ماذا أقول لك يا عاما مضى؟ وماذا يقال للأموات؟ هل نحملك فشلنا واخفاقاتنا؟ كلا فنحن قوم لا نؤمن بالقدر الا قليلا، فنحن من يبارك او يلعن السنين. نعم، لا يعرف الناس بأنهم هم من يقدسون السنين.

تتحمل السنون ما لم تقترفه. نحملها لعناتنا وآمالنا الضائعة. نروح نرمي عليها ما نتمنى وما لم نستطع تحقيقه. نرمي عليها ضعفاتنا ونلعنها.

وما السنون ان صارت بلا مفاعيل؟ فهي تصير ردهات بانتظار الموت او قد تصبح الموت بعينه. تصير السنون سخافات ان لم تكن سلالم تحملنا الى فوق. تقزمنا ان لم تعلمنا وتكبرنا. فنصير نحمل اخفاقاتها ومراراتها اثقالا، فلا نعود نتطلع الى فوق، نعيش في الماضي، ولا ننظر الا الى الأرض الى ان تطوينا الأرض.

ما الأزمنة والامكنة ان لم نجعلها محطات؟ وهي ان لم تصبح محطات تصير احمالا نئن تحت وقعها سنة بعد الأخرى، فتفقدنا سلامنا.

البشري عادة يولد مرة واحدة من احشاء امه الى العالم. الا انه إذاما أراد ان يصير انسانا فعليه ان يولد مرات كي يتحرر من قيود السنين. وهو ان لم يدسهاكي يمسك اللحظة، يصير اسير الماضي، يتكبل ببساطة.

وهو إذا ما عاش في الحلم يصبح عبد الوهم. وإذا كان الماضي قد انتهى، فالمستقبل مازال سراب.

عاش اجدادنا لأنهم ما اهتموا بالغد، عاشوا ليومهم ونسوا امسهم وسلموا غدهم الى ضابط الازمنة. ما تذكروا من الماضي الا العبر.  أمسكوا الحاضر وسطروه قصصاً. ارتسم السلام على وجوههم. وسلامهم كان لا يسرق. فهو ما كان ضمانة او منة من حاكم او متسلط بل من الله. تزاوجت المحبة بالبساطة والجهد فسطرت على وجوهم عبق الأرض.

احملني ربي الى البساطة، فأنا قد كرهت التزلف. احملني ربي الى حيث تصبح السنون سلما واللحظات نغما. احملني ربي الى أعماق نفسي حيث اولد مرات ومرات كي اتحرر من اخطائي وضعفي. احملني يا ربي ولا تنساني في نفسي، كي لا أغرق، انتشلني، فأنا لا أقوم الا بنعمتك.

من قال بانّ المرء يولد مرة؟  ومن قال انّ البشري لا يخرج جديدا من جرن دموعه نظيفا كالثلج؟

البارحة وقبيل طلوع العام الجديد هزني اتصال من شيخ، اتصاله جعلني ابكي. لفتة لقنتني كيف يتجدد البشروكيف يكبرون، فتصير السنون موطئا لأقدامهم كي يعبرون بها الى حالات أخرى، وتصير ايامهم محطات. ربي لا تحرمني من فهم مغزى السنين فأصير من قطيعك ومن المخلصين.

سيدي من قال بانّ عالمنا يفتقر الى ومضات؟

من قال بانّ الزمان اضحى للموت ردهات؟

الا تطلع من الظلمة اشعاعات؟

ها انا اقطع مسافة الأيام، فلا تحملني وزر السنين.

اعدك بأني سأضع السنين تحت قدمي.

سيدي يا سيد الأزمنة والامكنة لا تحرمني ان يتكلل رأسي بجلال القمم،

وعندي لاستعادة صورتي الأولى حنين،

وعندي لبلوغك امل في كل حين.

لن أقول لك شيئا يا عاما مضى! لا، ولن اسألك شيئا يا عاما وافى.

فلي رجاء في خلاص ورب رحيم.