hit counter script

أخبار محليّة

لقاء الأهالي بلسَم وحشة الأسر... العسكريون المحرّرون: وُلدنا من جديد

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٥ - 01:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

شامخو الرأس عادوا، مُنتصبو القامة أطلّوا، مرفوعو الهامة تقدّموا. بنظرة الصقر، وقلب الأسد، بسواعدهم التي أسكَرت المجد وما سَكِرت من تسجيل البطولات، بإبتساماتهم الدافئة التي غزلوا منها راية الشرف والتضحية والوفاء، دخَل العسكريون المحرّرون إلى السراي الحكومي حيث كان الموعد المنتظر منذ أكثر من سنة و3 أشهر، موعد العودة إلى حضن الوطن، إلى حضن العائلة.لو كانَ في وسع عائلات العسكريّين المحرّرين أن يزيّنوا الريح لعودة أبنائهم، لما تردّدوا لحظة. فمنذ الساعة الثالثة بعد الظهر حملوا الورود وتوجّهوا سيراً في اتجاه السراي بلهفة عارمة متشوّقين لرؤية أبنائهم.

«كيف إجا البابا؟ وليش تأخّر لهلّق؟ ماما، بابا نويل جاب البابا؟ سَيل من الأسئلة شغلت بال إبن المعاون في قوى الأمن الداخلي بيار جعجع الذي لم يتجاوز السنوات الستّ. أسئلة أربَكت والدته التي عجِزت عن حَبس دموعها لشدّة وجعها من الفراق، فما كان في وسعها أن تجيب، «المهم البابا رجِع»، وسرعان ما سالت دمعتها، فلاذَ إبنها بالصّمت.

حال عائلة جعجع كغيرها من العائلات التي انحرمت من حنان الأب وسنَد الزوج وعطف الإبن. فإبنة العسكري ماهر، ريتا، جاءت لتتعرّف إلى والدها بعدما خُطف، وهي لم تُكمل شهرها الثاني.

عند الثالثة والنصف، أغُلق باب قاعة الإستقبال على الأهالي، فيما تجمهر صحافيون عن شمال القاعة في المكان المخصّص لهم، وقبالتهم وقف في استقبال العسكريين رئيس الحكومة تمام سلام، الوزراء: سمير مقبل، علي حسن خليل، وائل أبو فاعور، نهاد المشنوق، وأشرف ريفي، إضافة إلى سفير قطر علي بن حمد المري، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، والمدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير.

دقائق معدودة حتى وصلت مواكب رباعية الدفع «مُفيّمة»، تنقُل العسكريين المحرّرين، ببزّاتهم العسكرية الجديدة والابتسامة تملأ محياهم، وهم يلقون التحية فرداً فرداً على الرسميين.

كانت الأجواء هادئة وصوت كاميرات المصوّرين يملأ أرجاء السراي، إلى أن شعر الأهالي بأنّ أبناءهم وصلوا فبدأت ترتفع الزغاريد، وكادت تُسمع دقات قلوبهم من خلف الجدران. وما إن فُتح باب يمين القاعة للسماح بدخول الصحافيين، حتى اشتدت الصرخة، ومع فتح باب وسط القاعة على مصراعيه تضاعفت الهيصات، وتهافت الأهالي إلى الباب، ناثرين الورد والغار على العسكريين، «رشّي الورد كلّن ولادنا»، على حدّ تعبير أم محمد.

كادت تطوف القاعة بدموع الأهالي وتضيق بآهاتهم، لما شهدته من لقاءات مؤثرة تدمع لها العين، مثل غمرة جورج لوالدته نبيهة وأخته ماري، أكثر من 10 دقائق دامت الغمرة والإبن يُقبّل أيدي أمه وشقيقته. أما بيار جعجع فعجَز بداية عن الكلام وعانق ولدَيه وزوجته، أما إبنه الأصغر فلم ينسَ أن يسأله: «بابا، بابا نويل، جابَك؟»، ليبدأ في البكاء مردّداً: «اشتقنالك».

أما عائلة الديراني، فأبت أن تترك إبنها سليمان مردّدة: «مش مصدقين يا تقبرني عم نشوفك»، ولحظة سألنا سليمان عما يريد قوله في هذه المناسبة، أجاب: «الحمد لله تمّت معاملتنا بطريقة لبقة، ولم نصدق يوماً أننا قد نعود إلى الحرية».

