hit counter script

الحدث - شارل جبور

الطائف اللبناني والطائف السوري

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٦ - 06:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تحول اتفاق الطائف إلى عنوان للمزايدة السياسية من جانب قوى سياسية محددة تصنِّف نفسها بأنها المؤتمنة على هذا الاتفاق، وتعمل على تصنيف القوى السياسية بين داعمة لهذا الاتفاق ورافضة له، بل تعمد إلى تخوين كل من تسوِّل له نفسه الكلام عن ضرورة الالتزام بروحية الطائف.
وفي الحقيقة والواقع ان اتفاق الطائف الذي أقِّر في خريف العام ١٩٨٩ لم يطبَّق يوما، وما طبِّق إلى اليوم هو الطائف السوري نتيجة عوامل عدة تبدأ من انهيار التوازن الداخلي بفعل حرب الإلغاء، مرورا بانهيار التوازن بين البعثين السوري والعراقي مع دخول الرئيس صدام حسين إلى الكويت واستجلابه تدخلا دوليا ضده، وصولا إلى تسليم المجتمعين الدولي والعربي بالوصاية السورية على لبنان.
وتذكيرا ان الطائف ارتكز على معادلتين: المعادلة السيادية من خلال التوفيق بين نهائيته وعروبته، والمعادلة الميثاقية عبر إرساء المناصفة المسيحية-الإسلامية بدلا من الغلبة المسيحية في النظام. ولكن هذا الاتفاق فشل في تحقيق السيادة بفعل الوصاية السورية، كما فشل في تحقيق الميثاقية بفعل إقصاء المكون المسيحي السيادي.
وفيما كان الرهان على إخراج الجيش السوري لإعادة الاعتبار لاتفاق الطائف سياديا وميثاقيا، إلا ان هذا الأمل سرعان ما تبدد سياديا مع رفض "حزب الله" التعامل بإيجابية مع الوقائع المستجدة، والانضمام إلى الاستقلال الثاني عبر تسليم سلاحه تحقيقا للسيادة المنتهكة منذ العام ١٩٦٩، بل شكل تمسكه بهذا السلاح ضربا لمبدأ العيش المشترك بين اللبنانيين، لأن من ينتهك السيادة هذه المرة لا الفلسطيني ولا السوري ولا الإسرائيلي، إنما أحد المكونات اللبنانية بحجة المقاومة وضعف الدولة وإلى آخر هذه المعزوفة.
وهذا التطور الخطير أدى إلى انتقال الرهان أو الأمل إلى تسليم "حزب الله" سلاحه طوعا في سياق نظرية اللبننة، أو ان تعيد التسوية الإقليمية الموعودة الاعتبار لاتفاق الطائف من خلال دفع الحزب إلى تسليم سلاحه، ولكن عمليا لا الحزب في وارد التسليم الطوعي لسلاحه ولا التسوية الإقليمية على قاب قوسين من أن تتحقق، وبالتالي الشق السيادي من الطائف سيبقى غير مطبق إلى أجل غير معروف.
وأما لجهة الشق الثاني من الطائف والمتمثل بالبعد الميثاقي، فالخلل الذي نتج عن الوصاية السورية استمرت مفاعيله بعد انتهاء تلك الوصاية، حيث لم يتمكن المكون المسيحي السيادي من استعادة فعاليته داخل النظام بفعل التمسك بقوانين انتخابية مجحفة كان الغرض منها في زمن الوصاية إقصاء هذا المكون عن السلطة.
وإذا كان الوضع في لبنان لا يستقيم من دون سيادة، فإنه لا يستقيم أيضاً من دون شراكة مسيحية-إسلامية تجسِّد علة وجود لبنان وميثاقه الوطني، والاستخفاف بهذا البعد إما ينم عن جهل بطبيعة النظام اللبناني، وإما عن تغطية مقصودة للأمر الواقع، حيث يحاول هذا البعض ان يعطي للدور المسيحي أبعادا كونية بغية التقليل من أهمية المطالبة بالتمثيل الصحيح في محاولة مقصودة للنيل من القوى المسيحية الساعية لتحقيق الشراكة، وفي تضليل متعمد للرأي العام، وتشويه مفضوح للوقائع والحقائق التاريخية، لأن لا دور مسيحي من دون فعالية سياسية، ولا فعالية خارج الدولة ومؤسساتها بدءا من رئاسة الجمهورية مرورا بمجلس النواب وصولا إلى الحكومة.
وفي موازاة الاستهداف الممنهج للفعالية المسيحية، وكأن المطلوب الإبقاء على الشراكة شكلا لا مضمونا، فإن الانتهاك المتواصل للشق الميثاقي ينسف أساس الفكرة التي قام عليها لبنان بأنه البلد الوحيد في العالم الذي يتشارك فيه المسيحي والمسلم، كما السني والشيعي في إدارة الحكم في البلد.
وإذا كان الشق السيادي من اتفاق الطائف غير قابل للتطبيق اليوم بفعل "حزب الله" وسياساته، فلماذا لا يطبَّق الشق الميثاقي من خلال انتخاب الرئيس الذي يمثِّل الأغلبية المسيحية بعد اتفاق معراب، وإقرار القانون الانتخابي الذي يعطي المكون المسيحي قدرة التأثير في انتخاب نوابه وتحقيق معادلة الشراكة، ومن ثم من المسؤول عن عدم تطبيق الشق الميثاقي من الطائف؟
وبانتظار تطبيق اتفاق الطائف بشقيه السيادي والميثاقي، فإن ما يطبق لغاية اليوم هو الطائف السوري لا اللبناني.
 

  • شارك الخبر