hit counter script

مقالات مختارة - وائل عبد الفتاح

إبحث عن «نخنوخ»

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٦ - 06:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

يريدونها صحراء....
هذا هو حلّهم الوحيد أن تتصحّر هذه البلاد، وتردم رياح الرمال كل اختلافاتها وتعددها، وتبتلع الرمال المتحركة كل حيوية يمكن أن يبنى عليها...
هذا سلاح «الاستبداد» الذي لا يريد أن يغادرنا.. سر الأنظمة الشمولية/ المتوحشة التي تعيدنا إلى الحياة المتصحرة أو إلى وضع «الاميبا» كلما أردنا التغيير أو العودة إلى الحياة.
وفي واحدة من شذراتها تكتب حنة ارندت عن الألم «الذي نعانيه من الحياة الصحراوية».. وأن هذا الألم هو دليل على أننا ما زلنا بشراً وأحياء، نفهم التعدد، والتنوع، ونسعى إلى الهروب من خطر أن نصبح «سكاناً حقيقيين للصحراء»... ولهذا فإن كل محاولات دفعنا إلى التأقلم مع الصحراء تبدو الآن ماكرة، ومتوحشة.
ولهذا فالخبر طريف: أوباما يدعو الدول العربية إلى تشكيل «حكومات جامعة».
طرافته متناثرة في أخبار متفرقة عن «تحالف بقيادة السعودية لدخول سوريا عسكرياً» و «الحرب على «داعش» اقتربت»..
والطرفة كانت سوداء حين ضربت الفتاة الإيطالية وجه جون كيري وزير الخارجية الأميركي وهي تصرخ: «.. أنتم الذين صنعتم داعش...».
الطرافة قاتلة، تدمّر دولاً، وتضع مجتمعات كاملة على صفيح ساخن، وتقيم حروباً أهلية وتجمّد بلاداً كاملة تحت عواصف رمال تغطي على كل شيء.
هل هناك ما هو أقسى أن ترهن لبنان تحت رحمة مافياوات طائفية، تردم حيوية التنوع، لتصبح مجرد «ملعب لتصفيات الإقليم»؟
وبهذه التعبيرات المستوحاة من الفلسفة (من نيتشه إلى حنة ارندت) هل أزمات مصر إلا محاولة ردم «الواحات» بعواصف رملية، تلغى فيها الاختلافات ليتأقلم المصريون مع «سكن الصحراء» التي تتحول إلى ممشى استعراضي للسلطة..؟
قس على ذلك السعودية نفسها التي تقود تحالف نشر الصحراء، ومعاداة الاختلاف والتغيير، هل لديها غير «موديل صحراوي» تفرضه بقوة المال والسلاح..؟
وهنا يأتي دور نخنوخ حارس «الصحراء» أو بمعنى أدق الحارس على بقاء «الصحراء» كأفق وحيد.