بعد ربع ساعة من لقاء العائلات بأبنائهم، تمكّن المنظمون في السراي من ضبط الأجواء بصعوبة لإفساح المجال أمام الرسميين بالدخول وبدء حفل الإستقبال. وبعد جهد جهيد، وقفت العائلات على حدة وتأهَّب العسكريون لسماع الكلمات بعد النشيد الوطني. إلّا أنّ الأمهات عجزن عن ضبط إنفعالاتهنّ، فاهتزت مراراً جدران القاعة لأدعيتهنّ: «الله يطوّل بعمرك!، ألله يرزقك من سماه ومن أرضه»، «الله يفرجك متل ما فرجتنا».

إبراهيم

سرعان ما ارتفع الصفيق، تزامناً مع بدء اللواء إبراهيم كلمته، فقال: «ها هم العسكريون الأبرار يعودون الى حضن وطنهم، الى حضن شرعيّتهم ومؤسساتهم، الى ذويهم ورفاقهم لكي يعاودوا مجدّداً ما بذلوه. كانت محنة الأشهر الـ16 خير شاهد على أنهم برّوا بقسمهم، وصمدوا بين أيدي خاطفيهم، لم يفقدوا إيمانهم بالله ولا بذواتهم ولا بإرادتهم ولا بدولتهم، التي منذ احتجازهم لم توفّر أيّ جهد في سبيل استعادتهم الى أن وصلنا الى هذا اليوم».

وأضاف: «أشكركم دولة الرئيس، وأشكر أعضاء خلية الأزمة على الثقة التي أوليتموها للمفاوض اللبناني متسلحاً بالثوابت التي ساعدت على منحنا الصلابة في مفاوضات شاقة ومتعبة، لكنّ المشقة والتعب يرخصان لدى رؤية وجوه العسكريين المحرّرين، ووجوه أهلهم المغرورقة بدموع الفرح.

وأشكر أيضاً ومن خارج السياق الرئيس سعد الحريري الذي كان سنداً لنا في كل مراحل التفاوض، والذي أكّد أينما حلّ أنّ هذا الملف وطني وليس مذهبياً على الإطلاق، وأشكر السيد حسن نصرالله ولن أدخل في التفاصيل، فدولة الرئيس ووزير الداخلية على علم بكل ما جرى في تفاصيل التفاوض».

وختم: «اليوم من السراي الحكومي، أقول لكم أيها العسكريون: هنيئاً لكم الحرية على أمل استكمال الفرحة الأولى بفرحة مماثلة في استعادة عسكريّينا لدى «داعش»: المعاون ابراهيم مغيط، العريف علي المصري، العريف مصطفى وهبة، الجندي اول سيف ذبيان، الجندي علي الحاج حسن، الجندي عبد الرحيم دياب، الجندي محمد يوسف، الجندي خالد حسن وجثة الشهيد العريف عباس مدلج.

سلام

من جهته أكد سلام أنّ «هناك جهوداً بُذلت داخلياً لإنهاء ملف العسكريين المخطوفين تمثّلت بالمساعي التي باشر بها مجلس الوزراء وانتقلت عملياً الى خلية الأزمة»، وقال: «لكن هناك أيضاً الأجهزة الأمنية بكلّ مؤسساتها التي واكبتنا في الصغيرة والكبيرة، ونجحنا وعبرنا الى الحرية والكرامة وعزة لبنان».

وذكّر سلام بـ»شهدائنا الذين نترحّم عليهم وآخرهم كان جثمان محمد حمية رحمه الله، الذي تسلّمنا جثته اليوم أيضاً من ضمن هذا الإنجاز. المسيرة ماضية ونحن وجنودنا الأبطال والعسكريون الأبطال وعائلاتهم ماضون في المسيرة لنحقّق مزيداً من الإنجازات، ويعلم الجميع أنّ أمامنا إنجازاً كبيراً ما زال يُشكّل تحدياً لنا جميعاً، وهو ما بقيَ لكم من أخوان عسكريين في الأسر علينا أن نسعى إلى تحريرهم والفوز بالنتائج الطيبة من اجل لبنان واللبنانيين، ومن أجل وحدة وطننا ووحدة موقفنا وقرارنا».

وعند الساعة الرابعة النصف إنتهى اللقاء في السراي، لتعود وتجتمع العائلات في رياض الصلح مكمّلين الإحتفال قبل أن يعود كل منهم أدراجه ليلاً إلى قريته.

وعلى هامش لقاء العائلات مع السياسيين لالتقاط الصور التذكارية، قال العماد قهوجي لـ»الجمهورية»: «فرحتنا كتير عظيمة، ولكن لا تزال ناقصة». ومتى تكتمل؟ أجاب: «إننا نلاحق القضية».

