hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - العميد الركن خالد حمادة

ردود الفعل الروسية بين التجربة التاريخية وإلزامات الجيوبوليتيك

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٥ - 01:50

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اللواء

روسيا وتركيا، الدولتان اللتان ترنحتا منذ القرن السابع عشر بين الصراع والصداقة غير المستقرة تلعبان، في حمأة التصادم على سوريا، فصلاً جديداً في منافسةٍ إمتدت لقرون. الروس عبر التاريخ، حتى ما بعد حصار فيينا عام 1683، نقطة البداية في مرحلة التراجع العثماني، لم يبرعوا في قراءة الثوابت والمتغيّرات ونقاط الضعف والقوة في بقعة الصراع ومحيطها. تركيا إستفادت دائماً من توجس القوى الكبرى من التمدد الروسي لدرجة يمكن القول معها أنّ قوة روسيا الخشنة» شكّلت دائماً سبباً رئيساً في عدم استثمار قدراتها. بهذا المعنى لم يكن رفض الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» لقاء نظيره التركي، على هامش قمة المناخ في باريس، مفاجئاً حتى ولو كانت المسافة الزمنية التي تفصل هذه القمّة عن حادث إسقاط الطائرة الروسية فوق تركيا غير كافية لتبريد الأجواء.
إلى أين يُمكن أن يذهب التصعيد الروسي تجاه تركيا في ظلّ الحقائق التي كرّستها الوقائع التاريخية في تعامل الدول الكبرى مع هاتين القوّتين على مدى التاريخ، وما هي حقائق الجيوبوليتيك التي تحكم العلاقة بينهما وترسم بالتالي سقوف التوتر المتاحة لا سيما في ظلّ العزلة الدولية التي تعاني منها روسيا بعد ضمّ شبه جزيرة القُرم وارتفاع جدار الرفض الغربي لطريقة تعاملها مع الأزمة السورية؟
الوقائع التاريخية أثبتت مراراً، خلال الحروب بين تركيا العثمانية او الحديثة وروسيا القيصرية أو السوفياتية، أنّ مواقف الدول الكبرى كانت تراعي هدفين متلازمين:
الهدف الأول: إضعاف الدولتين في آنٍ معاً، إضعاف روسيا لردعها عن التدخل الفاعل في السياسة الأوروبية وإبعادها عن المنافسة في المجال الإستعماري، وإضعاف تركيا التي امتدت سيطرتها في ثلاث قارات تمهيداً لتقسيمها بطريقة لا تؤثّر على التوازن في السياسة الدولية.
الهدف الثاني: عدم إنهيار الدولة التركية كونها تشكّل سدّاً أمام الأطماع الروسية للحيلولة دون وصولها إلى المياه الدافئة ومزاحمة بريطانيا (الدولة العظمى حينها) في أماكن نفوذها. لقد تكرر ذلك رغم عدم قدرة القياصرة الروس على استيعاب وقوف دولة مسيحية مثل بريطانيا مع العثمانيين، ضد روسيا التي امتزجت أطماعها في بعض الأحيان بعواطف دينية متعصّبة، تمثّلت بحماية الأورثوذكس في العالم واستعادة السيطرة على القسطنطينية وعلى الأماكن المقدّسة المسيحية في فلسطين.
هذه التجربة تكررت ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما أراد «ستالين» السيطرة على المضائق التركية. تركيا المستفيدة من الحساسية المتبادلة بين الغرب والإتّحاد السوفياتي، تلقت دعماً عسكرياً من خلال توسيع عقيدة ترومان (Truman Doctrine1947)، حين اعتبرت الولايات المتّحدة نفسها مسؤولة عالمياً عن احتواء الشيوعية وبالتالي أطلقت الحرب الباردة بشكل رسمي. وبالمقابل تلقّت تركيا الدعم الإقتصادي من الإتّحاد السوفياتي عندما واجهت العقوبات الغربية بعد غزوها قبرص، بالرغم من انضمامها إلى حلف «الناتو».