ـ 2 ـ
... في كل بلد نخنوخ..
ذلك الحارس الأمين لاستقرار الأوضاع على ما ابتلينا بها» على توزيع الحصص والغنائم كما تريد السلطة، ولكي تستمر.
في كل دولة من دول هذه البقعة «نخنوخ» يحمي البنية التحتية للسلطة. ستراه وتحتاجه وتشعر به وسيقتلك من أجل «مصلحة الوطن» إذا خرجت عن «شفرة الحكم» المسجلة في «صناديق سوداء» محفوظة في تلك الغرفة المعتمة.
قبل أيام ألغي حكم المؤبد على «صبري نخنوخ» الذي كان اعتقاله احد علامات سقوط أو اهتزاز قبضة «نظام مبارك».
هو «رئيس جمهورية» كما قالها في التحقيقات.. وكان يعنيها: هو ابن عصر تقسيم الدولة إلى «جمهوريات» أو إقطاعيات... يدير كل جمهورية «كبير» موثوق به.. تترك له السلطة والثروة والسلاح ليسيطر على «جمهوريته» ويضمن الولاء للريس الكبير.
نخنوخ بالتأكيد كان سيصبح وزيراً للداخلية أو للاستثمار.. إذا ما عاد مبارك أو عائلته أو المافيا المولودة برعايته.
نخنوخ أمير، كما سمته الصحافة، لكنها أخطأت حينما استسهلت وحصرت إمارته في البلطجة... وهو لا يفصل بين «المافيا» و «الدولة» كلاهما، بالنسبة إليه، كيان واحد ضروري لاستقرار للبلد، ويمنحه فرصة تضخيم الثروة واتساع القصور وملاعب المتع الفاخرة.
القبض على نخنوخ كان حدثاً، التقطته الأجهزة بعد عودته من لبنان، واقتحمت إمارته السرية/ المعلنة في الكنج مريوط (على أطراف الإسكندرية).
المملكة تضم قصور إقامة، وأخرى للمتعة (... أجنحة لحريم الأمير) وغابة صغيرة تضم 7 أسود وأقفاص 20 كلباً متوحشاً... وزرافة.
إنه «مثقف عضوي» بمعنى من المعاني المقلوبة، فهو مدافع عن مصلحة «البلد» كما رآها «الريس»، وكان يقصد في تصريحاته الرئيس محمد حسني مبارك.... وهو صادق حين يقول إنه كان «يخدم البلد ويراعي مصالح المسؤولين الكبار الذين كانوا يحركون الدولة كما يشاءون...».
هو ذراع السلطة، وكان من الممكن أن يتحول إلى عقلها إذا دارت الدائرة وأراد مركز (الجمهوريات/ الإقطاعيات) مكافأة رجاله المخلصين أو تغيير مسمياتهم، ساعتها لن يكون نخنوخ أميراً للبلطجة، لكنه «بطل... شعبي» له بطولات في حماية البلاد من «العناصر المندسّة» و «العملاء» بداية من السيطرة على الانتخابات إلى السيطرة على استقلال «الجمهورية/ الإقطاعية..» في مواجهة الخطر القادم.
وهذا ما جعل نخنوخ يعتبر أن له ثأراً مع الإخوان، وأن القبض عليه مؤامرة إخوانية، بينما كان يؤدي مهمته للحفاظ على أركان الدولة حتى يعود أصحابها.
وعي نخنوخ ليس عابراً، ولا خرافياً، إنه الوعي السري الذي حُكِمَت به مصر سنوات طويلة، واختير أهل الثقة من نوعية نخنوخ للسيطرة المحلية، بعيداً عن القانون وصداع الحقوق ومستلزمات الدولة الحديثة.
حداثة نخنوخ في المتع (خمر وحشيش) والصداقات مع النجوم، والقدرات الواصلة لحل أي مشكلة والوقوف أمام سلطات بيروقراطية تطبق قوانينها على المواطنين لكنها أمام «رئيس جمهورية « تتحول إلى خدم وحراس.
وقف نخنوخ أمام إحراز القضية فخوراً مبتسماً: هو محارب في استراحة عابرة، يتوعد ويروي تفاصيل سيطرته على «جمهوريته» ويهدد باعترافات مصورة تورط كل من يتصدر المشهد الآن... (منهم قيادات إخوانية...).
نخنوخ يتجاوز إحساس المتهم إلى «المقاوم..» لسلطة تجلس الآن على مقاعد سلطة كان يعمل في حماها ولاستقرارها.... هو ابن نظام بنى شبكات من سلطة موازية.... أقرب إلى عصابات سرية تعبر عن وجود قوى موازية لسلطة الدولة.
قوى مالية وعائلية وربما طائفية وسياسية، تحاول حسم الحروب الصغيرة، وقطع الطريق على من يهدد مصالحها عبر تجنيد عناصر مدربة في عصابات محترفة.
كان الشعور بوجود هذه العصابات أحياناً أخطر من وجودها فعلاً... لأنها ربما تكون في لحظة من اللحظات عنصراً قادراً على حسم معركة سياسية أو قضائية، يتعطل فيها القانون وينتصر فيها الأقوى أو الأكثر قدرة على الإيحاء بأنه الأقوى.
لم تُهزم هذه السلطة الموازية عندما سقط مبارك كما انهار حزبه، لكنها استمرت وشكلت الحرس الأخير للصحراء.

ـ 3 ـ
نخنوخ ليس فرداً... لكنه شبكة.
هذه الشبكات من دورها غرز قيم الصحراء، واعتبارها «القدر» الملائم لنا، والخروج عنها ضياع في المتاهة... يكمل عمل هذه «الطليعة» دعاة اصطفاف وأطباء وخبراء مهمتهم خلق التوافق مع الصحراء وعواصفها الرملية التي يمكنها ردم «وجودنا البشري» في لحظة.
هذه الشبكات موجودة وعملت بشكل متوتر أثناء المرحلة الانتقالية الأولى، وكانت حصن «المقاومة» الفعّال في وجه الثورة.
ليس معروفاً بدقة حجم هذه الشبكة أو مدى تأثيرها لكنها ما زالت مؤثرة ويمكن تفعيلها من قبل أي سلطة، لأنها ببساطة تعمل بقانون الولاء للراكب على السلطة.
نخنوخ الفخور بقوة الدهاء، القدرة على السيطرة على آلاف الرجال، حسم معارك انتخابية من الرئاسة إلى البرلمان، وكان بين قومه رئيساً يرعى ويوجه ويوظف إمكانات أهل جمهوريته لصالح ما يراه في «مصلحة البلد».
إنه الذراع القوية التي تتحرك في الخفاء بخفة بعيداً عن تعقيدات القانون لتحسم الخلافات وتفرض حضور القادر على دفع تكاليفها. زعماء هذه العصابات أصبحوا شركاء في السلطة و»مثقفيها العضويين».
هؤلاء ليسوا بلطجية بالمعنى التقليدي، ولا مجرمين، إنهم شركاء في سلطة تتعرض شركتها الآن لإعادة بناء أو توزيع لحصص المصالح.
وهذا سر لغة تحدي نخنوخ للجميع، فهو يدافع عن جمهوريته وحدودها في مواجهة المؤامرة.
إبحث عن نخنوخ في بلدك تعرف سرّ ما نعيشه.

  • شارك الخبر