hit counter script

غارقون في القمامة والحكي مش متل الشوفِه

الخميس ١٥ شباط ٢٠١٦ - 06:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تخطّى موضوع النفايات في لبنان حدود المشكلة الآنية، وأصبح أزمة بيئية خطرة لم تجد طريق الحلّ بعد أكثر من 6 أشهر على حدوثها. خلال هذه الفترة تمّ تناول الأزمة ضمن أطر مختلفة، وطُرحت لمعالجتها حلول كثيرة غلب فيها الشقّ السياسي على التقني. لكن غفل الجميع عن الحلّ الأساسي الناجع والمستدام: التوعية والتثقيف.تمّ عرض فيلم «Trashed» الذي يتناول مشكلة القمامة وأثرها عالمياً، مساء الثلثاء الأخير ضمن مهرجان السينما الأوروبية في لبنان، في سينما «متروبوليس أمبير صوفيل» في الأشرفية. وكانت الدورة 22 للمهرجان قد انطلقت في 25 كانون الثاني الفائت وتستمرّ لغاية 6 شباط الجاري.

جولة بين النفايات

بعد عرض الوثائقي «Trashed» (غارقون في القمامة) للمخرجة البريطانية كانديدا برادي، حول موضوع التلوّث بالنفايات الصلبة بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، جرت مناقشة لموضوع إدارة النفايات وجهود الاتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان في معالجة هذه المسألة الملحّة.

ويأخذنا الممثل جيريمي أيرونز عبر فيلم «Trashed»، الذي رُشِّح لجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان عام 2012، في رحلة برية وبحرية وجوية حول العالم لمدة 98 دقيقة، يُرينا من خلالها مناظر فظيعة ناتجة عن «نفايات» الانسان. نتائج كارثية على الكوكب، والحيوان، والطبيعة، والهواء، وبالتالي على الانسان بحدّ ذاته.

يدرس جيريمي أيرونز في هذا الوثائقي مخاطر تلوّث الهواء واليابسة والمياه، وينطلق لاكتشاف حجم المشكلة العالمية للنفايات وآثارها. وفي إطار جولة حول العالم على مواقع جميلة ملوّثة، يخوض في نقاش مع علماء وسياسيين وأناس عاديين تأثّرت صحتهم وسبل عيشهم بشدّة بسبب التلوّث الناجم عن النفايات. يذهب في رحلة تقصّي دقيق تظهر أنه يمكن تجنّب مخاطر التلوّث الناجم عن النفايات على حياتنا بفضل مقاربات مستدامة.

مشاهدة هذا الفيلم تثبت صحّة المثل اللبناني القائل «الحكي مش متل الشوفِه»، إذ انّ الفيلم يتناول مشكلة النفايات بطريقة علمية، إنما بنظرة فنيّة، فيُشعرنا بأنّ سكّان الكوكب، وليس اللبنانيون فقط، غارقون فعلاً في القمامة.

وينقلنا الفيلم من صوَر جبل مكبّ صيدا في لبنان على شاطئ البحر (تمّت إزالته لاحقاً) مروراً ببريطانيا وفييتنام وعدد من الدول، وصولاً إلى المشاهد الفظيعة لنهر سيليونغ في إندونيسيا المليء بالعبوات البلاستيكية، حيث يسبح الأطفال وسط أكياس تطفو على سطح الماء، وتغسل النساء الثياب والأواني المنزلية بمياه مليئة بمخلّفات الصرف الصحّي. أمّا المشهد الموهّل فهو شرب آلاف الساكنين في الأكواخ المحاطة بالقمامة من هذه المياه.

تشوّه الأجنّة

يتضمّن الوثائقي أرقاماً واختبارات علمية توضح مدى آثار القمامة. ففي كلّ عام نرمي حوالى 58 مليار كأس بلاستيكي، المليارات من الأكياس البلاستيكية، 200 مليار لتر من زجاجات المياه، ومليارات الأطنان من النفايات المنزلية والنفايات السامة.

ما يجعلك تشعر بضيق التنفّس وكأنّ النفايات تُحيط بالمكان الذي تجلس فيه (للأسف في لبنان هذه المشهدية المُتخيّلة حقيقية)، فتقول ماذا بعد؟ ما هو الحلّ؟ تُرينا فظاعة ما نُخلّف وتنتقدنا؟ ولكن ما هو العمل؟ أين نذهب بالنفايات ماذا نفعل بها؟

يأتي الجواب سريعاً فيظهر أنّ الفيلم ليس «تنظيرياً» بقدر ما هو توعَوي وهادف، يطرح المشكلة ويبيّن نتائجها وآثارها، ومن ثمّ يقدّم الحلول لمعالجتها.

ويظهر الفيلم مدى ضرر المحارِق من خلال آثار الديوكسين «dioxin» الناتج عنها. يدخل جيريمي أيرونز إلى أحد الأمكنة في فييتنام حيث نرى علباً زجاجية تحتوي على «أجنّة» مُشوّهة تملأ الرفوف. مشهد صاعق يتبعه مشهد آخر لا يقلّ وجعاً، يتمثّل بأولاد مُشوّهين من آثار الديوكسين المُفرز من الحرب الأميركية في فييتنام وما تبعها من أعمال في مصانع كيماوية.

هناك طفل من دون عينين، وفي آخر جمجمة رأسه مُجتزأة، وثالث يعاني خللاً عقلياً، طفلة وُلدت مبتورة اليدين والرجلين... إلى ما لا نهاية من التشوّهات. كلّ هذه الكوارث البشرية ناتجة عن آثار الديوكسين التي تظهر بعد 25 و30 سنة.

ما الحلّ؟

يخلص الفيلم إلى أنّ الحلّ يكمن في تخفيض نسب النفايات ونسب استهلاكنا للمواد غير القابلة لإعادة التدوير إلى نسبة الصفر في المئة. فأخذنا أيرونز إلى سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية، حيث لا تُستعمل الأكياس والزجاجات البلاستيكية، ولا تُستورد المواد غير القابلة لإعادة التدوير، ويتمّ فرز النفايات القليلة بشكل علمي واستخدام المواد العضوية منها كسماد.

بعد انتهاء عرض الفيلم، تمّت مناقشته بين عدد من ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، والمنظّمات غير الحكومية والجمعيات، الوزارات اللبنانية المعنية والجمهور الموجود. واتّخذت المناقشة منحىً سياسياً، خصوصاً في حضور ومشاركة بعض وجوه الحراك المدني الأخير.

في ظلّ الطروحات العديدة والمناقشات الغوغائية غير المنتجة في لبنان، نسأل أين التوعية؟ لماذا لا نثقّف الانسان حول هذا الموضوع؟ كي يخفّف من استهلاكه وكي يتعلّم الفرز، كي لا يرمي النفايات على الشاطئ، كي لا يستخدم المواد البلاستيكية، وغيرها من الإرشادات.

بعد عرض هذا الوثائقي في مختلف أنحاء العالم وفي عدّة برلمانات أوروبية، يجب أن يدخل «Trashed» كلّ منزل في لبنان، فالحلّ الأفضل لأيّ أمر على المدى الطويل هو الحلّ الاستباقي عبر بناء مواطن مثقّف.

راكيل عتيق - الجمهورية - 

  • شارك الخبر