ما هي التعقيدات الجغرافية والسياسية التي تشوب العلاقات التركية - الروسية والتي تشكّل ضوابط مقيّدة لردود الفعل الروسية؟ وما هي حدود التعاطف الإيراني مع روسيا؟
* لا يمكن لروسيا أن تغفل إلزامات الجغرافيا التي يفرضها وجود دولة إقليمية كبرى تنتمي إلى حلف الناتو على حدودها الجنوبية، دولة نجحت في تكريس حضورها على المسرح الدولي من ضمن مجموعة العشرين وحضورها الإقليمي على مساحة العالم الإسلامي. كما أنّ الحرب الدائرة في سوريا جعلت من تماسكها واستقرارها ضرورة أوروبية. هذا بالإضافة الى اضطلاعها بدور عسكري داخل الصراع في سوريا من خلال دورها في الائتلاف الغربي أو إدارتها وتسليحها لبعض فصائل المعارضة السورية.
* الممر الإلزامي الذي تشكّله تركيا حالياً لنقل الغاز الروسي نحو أوروبا، لا سيما بعد أزمة ضمّ القرم، وظهور رغبة أوروبية بالبحث عن مصادر أخرى للطاقة تُغني عن الغاز الروسي. والجدير بالذكر هنا أنّ الدول المرشّحة للقيام بهذا الدور عديدة وفي مقدمتها قطر وإيران برغم ارتباط هذه الأخيرة بروسيا في ما خصّ الأزمة السورية أو بملفات اخرى. هذا بالإضافة إلى حيوية إستمرار إبحار السفن التجارية والعسكرية الروسية نحو المتوسط عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.
* الهاجس الإقتصادي المتمثّل بمشروع أنابيب باكو- جيهان من أذربيجان عبر جورجيا إلى تركيا وأيضاً خط الغاز الذي سيمرّ في عمق بحر قزوين والذي سيؤمن مرور الغاز التركماني إلى تركيا، واللذين يتجاوزان إيران وروسيا لنقل الغاز نحو أوروبا.
* الهاجس الأمني المتمثّل بالإنفتاح التركي على الدول المستقلّة الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى وأذربيجان، لا سيما الصلات التي تربط الإنفصاليين الشيشان بتركيا والتي تشكّل أحد أهم التحدّيات للأمن الروسي.
* لا يُمكن أن يستجرّ التوتر التركي – الروسي إيران إلى محاولة التقاط الفرصة للعب دور ما، إذ إنّ التدخل والتمدد العقائدي الإيراني يُزعج وُيخيف روسيا ومصالحها في آسيا الوسطى من خلال توقيع إيران لاتّفاقات تعزز العلاقات الثقافية وتقدّم دور اللغة الفارسية على حساب الروسية وتُعزز مكانة المذهب الشيعي فيها. كما أنّ هناك حاجة متبادلة بين إيران وتركيا لاستقرار العلاقات بشأن مواضيع ثلاثة ذات أبعاد إقليمية وذات إهتمام مشترك بين البلدين وهي التعاملات الإقتصادية، رفض إنفصال كردستان ودعم قيام دولة فلسطينية، إضافة إلى عدم وجود رغبة لدى إيران بالإنزلاق نحو ثأر تاريخي من الأتراك لأنها تنظر إلى تركيا على أنّها الكرويدور السياسي والإقتصادي والحيوي الذي يربطها بأوروبا.
لقد استنهضت روسيا من خلال دخولها المجال الجوي التركي صراع الأمبراطوريات العثمانية والروسية والفارسية ولكنّ حدود اللعبة على مشارف سوريا محكومة بشبكة المصالح الإقتصادية والأمنية، ففي ذروة تصاعد التيارات الإسلامية المتطرفة ليس هناك من مجال لنزق القياصرة والسلاطين والشاهينشاهات.

  • شارك الخبر