سفير قطر

بدوره، نفى السفير القطري المري لـ«الجمهورية» أن تكون بلاده دفعت المال، وقال: «قطر لم تدفع دولاراً واحداً، بل أدّت دور الوساطة مع الوسيط، واستلزم التفاوض متسعاً من الوقت». وأضاف: «فرحتنا كبيرة بإطلاق العسكريين، وأيّ مفاوضات سواء كانت لبنانية أم قطرية نجاحها يخدم مصلحة الأهالي».

وعما إذا كان أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» سينتظرون سنة و4 أشهر لعودة أبنائهم، أجاب: «لا مفاوضات أو اتصال لنا مع «داعش»، إذا كان هناك وسطاء ورغبة في العمل الإنساني فلن تطول المفاوضات، وقطر لن تتردّد في القيام بأي عمل إنساني لمصلحة لبنان. ونتمنى لأهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» أن يعود ابناؤهم بالسلامة قريباً».

ريفي

أما ريفي فقال لـ«الجمهورية»: «يعيش البلد فرحة كبيرة، إنما هذه الفرحة تبقى ناقصة حتى إطلاق العسكريين لدى «داعش». لا شك في أن هناك تحوّلاً في الجو الإقليمي والداخلي الذي ولّد هذه النتيجة الايجابية، وأملنا في أن نكمل فرحتنا»، مضيفاً: «ليس من الضرورة الإنتظار أكثر من سنة لتحرير العسكريين لدى داعش».

دبكة... وبقلاوة

وكانت قد شهدت ساحة رياض الصلح منذ ساعات الفجر الأولى إستنفاراً في صفوف الأهالي الذين لم تذق جفونهم طعم النوم منذ ليل الجمعة. فتحلّقوا منذ الصباح أمام شاشات التلفاز مواكبين الأخبار العاجلة، ومع إعطاء الضوء الأخضر لعودة العسكريين، إنهمرت دموع الأمهات اللواتي تعانقن، معبّرات عن الشوق الذي يعتصر قلوبهن. أما أباء العسكريين وأشقاؤهم فانشغلوا في توزيع البقلاوة، وإقامة حلقات الدبكة على وقع الأغاني الوطنية.

ولدى سؤالنا نبيهة والدة العسكري جورج خوري لماذا تبكين والعسكريون في طريق العودة؟ أجابت والدموع عرض خدّيها: «أنا لا أبكي ولكن بصراحة كنت أخشى أن ينتهي العمر، وأغمض جفوني من دون أن أشبع من رؤية ملامح إبني».

وبين الهيصة والفرحة، بدأ أقارب العسكريين يتوافدون إلى ساحة رياض الصلح مقدّمين التهاني للعائلات، ومعربين عن دعمهم ومساندتهم لعائلات المخطوفين لدى «داعش».

كذلك تفقّد عدد من الوزراء والنواب والوجوه السياسية الأهالي في غمرة سعادتهم، منهم: أنطوان زهرا، زياد القادري، عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» علي حمادة.

من جهته، قال الوزير وائل أبو فاعور: «على رغم أنّ اليوم هو يوم أبيض لكننا نَطوي فيه صفحة مظلمة. أوجّه التحية الى الشهداء خصوصاً علي البزال ومحمد حمية وعائلتيهما، وتحيّة أيضاً الى الأسرى لدى «داعش» الذين كنا نتمنى أن يكونوا بيننا». وهنّأ الاهالي بتحرير ذويهم من قبضة «جبهة النصرة»، معاهداً بإسم الدولة بـ«أننا لن نتاونى عن أي جهد لإطلاق الأسرى لدى «داعش».

وأّكد أن «هناك قنوات محلية كانت قائمة مع «داعش»، إلّا أنها توقفت بسبب التطورات الأخيرة في الرقة، وسنستأنفها مع اللواء ابراهيم وبرعاية الرئيس سلام. وهناك أكثر من وسيط وأكثر من باب».

وأضاف: «آخر المعلومات تؤكّد أنّ ثمانية من أصل العسكريين التسعة لدى «داعش» لا يزالون في الجرود اللبنانية، والعسكري التاسع وبقرار منه غادر مكان الأسر مع بعض الأشخاص الى مكان آخر».

الفرحة... ناقصة

في مقابل الفرحة العارمة التي عمّت لبنان مع إطلاق العسكريين، تبقى الفرحة ناقصة، نتيجة بقاء تسعة عسكريين مجهولي المصير لدى «داعش». في هذا الإطار، أعلن حسين يوسف، والد العسكري المخطوف محمد يوسف، «أنهم باقون في ساحة رياض الصلح حتى عودة جميع العسكريين»، مؤكداً عدم التخلي عنهم، متمنياً «الإسراع في التفاوض مع «داعش» للإفراج عن بقية العسكريين».

ناتالي اقليموس - الجمهورية - 

  • شارك الخبر