hit counter script

- سامر الحسيني

تشديد الإجراءات الحدودية ضد المهربين

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥ - 17:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

باتت حكاية المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا أمراً واقعاً، والأخطر أن بعض هذه المعابر تزاحم بحركتها اليومية، معبر منطقة المصنع الحدودي، خصوصاً بعد إقفال «معبر جوسي» في القاع بفعل الأحداث السورية.

أعاد التفجير المزدوج في برج البراجنة تسليط الضوء على هذه المعابر، بعدما انكشف دور المهربين في تأمين عبور الانتحاريين من خلال المعابر غير الشرعية (القُصر) وأحياناً إيواء البعض منهم في قرى البقاع الشمالي.
ثمة واقع حدودي تاريخي شاهد على قصص التهريب بين لبنان وسوريا، وهذا ما كانت تؤكده حركة عبور القوافل وصهاريج المازوت والبنزين المحملة من سوريا الى لبنان، حتى تجاوزت كميات الوقود المليون ليتر يومياً، تُضاف إليها آلاف الأطنان من السلع الغذائية ومواد التنظيف وسواها من المواد المنتجة في سوريا.
لكن بعد الأحداث السورية، اختفت قوافل المازوت والوقود، وحلّت مكانها حركة المواطنين السوريين حيث تشير سجلات الأجهزة الامنية اللبنانية الى حركة عبور غير شرعية تتجاوز في بعض الأشهر عتبة الخمسة آلاف شخص في الاتجاهين بين لبنان وسوريا.
والاخطر هو وجود شبكات تعمل على ادخال اشخاص وعائلات سورية عبر المعابر الشرعية من خلال اعتماد طرق التزوير، وهذا ما ضبطته مؤخراً مديرية امن الدولة في زحلة التي كشفت عن شبكة امتهنت تزوير الأختام الرسمية لمعاملات الدخول والخروج عند المعابر الشرعية، بدءاً من معبر المصنع البري، وصولاً الى مطار بيروت الدولي كما تمّ ضبط اختام مزورة للكثير من الدوائر الحدودية العربية من دول الخليج الى مصر والمغرب وتونس وليبيا والأردن، وهذا مؤشر يصنفه مصدر أمني بأنه «خطير جداً».
يندرج نشاط مهربي الأفراد والعائلات السورية بين البلدين في إطار الكسب المالي، اذ إنه يؤمن لهؤلاء مردوداً مالياً تتصاعد قيمته مع كل تشدد أمني لبناني عند المعابر الشرعية.
ولا يمكن استثناء اية قرية بقاعية تملك حدوداً محاذية أو مشتركة مع الداخل السوري عن مهنة التهريب، وان كان لكل منطقة خصوصياتها السياسية والطائفية والجغرافية التي تسهّل او تعيق هذا التقليد المتوارث منذ ما قبل ارتسام الحدود الحالية قبل قرن من الزمن.
في البقاع الغربي وراشيا، تحتض بلدات حلوة ودير العشاير وكفرقوق وعيحا وصولاً الى عين عطا وشبعا وراشيا، معابر غير شرعية استخدمت في السابق من أجل تهريب المواد الغذائية والمازوت بين لبنان وسوريا، الا ان هذه المناطق تُعدّ اليوم مضبوطة أمنياً اكثر من غيرها خصوصا عند محور جبل الشيخ وشبعا وراشيا، وهذا ما يؤكده رئيس بلدية عين عطا طليع خضر، مشيراً الى واقع جديد تشهده هذه القرى الحدودية منذ العام 2012 مع الانتشار الأمني اللبناني الذي أدى الى ضبط كبير للحركة غير الشرعية.
منطقة المصنع
والتهريب اليومي
لا يجد العشرات من السوريين سوى الطرق الجبلية او الترابية للدخول إلى لبنان، بإشراف شبان لبنانيين او سوريين يتقاضون عن كل شخص مبلغاً مالياً يتراوح بين 300 و800 دولار ويعود سبب الفارق المالي إلى وضعية الشخص الذي يريد الدخول، فإذا كان مطلوباً أو ممنوعاً من الدخول يرتفع بدل عبوره، وفق إفادة أحد العاملين في مجال التهريب.
يحصر المهربون عملهم في إدخال افراد وعائلات سورية ممن لا يملكون المواصفات المطلوبة للدخول الى لبنان، من جراء عدم مطابقتهم للإجراءات الرسمية، وهذه الفئة، حسب مصدر أمني، لا ترتبط بشبهات إرهابية، خصوصاً أنها تجتاز الحدود السورية الشرعية في جديدة يابوس، وتصل الى مسافة تبعد حوالي 500 متر عن مركز الأمن العام اللبناني في المصنع، ومن جواره تنطلق رحلة الدخول خلسة وتتراوح مدتها ما بين نصف ساعة وساعة.
تتعدّد طرق الدخول خلسة الى لبنان عند نقطة الحدود اللبنانية في المصنع ما بين اتجاه يؤدي الى منطقة الصويري وآخر يصل الى جوار مركز الدفاع المدني وثالث يؤدي إلى وادي عنجر.
الجهد الأمني في جوار معبر المصنع، تركز على رفع بعض السواتر الترابية وانتشار الجيش اللبناني، ولكن طبيعة الحدود الجغرافية بين مركزي الحدود السورية في جديدة يابوس والمصنع اللبناني تجعل هذه التدابير متواضعة نظراً الى المسافة الطويلة التي تتجاوز مسافتها خمسة كيلومترات، وإن كانت مضبوطة وممسوكة أمنياً أكثر في الجانب السوري، حسب رئيس بلدية مجدل عنجر سامي العجمي، الذي يشير إلى قيام البلدية بكل ما طلبته القوى الأمنية والعسكرية من مساعدة للحد من عمليات الدخول اليومية للافراد والعائلات السورية بطرق غير شرعية.
