hit counter script

مقالات مختارة - العميد الركن خالد حمادة

هل يكرِّر كاميرون نموذجي تاتشر وبلير؟

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥ - 01:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اللواء

يحق لنا إعلان 17 كانون الثاني1991، أي تاريخ بدء العملية العسكرية لتحرير الكويت أو ما سمي بحرب الخليج الثانية، بداية مرحلة إقصاء العالم العربي عن إنتاج الحدث المتعلق بأمنه ومصيره والتسليم بعجزه عن القيام بالفعل أو برد الفعل. هذا التاريخ الذي سبق إعلان تفكك الاتحاد السوفياتي في 26 ديسمبر 1991 هو بداية عصر امتلاك القوى الغربية لزمام المبادرة في الشرق الأوسط وإطلاق يدها في جملة من العمليات العسكرية تحت عناوين ومسميّات سياسية واهية، تبدأ بامتلاك أسلحة نووية ولا تنتهي بضرورة احداث إصلاحات سياسية في أنظمة أوتوقراطية لطالما تمتعت انتاجاً واستمراراً بثقة الغرب وتأييده.
لا بد ودون الدخول في استحضار نظرية المؤامرة من تأمل وتيرة تصاعد العمليات الإرهابية التي شهدها العالم على مدى الأسبوعين المنصرمين، من بيروت إلى حادث انفجار الطائرة الروسية في مصر إلى موجة العنف المتصاعدة في كلّ من باريس ومالي، إلى التهديدات التي طالت عدداً من الرحلات الجوية لا سيما التركية منها، من طرح أكثر من علامة استفهام وفي أكثر من اتّجاه. لقد أجمعت التحقيقات التي أُجريت على أن هذه الأعمال كانت مخططة بشكل دقيق ومتزامن من قبل أشخاص مزدوجي الجنسية. إنّ استعراض ردود الفعل وما تبعها من إجراءات أمنية وحركة دبلوماسية وإجراءات عسكرية أدخلت دول أوروبية وإقليمية عديدة في لبّ الصراع وإنّ من زوايا مختلفة، ربما يلقي الضوء على المستفيد من تحديد الساعة صفر لانطلاق العمليات وكيفية التعاطي مع نتائجها.
لا شك أنّ العمليات الإرهابية التي حصلت أعادت إلى الواجهة طرح تراتبية الأهداف في مسار تسوية الأزمة السورية، بقاء الأسد في السلطة أو القضاء على الإرهاب، أيهما أكثر إلحاحاً؟ ولا بد من الاعتراف أنّ المعسكر الروسي – الإيراني قد سجّل لدى الجمهور الأوروبي نقاطاً لصالحه لجهة إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب قبل التفكير بدور الأسد في المرحلة الانتقالية أو لبقائه لمدة معينة في السلطة. خلف هذه الاشكالية يصطف المعسكريّن الدوليين، وقد أُضيفت أهداف جديدة تنذر بتغييرات جذرية تتجاوز العالم العربي.
قد تكون إعادة النظر بفكرة الاتّحاد الأوروبي ونظرية أوروبا الموحدة وإلغاء الحدود واتفاقية الشينغن، أو إدخال تعديلات جذرية عليها هي أحدى التداعيات البعيدة المدى لهذه العمليات الإرهابية، لا سيما أنّ الرأي العام الأوروبي الذي عاش بعيداً عن الأزمات لأكثر من خمس وعشرين عاماً، قد انقسم حول مسألة اللاجئين السوريين، وقدرة أوروبا على استيعاب أعداد كبيرة من المسلمين طالبي اللجوء إليها. طبعاً لا بدّ أن يتذكر الأوروبيون هنا أنّ عشرات العمليات التي قامت بها منظّمات إرهابية، كالألوية الحمراء الإيطالية واليابانية، ومنظّمة «العمل المباشر الفرنسية» ومنظّمة «بادر ماينهوف» والموساد الإسرائيلي في روما وباريس وأثينا ونيقوسيا، بالإضافة إلى عمليات عديدة قامت بها منظّمة التحرير الفلسطينية وردود الفعل الإسرائيلية عليها، لا سيما في ميونيخ وعينتيبي في أفريقيا خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، تمت قبل أن يولد الاتحاد الأوروبي، وحين كانت الحدود بين دوله تخضع لسيطرة قوى الأمن المحليّة وحين كانت حركة الدخول والخروج إلى كلّ من هذه الدول تخضع لإجراءاتها الخاصة.
ما هي المتغيّرات العسكرية والميدانية التي رافقت هذا المناخ التعبوي، في ظل تبني مجلس الأمن الاقتراح الفرنسي الذي يتيح حرية التحرك للدول التي لديها القدرة لاتّخاذ الإجراءات اللازمة لمحاربة داعش في الأراضي الخاضعة لها في سوريا والعراق:
