hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - الدكتور جمال نعيم

دفاعاً عن جبران باسيل

الإثنين ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥ - 17:37

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترددت كثيراً قبل أن أكتب مقالتي لأني، كمشْتغل بالفلسفة، أترفع عن الخوض في السياسة الصغيرة، تاركاً إياها لرجال السياسة، وما أكثرهم في لبنان. لكن على الفيلسوف الخوض في السياسة الكبيرة، كما ورثنا ذلك عن المفكر اللبناني كمال الحاج، أعني السياسة التي تتعلق بإنتاج الأفكار ورسم أهداف الأمة وتطلعاتها المستقبلية، وتساهم في تقدم البشرية جمعاء. لكنّ الوفاء يقتضي، أحياناً، أن يدلي الإنسان بدلوه في أشياء لا يحبِّذ، في العادة، الخوض فيها.
لست من مؤيدي التيار الوطني الحر ولن أكون. كما أني لم أشعر، يوماً، بانجذاب نحو مؤسسه الذي، من سوء حظه، تأتي طموحاته دائما في غير أوانها، إمّا متقدمة جداً وإمّا متأخرة جداً. وفي المقابل، لست من مؤيدي أي من الزعماء اللبنانين الآخرين الذين حكموا البلاد والعباد أكثر مّما ينبغي. ولعله من الأفضل لهم وللشعب اللبناني أن يرحلوا ويعتزلوا الحياة السياسية قبل فوات الأوان، لأن الوضع اللبناني يتجه، على كل الصُّعُد، من سيئ إلى أسوأ. والحكيم هو الذي يهرب قبل وقوع الكارثة التي أراها واقعة ولو بعد حين، فلا الشعب أظهر شجاعة كافية لتحمل كلفة التغيير ولا زعماؤه اقتنعوا أنه آن أوان التغيير. وأعتقد أن حاكم المصرف يرتكب خطأ جسيماً بمحاولاته المتكررة لتأجيل الإنهيار. وربما كان عليه أن يستدعيه منذ عقد من السنين، ليوقظ اللبنانين من سباتهم الاقتصادي وسباتهم السياسي. فتأجيل الانهيار الذي هو حتمي في النهاية، يزيد الكلفة على الشعب اللبناني ويؤجل الاصلاح. وما دام التغيير لم يحصل فلا أمل بالخروج من أي أزمة. لذا، سيبقى اللبناني يتخبط في أزماته إلى أن تقع الكارثة، وساعتها لا ينفع الندم.
عرفت جبران باسيل مذ كان وزيراً لوزارة الطاقة والمياه، فأنا فيها موظف منذ العام 1998. وبحكم عملي ألتقي بالوزراء وأتعرف إلى أخلاقهم وشخصياتهم. وأستطيع أن أجزم بأن معالي الوزير جبران باسيل لم يستفد بأي قرش من توليه للوزارة على الأقل في المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية، مع أنه توفر بين يديه اعتمادات كبيرة نسبياً حيث قام بتلزيم عشرات الملفات، لاسيّما مشاريع السدود والبحيرات الكبيرة (على سبيل المثال سد المسيلحة وسد بقعاتا وسد بلعا) حيث كان بإمكانه أن يلعب لعبه الفساد فيها. فالمناقصات كانت شفافة إلى أقصى الحدود والأسعار جد معقولة. ويقيني أن متعهدي السدود الثلاثة قد ندموا الآن على التزاماتهم نتيجة تأخر القبض وسوء الوضع المالي للبلد.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن المدير العام للموارد المائية والكهربائية الدكتور فادي قمير، وهو من القلائل الذين ما زالوا يؤمنون بلبنان ويعملون من أجل إدارة نزيهة وكفوءة ونشيطة ويكون همها خدمة المواطن، أقول إن سعادة المدير العام هذا، قبل الوزير جبران باسيل وبعده وأثناء توليه لمهامه، ساهم إلى حد كبير في ضبط مديريته العامة لكي لا تنزلق في متاهات الفساد. وفي كل الأحوال، فإن أمر الفساد متروك للقضاء الذي هو مخول البت في هذه الأمور.
ليس ما سبق، على أهميته، ما أريد التحدث عنه، بل أود التحدث عن تلك الشخصية السياسية الناشئة والشابة والواعدة التي اسمها جبران باسيل.
ما يمّيز معالي الوزير جديته النادرة في ظل اللامبالاة العامة، حيث يتابع ملفاته في أدق تفاصيلها ولا يبت في أي ملف إلا بعد أن يستمع إلى آراء الجميع وبعد أن يدرس كل ملف بعناية شديدة. لذا، ترونه يتحدث في جميع المجالات وكأنه خبير فيها. بالاضافة إلى هذا، هناك ذكاؤه الذي يسمح له أن يبدع في كل المجالات التي يتولاها. والأهم من هذا كله طموحُه الذي لا يعرف حدوداً، وهو ما يزال صغيراً نسبياً. وهنا بيت القصيد حيث أتوقع له مستقبلاً باهراً لأنه صاحب مشروع على قياس لبنان، وصاحب قرار. وقد تشكل هذه الشخصية بالصفات والخبرة التي تملكها منعطفاً في تاريخ لبنان، لا سيّما إذا تولت المنصب الأرفع، لكن ليس بالضرورة. وساعتها يمكن الحديث عن مرحلة ما قبل جبران ومرحلة جبران وما بعدها، كما يتحدث المؤرخون عن الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كان علامة فارقة في تاريخ لبنان. من هنا نرى أنْه ليس من الحكمة التصويب عشوائياً على هذه الشخصيات النادرة لاغتيالها سياسياً ومعنوياً قبل أن تقدم أفضل ما لديها.
ليحم الله جبران باسيل لأنه من الرجال النادرين الذين بحاجة إليهم لبنان إذا قُدِّر لهذا البلد يوماً أن ينهض.

الدكتور جمال نعيم

رئيس دائرة المحاسبة في المديرية العامة للموارد المائية في وزارة الطاقة والمياه

  • شارك الخبر