليس العاصمة الروسية. أي إن الرهانات الأميركية والتابعة لها باءت بالفشل ونجح الروسي في الجو من خلال تكريس علاقة تكاملية على الأرض مع السوري والإيراني وحلفائهما مجتمعين في منع تقسيم سورية ودول الجوار واستعادة موقعه الدولي كقوة عظمى من بوابة تصديه الفعلي وليس الكاذب لظاهرة الإرهاب الدولي انطلاقاً من سورية.
أما الحليفان التركي والسعودي فيبدو أنهما لم يستفيقا بعد من هول المفاجأة وهذا ما ظهر من خلال تصريحاتهما الانتحارية حول إرسال قوات برية إلى سورية وهو أمر مستحيل الحصول من دون حماية ورعاية أميركية غير متوافرة ولا يبدو حالياً أنها ستتوافر مع هذه الإدارة. لكن المهمة الأصعب والأكثر استعجالاً أمامهما هي كيفية إعادة تكوين حالة عسكرية جديدة من بقايا حالة مهزومة وخصوصاً مع قلة عددها وضيق مساحة وجودها وحركتها وإمدادها. أما الأكثر خطورة فهو ما تتداوله بعض مراكز «التفكير» الأميركية حول احتمال بلوغ الجنون السعودي حد العودة إلى توريط لبنان عبر شماله وبعض النازحين السوريين إليه من جديد لفتح خطوط إمداد بديلة تعوض فقدان ممرات الحدود التركية وتعوق حركة مقاتلي «حزب الله» لمنعه من الاستمرار في مساندة الجيش العربي السوري.

  • شارك الخبر