hit counter script
شريط الأحداث

لو قرأ البطريرك صفير مذكراته مرتين لما نشرها

الأربعاء ١٥ شباط ٢٠١٦ - 07:04

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

على رغم اضمحلال نسَب المطالعة عند اللبنانيين، إلّا أنّ الكتب التي تكشف مذكّرات أو سِيَر حياة شخصيات كان لها دور كبير في السياسة ما زالت تجذب القرّاء. ومن هذه الشخصيات المثيرة للاهتمام، البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، الأباتي بولس نعمان، والوزير السابق فؤاد بطرس.تتّسِم هذه الشخصيات الثلاث بنوع من الغموض وقلّة الكلام، على رغم لعب كلّ منها أدواراً مهمّة وأساسية في السياسة اللبنانية خلال زمن الحرب والسلم.

الجامع المشترك

الجامع المشترك الآخر بين الأشخاص الثلاثة، هو أنّ كاتباً واحداً تمكّن من الولوج إلى أسرارهم ومعلوماتهم وكتابة مذكراتهم، وهو الكاتب أنطوان سعد.

أنطوان سعد صحافي وكاتب لبناني، وصاحب دار سائر المشرق للنشر، ويُعتبر من أكثر المثقفين دفاعاً عن فكرة لبنان الوطن، ومفهوم الدولة الحديثة، إن من خلال كتبه أو من خلال إصدارات الدار.

في زمن تعاني فيه دور النشر تراجع نسَب الانتاجية والربحية، أسّس أنطوان سعد دار «سائر المشرق» عام 2004، لكن كانت اصداراتها محصورة بالأبحاث وكتب سعد، وفي عام 2011 فُتحت أبواب «سائر المشرق» للجميع.

وفي مقابلة مع «الجمهورية» يقول سعد: «أعشق الكتب منذ الصغر ولطالما كنت أحلم بامتلاك دار نشر، وفي بعض الأحيان لم تكن لي القدرة المادية لشرائها فكنت أدفع ثمنها بالتقسيط. لذلك، لديّ هاجس دائم بضرورة توفير الكتاب للأشخاص الذين يحبّون القراءة من دون عناء، وهذا ما اتّبَعته في دار «سائر المشرق»، فكلّ إنسان يحب المطالعة يمكنه الحصول على أي كتاب من إصداراتنا بسعر زهيد أو حتى مجاناً إن لم يكن يملك ثمنها».

ويشير إلى أنّ «هذه السياسة كانت جزءاً أساسياً من الاتفاق بين دار سائر المشرق ودار l’harmattan الفرنسية، فثمن الكتاب المشترك مع هذه الدار في لبنان أقلّ من ثمنه في فرنسا».

لبنان وسائر المشرق

يعتبر سعد أنّ العمل بدار النشر «يدخل ضمن السياسة بمعناها السامي، أي الخير العام. والهدف منه خلق تيار فكري، يدفع باتجاه نهضة فكرية أدبية سياسية تعيد إلى لبنان موقعه ضمن الدول العربية كوطن إشعاع وفكر، ولنَشر قيَم الجمهورية داخل لبنان كي نساهم بتوعية الناس حول مفهوم المواطنية ولا نبقى قطعاناً نَتبَع الزعماء».

أمّا عن اختيار «سائر المشرق» كعنوان للدار، فيعلن أنه «تكريم للبطريرك صفير، كما أنّ الدار تسعى إلى التوجّه للمشرق عموماً وليس فقط إلى لبنان، والمُضمر من العنوان لبنان وسائر المشرق».

وعن نسَب مبيعات الكتب، يقول: «في لبنان ممكن أن يصل مبيع الكتاب إلى الـ1500 نسخة في السنة»، معلناً بأسى أنّ «أهمّ شركة توزيع في لبنان تعتبر أنّ العنوان الذي يبيع مئة نسخة سنوياً في جميع مكتبات لبنان يكون كتاباً مقبولاً، كما أنّ هذه النسبة في تراجع».

وعلى رغم عمر دار سائر المشرق القصير، برزت إصداراتها واستطاعت تحقيق مراتب مميزة في معظم فئات الكتب في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الأخير، ومنها كتاب «البنك العثماني» لـ سمير ذكي الذي كان الأكثر مبيعاً في فئة الرواية، و«جمهوريتي» لـ نزار يونس الذي كان الأوّل ضمن فئة الفكر والفلسفة، و«البنية الأسلوبية في شعر أنسي الحاج ويوسف الخال وعبد الوهاب البيّاتي» للدكتورة مهى الخوري نصّار، الذي كان الأول ضمن فئة الأدب.