1- المتغيّر الأوروبي تجلّى بحدثين: أولهما إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول إلى البحر المتوسط، وهو ما يمكن تصنيفه برد فعل منطقي لاستعادة زمام المبادرة ولاستيعاب ردود الفعل لدى الفرنسيين والأوروبيين بشكل عام، وثانيهما القمة التي جمعت رئيس الوزراء البريطاني بالرئيس الفرنسي والتي أُعلن خلالها أنّ استراتيجية أوروبية للتدخل في سوريا ستوضع في غضون أسبوع بالإضافة وضع القاعدة البريطانية في قبرص بتصرف القوات الفرنسية.
2- المتغيّر الأميركي – التركي تجلّى باستعادة فصائل سورية معارضة، تحت غطاء أميركي – تركي، مناطق في محافظة حلب الشمالية تمتد حتى الحدود التركية، كخطوة أولى لإقامة منطقة آمنة بعمق 100 كيلومتر تستوعب النازحين السوريين وهو الأمر الذي تطالب به الحكومة التركية.
3- المتغيّر الروسي وقد تجلّى بثلاث متغيرات، أولها الزيارة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران ولقاء المرشد الأعلى علي خامنئي على هامش قمة الدول المصدّرة للغاز، وسط معلومات عن قلق في بعض الأوساط الإيرانية من أنّ تدخّل روسيا يؤثّر على مصالحها القومية البعيدة المدى، وثانيها الغارات الروسية على مدينة دير الزور شرق سوريا حيث طال القصف الجوي مدينة البوكمال وحقول النفط الرئيسية التي يسيطر عليها داعش، وثالثها الإعلان عن رفع الحصار عن منطقة الزبداني خلال أيام بإشراف روسي وأممي، على أن يتم سحب قوات حزب الله وقوات الفرقة الرابعة خارج المنطقة، بحيث تتولى الفرقة العاشرة من الجيش السوري بالتعاون مع بعض فصائل المعارضة المعتدلة تأمين أمن المنطقة، وتؤمّن قوات بريّة روسية مؤلفة من 100 عنصر مدينة بلودان ذات الأغلبية المسيحية حيث ينشأ مكتب للأمم المتّحدة فيها.
يُمكن اعتبار ما يجري بالاضافة إلى دعوة المعارضة السورية إلى الرياض لتوحيد صفوفها، ومناشدة الائتلاف السوري جبهة النُصرة لفك ارتباطها بالقاعدة، عملية اصطفاف لمرحلة مقبلة تضع أسساً للقاء فيينا الثالث بعد تثبيت مكاسب الفريقين على الأرض بالتعاون مع شركائهم الإقليمين. روسيا تحاول توسيع ما سبق وسُمي بسوريا المفيدة نحو الشرق بحيث يتم السيطرة على المنطقة شرق تدمر حتى الحدود العراقية بما فيها السيطرة على منابع النفط أو منع استخدامها كحد أدنى. بينما تقوم الولايات المتّحدة وحلفاؤها بالتعاون مع تركيا والأقليات بتثبيت أقدامها في الشمال بإقامة منطقة آمنة شمال حلب وإقفال الحدود بشكل كامل مع سوريا، وملء الفراغ الجغرافي الفاصل ما بين فصائل المعارضة المعتدلة ومناطق انتشار الجيش السوري بالإضافة إلى حشد ما أمكن من الفرقاء السياسيين لتوسيع دائرة التمثيل لدى انطلاق العملية السياسية.
هل تعطي الاستراتيجية البريطانية هذه المرة إشارة الانطلاق نحو الحشد العسكري والاستعداد للمواجهة مع روسيا في مسار الأزمة السورية؟ وهل يُكرّر رئيس الوزراء كاميرون ما قامت به مارغريت تاتشر في حرب الخليج الثانية حين حثّت الرئيس بوش الأب على الذهاب إلى الحرب دون تردد بعد دخول صدام حسين إلى الكويت في 2 آب 1990، لأنّه يجب تلقينه درساً قاسياً كي لا يكرر المحاولة؟ أو هل تُستعاد تجربة طوني بلير في العام 2003 حين اندفع الى الحرب مع جورج بوش الإبن دون قرار من مجلس الأمن تحت عنوان منع العراق من امتلاك أسلحة نووية؟
إنّ التجربة تثبت أنّ هناك تلازماً دائماً بين الموقفين الأميركي والبريطاني، وأنّ قائمتي أهدافهما متطابقة ويأتي في مقدمتهما منع الطرف الآخر من اتخاذ المبادرة، فهل ينطبق إعلان 17 كانون الثاني 1991على فلاديمير بوتين؟
 

  • شارك الخبر