hit counter script
شريط الأحداث

طرابلس تواجه "ترانسفير"... يُفرغها من شبابها

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥ - 14:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(السفير، 3/11/2015، ص 4)

التبانة من أبرز مناطق الأزمات الاجتماعية
لا يستطيع أي مصدر أمني، أو رسمي، في طرابلس، أن يعطي رقماً تقريبياً لأعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين خرجوا بالآلاف من المدينة عبر البحر، بحثاً عن حياة أفضل في بلدان أوروبية، بعدما فقدوا الأمل بوطنهم الذي يبدو أنه بات فقط لأصحاب النفوذ، ولم يعد يتّسع لهم ولأمثالهم من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
يمكن القول إن معظم شباب طرابلس ممن يعانون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة، أو غيرهم من محدودي الدخل، حدثتهم أنفسهم بالهجرة، فمنهم من نجح في تأمين المال (من 3 الى 5 آلاف دولار) وركب عباب البحر، ومنهم من استدان وهاجر، ومنهم من لم ينجح فآثر البقاء، ومنهم من عدل عن فكرة الهجرة بعدما شاهد المخاطر التي تحيط بالمهاجرين الذين ابتلعهم البحر، في حين تصول «مافيات تهريب البشر» وتجول وتشبك مع مثيلاتها في تركيا واليونان من دون حسيب رسمي أو رقيب أمني.
لكن ما يلفت الأنظار أن فكرة الهجرة التي كانت تراود الفقراء فقط، انتقلت كالنار في الهشيم الى عدد لا يستهان به من شبان يُعتبرون من متوسطي الدخل، ومن حملة الشهادات العليا واصحاب الاختصاصات الذين آثروا بيع كل ما يملكون، وانتقلوا فرادى، أو مع عائلاتهم وأطفالهم عبر البحر الى بلدان أوروبية، غير آبهين بكل ما يُحكى عن مخاطر، وذلك طمعاً في جنسية أجنبية، وبحثاً عن عيش بكرامة فقدوه في بلدهم.
لا تقتصر الهجرة على أبناء طرابلس فحسب، بل تطال أيضا عائلات وشباناً من كل المناطق والمخيمات، وتتنوع بين الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية والعراقية، لكن الفيحاء تأتي في الصدارة من حيث عدد المهاجرين من أبنائها (تتحدث بعض المصادر عن أكثر من 3000 شخص من طرابلس والميناء والبداوي والقلمون).
كما أن الفيحاء تضم مرفأ يجري عبره الانتقال يومياً الى تركيا، وبشكل شرعي، تمهيداً للانتقال منها بحراً، وبشكل غير شرعي الى أوروبا، وكذلك تتمتع بكورنيش واسع، فيه أكثر من نقطة لانطلاق المراكب بصورة غير شرعية الى تركيا واليونان، وبعيداً عن أعين القوى الأمنية، وقد سجل لجوء عدد كبير من الشبان من طرابلس وسائر المناطق والمخيمات الى الهجرة بهذه الطريقة التي تعتبر مخاطرة من العيار الثقيل، بسبب وجود مذكرات توقيف أو «وثائق اتصال» بحقهم لا يزال العمل بها جاريا، الأمر الذي يمنعهم من الخروج عبر المرفأ بصورة شرعية.
لماذا تنامت الهجرة غير الشرعية بهذا الشكل في طرابلس؟
تثبت المعطيات أن عدداً كبيراً من الشبان قد بلغوا مرحلة اليأس الكامل في عاصمة الشمال، وذلك نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، والغياب الكلي لفرص العمل، وهو ما دفع بعضهم خلال حقبة التوترات الى حمل السلاح والانضمام الى تيارات سياسية، والى حلقات بعض المشايخ والهيئات الدينية، والى المجموعات المسلحة لقاء مبالغ مالية زهيدة جداً، «لا تسمن ولا تُغني من جوع»، ليجدوا أنفسهم بعد الخطة الأمنية محاصرين بشبح الفقر والجوع بعد قطع المال عنهم، وبمذكرات التوقيف و «وثائق الاتصال» بتهم حمل السلاح وتشكيل الخلايا الارهابية، في وقت تخلى فيه عنهم من كان يشغلهم ويستخدمهم كأدوات في مشروعه السياسي والتحريضي.