صفير أشجع رجل

ولدى سؤاله كيف استطاع إقناع البطريرك صفير بكتابة مذكراته؟ أجاب: «كنت أحضّر لكتابة portrait عنه كرجل عام 2000 ففكرتُ أنه يجب أن أكتب سيرته الكاملة لأنه رجل الأعوام كلّها»، وتابع: «استطعت أن أراه وقلت له أريد أن أكتب سيرة حياتك، فأجابني بلهجته الكسروانية: «وايش بحرز» إذا أردتَ أن تضيّع وقتك أكتب».

ويؤكّد سعد أنّ «البطريرك صفير هو أشجع رجل عملتُ معه ولم يلغِ أي شيء ممّا كتبته، وطلب مني أن لا أذكر تفاصيل أبلغه إياها البابا يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته لبنان. وأن لا أذكر السُباب بين بعض الأشخاص، وأيضاً رسالة تهجّم من الرئيس الراحل سليمان فرنجية إلى البطريرك هزيم».

في كل جزء من مذكرات البطريرك صفير الثلاث، أجرى أنطوان سعد مقابلات مع 80 شخصية، ومن ضمنها الوزير الراحل فؤاد بطرس. ويتذكّر سعد قائلاً: «عندما قرأ بطرس 150 صفحة من الجزء الأول من مذكّرات صفير حاول إقناعه بعدم نشر الكتاب لأنه اعتبر أنه من المضرّ كشف هذه المعلومات في ذلك الوقت (عام 2002)».

ويتابع: «بعد أن قرأ فؤاد بطرس كلاماً صادراً عنه أطلعني عليه صفير، ذهب إلى البطريرك وسأله: «سيّدنا هل قرأت الكتاب قبل أن يُطبع؟»، فردّ صفير بالإيجاب، فقال بطرس بطريقته الدبلوماسية المميزة: «سيّدنا لو قرأته مرة ثانية لَما سمحتَ بنَشره».

خلال إحدى المقابلات قال سعد لبطرس إنه يريد أن يكتب مذكراته فوافَق، ما فاجَأ سعد الذي ذكّره بما قاله للبطريرك، فكان ردّ بطرس: «أنا لم أقل إنّ الكتاب ليس جميلاً وجيداً بل قلتُ يجب ألّا يُنشَر».

يقول سعد عن بطرس إنه «رجل فريد يزين الأمور بشكل كبير ويحرص كدبلوماسي من الطراز الرفيع على المحافظة على علاقات جيدة مع الجميع، لذلك ألغى الكثير من مذكّراته وحذفَ أشياء مهمّة جدّاً عن دور فؤاد شهاب عام 1958».

«المارد الجميل»

وعن الرئيس السابق للرهبنة اللبنانية المارونية الأباتي بولس نعمان، يقول سعد: «حاولتُ إقناعه بكتابة مذكراته منذ عام 1993، وبعد صدور الجزء الأول من كتاب البطريرك صفير وإعجابه به أعطاني الضوء الأخضر لكتابة مذكّراته». ويضيف: «الأباتي نعمان شخصية رائعة جدّاً، ألقّبه بالمارد الجميل. ولقد حذف معلومات خطيرة عن الحرب توضِح وقائع كثيرة أو تؤكّدها».

يعلن سعد أنه لم يعد مهتمّاً بكتابة مذكّرات أحد، ومن الممكن فقط أن يكتب السيرة الذاتية للوزير السابق ميشال إده.

صدر لأنطوان سعد أيضاً كتاب «بقاء المسيحيين في الشرق خيار إسلامي»، ويعمل حاليّاً على كتاب بعنوان «بين العيش المشترك والحرية»، الجزء الرابع من مذكّرات البطريرك صفير، الجزء الثاني من مذكرات الأباتي بولس نعمان، وكتاب عن «أسرار المرحلة الشهابية» مَبني على أبحاث وشهادات سوف تغيّر منحى الكثير من الأمور عن مرحلة فؤاد شهاب الرئاسية.

راكيل عتيق - الجمهورية - 

  • شارك الخبر