معابر البقاع الشـمالي
تتنوّع حكايات التهريب عند قرى ومعابر البقاع الشمالي التي تُعدّ معابر مفتوحة على أنواع التهريب كافة من السلع على اختلافها إلى الأفراد السوريين، فقرى الهرمل والقصير تشهد حركة تهريب تجارية، ترافقها عمليات تهريب لبعض الأفراد السوريين إنما بشكل محدود، في حين تتركز عمليات تهريب الاشخاص ومن ضمنهم العناصر المسلحة في منطقتي عرسال ومشاريع القاع قبل أن يسيطر الجيش السوري على منطقة جوسي التي تحدّها، ومردّ هذا التسلل تواجد تشكيلات إرهابية عند حدود تلك القرى، مما يسهل عملية التسلل، وان كان ذلك لا يمنع اتخاذ تدابير أمنية مشددة بينها إقامة حواجز امنية وتسيير دوريات متنقلة.
تعد مكافحة عمليات التهريب عند الحدود البقاعية الشمالية أكثر صعوبة من غيرها نظراً للتداخل التاريخي بين القرى اللبنانية والسورية، كما ان اغلب القرى المتداخلة تشهد ايضاً على اندماج عائلات لبنانية وسورية، فهناك عائلات لبنانية تعيش بأكملها في نحو ثلاثين قرية وبلدة سورية في ريف القصير الذي يقع ضمن محافظة حمص السورية. ولقد اعتادت عائلات لبنانية وسورية على اجتياز الحدود المشتركة من دون عوائق من اجل الوصول الى اراضيها، او شراء ما تحتاجه في الجهتين.
وكانت هذه العائلات تستعمل معبري مطربا وحوش السيد علي، وهما معبران قريبان من بلدة القصر الحدودية. ومطربا هو معبر القصر نحو زيتا والقرى المحيطة بها، فيما يؤدي معبر حوش السيد علي إلى بلدة ربلة السورية. هذان المعبران «غير شرعيين» بمعنى عدم وجود ختم دخول وخروج حدودي، ولكن بعد إقفال الأمانة السورية في جوسي، صار حاجزا الجيش السوري على المعبرين يدققان في هويات العابرين من سوريا وإليها (يتم تسجيل أسماء العابرين بعد انفجارَي برج البراجنة).
وكان اللبنانيون من سكان المنطقة الحدودية يعبرون بسياراتهم بشكل عادي على معبر مطربا للتسوق اليومي من بلدة العقربية التي ازدهرت بعد إقفال القصير وحمص نتيجة المواجهات في سوريا. وحصر الجيش السوري بعد انفجارَي برج البراجنة الدخول بالسيارات التي يتم منحها «بطاقة مهمة» (عسكرية أو غيرها). ونظراً لطبيعية الحدود المفتوحة على مسافات واسعة، يجتاز المهربون في عمليات التهريب طرقاً عدة بين البساتين والحقول لا تبعد أحياناً سوى كيلومتر واحد عن الحواجز الأمنية والعسكرية!
ونتيجة للتشدّد الأمني بعد الحديث عن تهريب انتحاريي البرج من هذه المنطقة، يعاني اللبنانيون الذين يسكنون القرى اللبنانية الموجودة في سوريا من الإجراءات الأمنية الجديدة المحصورة حالياً بالسماح للأشخاص من حملة «بطاقات المهمة» بالعبور.
وإذا كان البعض يردّد أن تهريب الاشخاص السوريين لا يواجه بأية عقبات او عراقيل، خصوصاً إذا كان المهرب من ابناء المنطقة، ومن الذين توارثوا هذه «المهنة»، فإن الأهالي يرفضون توصيف ذلك بـ «التهريب»، وان كان مصطلحاً رسمياً يستعمل في القانون لاتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية بحق مرتكبه، لذلك، يفضلون توصيفاً معاكساً يطلقون عليه «التبادل التجاري» وفق مفهومهم، او تسميتهم لحركة تنقل البضائع التي تختلف انواعها وفق اختلاف الظروف الامنية او العسكرية والسياسية بين لبنان وسوريا. ويستبعدون حصول عمليات تهريب لانتحاريين أو مسلحين كون المنطقة المحاذية للحدود مع سوريا من منبع العاصي ولغاية بلدة القصر تفتح على المناطق السورية الموالية للنظام، ولا تصل في هذه المنطقة إلى أي قرية يسيطر عليها المسلحون.
تشديد العقوبات
ويؤكد مرجع أمني حصول عمليات توقيف متتالية للعاملين على طرق التهريب، لكن توقيفهم لا يستمر أكثر من شهر، الأمر الذي يجعلهم يكررون فعلتهم نتيجة العقوبة المخففة من جهة والحوافز المالية المغرية من جهة ثانية، فتراهم يعودون إلى المهنة التي تستقطب العديد من شبان هذه المناطق. ويشدد المرجع على أهمية تعديل قانون العقوبات ليتضمن أحكاماً صارمة ومشددة بحق الموقوفين في تجارة التهريب، في ظل المخاطر الحالية التي تنتج عن تداعيات هذه الظاهرة، ولا سيما تلك التي تهدد الأمن القومي للبلد.
 (السفير، 25/11/2015، ص4)

  • شارك الخبر