ومما زاد الطين بلة هو أن حكومة المصلحة الوطنية لم تف بالوعود التي قطعتها لجهة اقتران الخطة الأمنية بخطة إنمائية، وبمشاريع إنتاجية تسمح بإيجاد فرص عمل للشباب، أو لجهة تطويع من تتوفر فيه الشروط ضمن المؤسسات الأمنية المختلفة، لتقتصر نظرتها الى طرابلس بمشروع المنطقة الاقتصادية التي تحتاج لسنوات كي ينتهي العمل بها، وبمشروع مرأب التل الذي تفوح منه رائحة الصفقات والسمسرات والمرفوض من قبل 80% من الطرابلسيين. كذلك، فان وعود الرئيس سعد الحريري بدفع مبلغ عشرين مليون دولار لطرابلس، من أجل مسح صورة الحرب عن محاورها الأساسية، ورفع المستوى الاجتماعي فيها، لم تنفذ بسبب الأزمة المالية التي لا يزال يعاني منها، والتي دفعت «تيار المستقبل» الى إقفال بعض مكاتبه في المدينة، والتوقف عن تقديم كل أنواع المساعدات والدعم منذ انتخابات العام 2009.
كما ان القيادات السياسية في طرابلس لا تزال غائبة عن ممارسة الضغط المطلوب على الحكومة من أجل انتزاع حقوق المدينة من الانماء والمشاريع ومبلغ المئة مليون دولار الذي أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهي لا تزال راضية بتعطيل محركات التنمية في المدينة، فـ «الميناء» متروكة من دون بلدية منذ أكثر من سنتين، فيما عانت بلدية طرابلس من شلل كامل على مدى خمس سنوات، بسبب خلافات الأعضاء مع رئيسها الدكتور نادر غزال، وهي حاليا معطلة في عهد الرئيس الجديد المهندس عامر الرافعي بسبب سوء الأداء من قبل المجلس مجتمعاً، إضافة الى عدم الضغط من أجل إعادة تشغيل وتفعيل المرفأ، ومعرض رشيد كرامي الدولي، والمصفاة، ومحطة القطار، وهذه المرافق قادرة على توفير آلاف فرص العمل لأبناء طرابلس.
إذاً، فإن الهجرة التي تطال الشباب والعائلات اليوم ليست وليدة صدفة، بل هي نتيجة مسار طويل من الحرمان الذي عانته طرابلس منذ حكومات الإنماء والإعمار، التي ركزت اهتماماتها في بيروت وجبل لبنان، وغضت طرفها عن عاصمة لبنان الثانية التي فقدت أيضاً قرارها السياسي المحلي لعقدين من الزمن، بالتحاق نوابها بتيار سياسي مركزي، وبالتالي فقدت تأثيرها ضمن الدولة اللبنانية، فضاعت حقوقها ومشاريعها، واكتفت بتلقي الوعود التي ذهبت تباعاً أدراج الرياح.
ولم يقتصر الأمر على الحرمان، بل إن طرابلس كانت بعيدة عن الغُنْم، وشريكة فقط بالغُرم، فتم استخدامها كصندوق بريد ناري لتبادل الرسائل السياسية خلال ثماني سنوات، والتهبت جبهاتها على أكثر من محور، وتم استهدافها بشكل مباشر خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ضمن النزاعات السياسية والأمنية التي انتقلت الى المدينة بهدف إفشال حكومته، فدفعت ثمناً باهظاً، أدى الى تشويه صورتها وعزلها عن محيطها، والى تنامي الأزمات الاجتماعية فيها. أمام هذا الواقع المأساوي الممتد لسنوات خلت، ارتفعت نسب الفقر بين العائلات الطرابلسية الى 65% من بينها 20% تعيش بـ 3 دولارات باليوم الواحد، وتنامت نسبة البطالة بين الشباب الى 45%، والتسرب المدرسي بين الأولاد من عمر 13 او 17 سنة الى 58%، في حين شهدت أسواق طرابلس تراجعاً غير مسبوق بلغ الـ 70% في العيدين الأخيرين، ما دفع كثيراً من التجار الى صرف عدد من الموظفين لديهم.
وجاء النزوح السوري الى طرابلس ليزيد الطين بلة، والى خلق منافسة في سوق العمل ترجمت باستبدال العمال اللبنانيين بالعمال السوريين نظراً للرواتب المتدنية التي يتقاضونها وعدم إدخالهم في أي مؤسسة ضامنة، فضلاً عن قلة الرواتب التي يتقاضاها أساساً أبناء طرابلس في كثير من المجالات والتي لا تتعدى في أحسن حالاتها الحد الأدنى للأجور.
كل ذلك كان خلال الفترة الماضية عبارة عن نار تحت الرماد في مدينة العلم والعلماء، وقد اشتعلت مع انطلاق مراكب الهجرة للنازحين السوريين، فوجد أبناء طرابلس أن الفرصة سانحة للخروج من واقعهم المرير الى حياة أفضل قد تتوفر لهم في بلدان أوروبية، وإن تطلب الأمر كثيراً من المخاطرة، والوقوع في شرك مافيات الاتجار بأرواح البشر، في ظل لا مبالاة الحكومة والوزارات المعنية بعملية «الترانسفير» التي يبدو أنها ناجمة عن مخطط جديد يهدف الى تفريغ طرابلس من شبابها.
 

  • شارك الخبر