hit counter script
شريط الأحداث

أخبار محليّة

البطريرك الراعي: البلاد في طريق الانهيار

الأحد ١٥ شباط ٢٠١٦ - 11:26

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في بكركي، عاونه المطارنة سمير مظلوم، حنا علوان وأنيس ابي عاد والأب انطوان عطاالله، في حضور عائلة المرحوم سمير فؤاد كنعان، متطوعي الدفاع المدني وحشد من المؤمنين.

العظة

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "حول يسوع الماء الى خمر فائق الجودة"، (راجع يو 2: 7-10)، قال فيها:" يدعى هذا الأحد أحد مدخل الصوم الكبير، الذي نبدأه غدا. وهو زمن صيام وصلاة وأعمال محبة ورحمة، زمن التوبة إلى الله والمصالحة معه ومع الناس. تفتتحه الكنيسة بحضور يسوع في عرس بقانا الجليل، للدلالة أن زمن الصوم هو لقاء مع الله بالمسيح، وبالتالي زمن سعادة وفرح بفعل كلمة الله الهادية إلى الحقيقة والمحرِرة من الضلال. وتتأمل في آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، للدلالة أن زمن الصوم هو موسم التغيير الداخلي بفعل النعمة الشافية وعمل الروح القدس. فكما حول يسوع الماء إلى خمرة جيدة، نسأله أن يحول كل واحد وواحدة منا إلى إنسان جيد وجديد".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الذبيحة الإلهية، ونحييكم واحدا واحد، راجين لكم الدخول في زمن الصوم الكبير بفرح اللقاء بالمسيح الفادي. ونحيي بنوع خاص عائلة المرحوم سمير فؤاد كنعان الذي ودعناه معها في مطلع الأسبوع الفائت، ونصلي لراحة نفسه في ملكوت السماء، ونجدد التعزية الإلهية لزوجته وأولاده وأنسبائهم. ونحيي بيننا وفد المتطوعين في مؤسسة الدفاع المدني، ونشكرهم اولا على تضحياتهم في خدمتهم، ونحيي ارواح الشهداء الذين سقطوا من صفوفهم اثناء القيام بمهماتهم الانسانية. واننا نتوجه الى الحكومة مطالبين بإنصافهم وبإحترام حقوقهم ومطالبهم حرصا على هذا الجهاز الانساني والاجتماعي الاساسي في حياة الوطن".

وتابع: "لقد أصدرنا رسالتنا العامة الخامسة لصوم 2016، بموضوع: "الصوم الكبير ويوبيل سنة الرحمة" التي ستوزع عليكم في ختام هذه الليتورجيا الإلهية. وفيها ثلاثة أقسام تقود مسيرة الصوم نحو العبور بنا مع فصح المسيح إلى حياة جديدة. في القسم الأول، نتأمل في واجب الصلاة وسماع كلام الله وممارسة سر التوبة، وفي القسم الثاني، نقدم توجيهات الكنيسة لعيش الصيام والقطاعة والأماتات؛ وفي الثالث، نوجه الدعوة للقيام بأعمال المحبة والرحمة".

أضاف: "يستمد الصوم الكبير من يوبيل سنة الرحمة نعمة فوق نعمة، لأنه انفتاح القلب وفيه رغبة عميقة للعبور من خلال الباب المقدس إلى رحمة الله، نختبرها في نفوسنا ونلتزم بأن نكون رحماء تجاه الآخرين، كما الله هو رحوم معنا.
إن مسيرة الصوم وعبور الباب المقدس يذكراننا بأننا في حالة حج على وجه الأرض، وحالة مسافرين نحو هدف منشود، هو سعادة الحياة التي نجدها في الله وحده، بحسب قول القديس اغسطينوس:"لقد خلقتنا لك يا رب، وسيظل قلبنا قلقا ومضطربا فينا، إلى أن يستقر فيك" (اعترافاتي).

وقال: "حتى هذا الاستقرار الكامل، علينا أن نكون عنصر سعادة وارتياح للذين نعيش معهم في البيت والكنيسة، وفي المجتمع والوطن. هذا الواجب يعود بنوع خاص لكل صاحب سلطة ومسؤولية. وكم نرجو ذلك من السلطات السياسية والإدارية تجاه شعبنا الذي يعيش في قهر الفقر والحرمان، ويقع ضحية الاستبداد والمصالح الشخصية والفئوية، ويرتسم أمامه مستقبل قاتم. وفي كل حال، نوجه النداء مجددا إلى الكتل السياسية والنيابية، التي تعطل انتخاب رئيس للجمهورية وبالتالي المؤسسات الدستورية والعامة، أن يحزموا أمرهم بأسرع ما يمكن، لأن البلاد في طريق الانهيار. فمن حق اللبنانيين أن يعيشوا في دولة تحترم حقوقهم، وتؤمن خيرهم العام، وتتقيد بالدستور والميثاق الوطني والنظام الديمقراطي الذي يعتمده لبنان ويقره في مقدمة الدستور التي تنص على أن "لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية" (ج).

أضاف: "هذا النداء يشمل أيضا حكام الدول، في العالمين العربي والدولي، الذين يفرضون الحرب على فلسطين والعراق وسوريا، بالمال والسلاح ودعم المنظمات الارهابية، من أجل مصالحهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. فمن حق مواطني هذه الدول أن ينعموا بالسلام والعيش الآمن على أرضهم، التي عليها كتبوا تاريخهم وحضارتهم، وكونوا هويتهم. والمسيحيون هم فيها منذ ألفي سنة، وبثوا ثقافة الاعتدال والانفتاح والعيش البناء مع الآخر المختلف، وأسهموا اسهاما كبيرا في نموها وازدهارها".

وتابع: "لقد شاء الرب يسوع أن يكون ظهوره العلني الأول، في بداية رسالته الخلاصية، في احتفال عرس قانا للدلالة أنه أتى إلى أرضنا ليشارك الناس في أفراحهم، بل ليكون سبب فرحهم الحقيقي وسعادتهم، بفضل السلام الذي يزرعه في قلوبهم. كما أتى ليشارك الناس في آلامهم وحزنهم وجوعهم وفقرهم،وسمى هؤلاء "إخوته الصغار" (متى 25: 41).

لم يكن حضور يسوع مقتصرا على وجوده الحسي، فهو سيد العطايا جميعها، وحيث يتواجد تفيض النعم وهبات الله. مريم أمه وحدها تعرف كل مكنونات قلبه، وتعرف أنه قادر على إخراج العروسيَن من مأزق نفاد الخمر، ومن موقع الإحراج تجاه المدعوين. فجاءت تعرض عليه مشكلة نفاد الخمر بدافع منها، لأنها هي ايضا مثله، وقد اتخذت في الأساس حالة "الخادمة" (لو1: 38)، كانت في العرس تعتني بكل ما يسعد العروسين والمدعوين. إنها "الأم الحنون" تواصل سهرها على كل بيت وعلى كل انسان. جميل هذا الحضور! جميل أن نكون في كل مكان وظرف بمثل هذا الحضور".

أضاف: "بفضل تشفع مريم أجرى يسوع آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، من بعد أن ملآ الخدام الأجران الستة بالماء. تعلمنا الآية أولا أن عطية الله أكثر مما ننتظر ونطلب، فلا تقاس بمقياس البشر. فلو وجدت أجران أكثر عددا، لأمر الرب بملئها كلها ماء.
تقدر سعة الأجران الستة ب 720 ليترا، وهي كمية كبيرة جدا، فاقت بالطبع الكمية الأساسية التي هيئتْ لاحتفال العرس. وتعلمنا أيضا أن عطية الله، أيا كان نوعها، هي دائما فائقة الجودة، لأنها صادرة عمن هو الجودة الكاملة في جوهره. وتدعونا الآية لنكون أسخياء في عطائنا، أيا كان نوعه، أكان من ذات يدنا أو من وقتنا أو من مساعدة نسد بها حاجة، حبا بالله وإكراما لجودته".

وتابع: "حضور يسوع في العرس مع مريم أمه وتلاميذه، يضفي على الزواج قدسية ومعنى. فتحويل الماء إلى خمر فائق الجودة يرمز إلى أن المسيح أتى ليغير وجه الإنسان والعالم. في سر الزواج يتم تحويل "الاثنين إلى واحد"، على صورة الله الثالوث، واتحاد المسيح بالكنيسة (أفسس5: 32)، جاعلا منهما جماعة حب وحياة (الكنيسة في عالم اليوم، 51). الخمر الفائق الجودة هو الحب المتقد في قلب العروسين، الواحد للآخر. وقد أصبح بحلول الروح القدس عليهما في السر المقدس حبا مقدسا لامتزاجه بالحب الإلهي المسكوب في قلب العروسين بالروح القدس. إنه حب سام جدير بتقديسهما عبر حياتهما الزوجية والعائلية، إذا حافظ كل واحد منهما على حبه للآخر، وجعله خمرة جيدة أبدا في حلو الحياة ومرها".

وختم الراعي: "في عرس البشر، في قانا، كان تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، أما في عرس المسيح الخلاصي، فكان تحويل الخمر إلى دم فاد للبشرية جمعاء بفضل حب الله اللامتناهي للبشر الذي تجلى في شخص المسيح. هكذا الخمرة أصبحت رمزا للحب المتفاني، المضحي، المعطاء. في هذا النوع من الحب يجد الإنسان سعادته، سواء في الحياة الزوجية أم في الكهنوت أم في الحياة المكرسة، أم في حياة الفرد الذي يقوم بواجب حالته أو مسؤوليته. وهذا النوع من الحب يعطي نكهة ومعنى للحياة وللعمل ولممارسة الواجب والمسؤولية.

فليرتفع من قلب كل زوجين وعائلة نشيد المجد والتسبيح لله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
 

  • شارك الخبر