hit counter script
شريط الأحداث

زواج القاصرات السوريات.. إطعامهنّ عبء!

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 11:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(السفير، 30/10/2015، ص13)

بلال سليطين
فتاة سوريّة في السادسة عشرة من عمرها، قرَّرت الزواج من قريبها بهدف الانتقال من خيمة الإيواء إلى مبنى يحتضن لاجئين ويعيش فيه زوجها وعائلته. ما عادت الفتاة تطيق النوم في الخيمة، والنتيجة أنَّها باتت متزوجة، لسبب قد يراه كثيرون تافهاً، فيما تعتبره هي جوهرياً من دون أن تدرك مضاعفاته.
زواج القاصرات الذي سجَّل في سوريا أرقاماً قياسيّة مؤخراً، ليس وليد الأزمة، إذ إنّه يعتبر عادةً متأصّلة، لكنَّها كانت تُطبّق في الحدود الدنيا ضمن البلاد في ظلّ حملات التوعية ومحاولة حصار مجتمعي لها قبل العام 2011، غير أنَّها تحوّلت، بفعل الحرب، إلى عادة شائعة تنتشر بكثافة في الداخل السوري وخارجه.
ووفقاً لتقرير صدر عن الـ«يونيسيف» في العام 2014، فإنَّ 1 من أصل كل 5 زيجات مسجّلة للاجئات سوريات، يقل عمرها عن الثامنة عشرة، علماً أنَّ معظم حالات الزواج في الخارج غير مسجلة، وهذه أزمة أخرى.
بعض الفتيات اللواتي تزوّجن وهنّ قاصرات هربن من العرس. ليلى واحدة منهن، وتقول: «بعدما ارتديت الفستان وتزيّنت، شعرت بالخوف فهربت. كنت في البداية أظنّها حفلة وتسلية، لكنّهم كانوا يقولون لي عليك أن تفعلي كذا وكذا»، وتؤكد ليلى أنَّها لم تعد تفكّر بالزواج نهائياً.
قبل أيّام راجع أب ومعه ابنته (13 عاماً) المحاكم السورية بقصد رفع دعوى طلاق لابنته التي اختفى زوجها منذ أشهر تاركاً الفتاة حاملاً، هذه القضية تركت أثراً عميقاً في الوسط القضائي والعدلي السوري، حتّى أنَّ القاضي وجّه انتقاداً لاذعاً إلى الأب على ما اقترفه بحقّ ابنته القاصر، وهي على وشك أن تصبح أماً.
وغالباً ما تكون نتائج هذه الزيجات كارثيّة، فهناك مثلاً، فتاة (13 عاماً) حملت وأصيبت بتمزّق في الرحم، ما أدى إلى خسارتها الجنين، وأخرى متزوجة (14 عاماً) لم تنجب طفلاً، فلجأت، برغم صغر سنّها، إلى الزرع.
وتبدو الصورة قاتمة جداً، فالمسألة ليست اقتصادية أو معيشية فحسب، بل إنّها تتعدّى ذلك. هناك الكثير من الزيجات التي حصلت خشية على الطفلة من الاغتصاب، في هذه الحالة يكون الأب غير قادر على حماية ابنته، فيزوّجها. والأخطر من ذلك، أنَّ ثقافة قديمة ـ جديدة، عادت لتسيطر على جزء كبير من المجتمع السوري، وهي النظر إلى المرأة على أنَّها «عورة».
يقول أحد الناشطين من ريف إدلب في حديث إلى «السفير»، إنَّ هناك إقبالاً على تزويج القاصرات للمقاتلين، خصوصاً من «جبهة النصرة» ـ فرع «القاعدة» في سوريا ـ لأنَّ ذلك يدرّ على العائلة أموالاً ويوفر لهم الحماية، ويوضح الناشط أنَّ العائلة لا يعنيها عمر الفتاة ولا عدد زوجات المقاتل، كل ما يهمهم هو المكتسبات التي سيحصّلونها من هذا الزواج.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنَّ هناك مخاطر بيولوجيّة متعلّقة بالحمل المبكر، إذ تشير تقارير المنظمة إلى أنَّ مضاعفات الحمل والولادة، هي السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات في الفئة العمرية بين 15 و 19 عاماً، كما أنَّ وفيات الأطفال حديثي الولادة، أعلى بمعدَّل 50 في المئة بين الأمهات تحت سن الـ 20، مقارنة بالنساء اللواتي حملن وهن في عمر العشرينات وما فوق.
من جهتها، تقول ناشطة تعمل مع اللاجئين السوريين في لبنان، إنَّ سياسة المنظمات القائمة على دعم الحوامل والمرضعات، أدَّت إلى دفع العائلات لتزويج بناتهن بهدف الحصول على المعونة، حتّى أنَّ عمليات الزواج كانت تتمّ بين الأقرباء فقط من أجل المعونة ومن دون التفكير بأبعاد القضية، وهو ما أدّى تالياً إلى زيادة كبيرة في نسبة الولادة، فضلاً عن الارتفاع المخيف في نسبة المتزوجات في سن مبكرة جداً (طفولة) ضمن مخيمات اللجوء.
وبحسب تقارير صندوق الطوارئ التابع للأمم المتحدة، فإنَّ «زواج الأطفال هو أيضاً إستراتيجية للبقاء الاقتصادي، فهذا الزواج يخفف أعباءً عن العائلة، لذلك يلجأ الكثير من الأسر السورية إلى تزويج بناتهم للأقارب أو معارف أردنية، لنقلهم للعيش في تجربة أفضل».
وتقول كارلا بولس، وهي اختصاصية في الدعم النفسي تشرف على حملة توعية معنية بالمرأة داخل سورية، إنَّ نسبة الزيجات من هذا النوع ترتفع عند النساء النازحات من حلب والرقة، حيث سجلت حالتا زواج قاصرات من أصل كل خمس زيجات لنازحات من المنطقتين المذكورتين.
وتشير بولس إلى مخاطر هذا الزواج، معتبرةً أنَّه «يحرم الفتاة من حقوقها في الطفولة والتعليم، فضلاً عن أنه يحوّلها في كثير من الأحيان إلى امرأة معنّفة، تعمل كخادمة لدى الزوج وعائلته، خصوصاً وأنَّ الرجال الذين يتزوجون فتيات في هذا العمر، يدفعهم إلى ذلك حبّ التسلط»، وتشرح عن المضاعفات النفسية والصحية على المرأة والدمار الذي سيلحق بالمجتمع لاحقاً، «فالمشكلة ليست في الزواج فقط، وإنَّما في الإنجاب أيضاً، فيصبح لدينا طفلة تربّي طفلاً وهنا تكمن الكارثة، كيف ستربي طفلها، وهي ما زالت بحاجة إلى تربية!».
بولس تؤكّد ضرورة وجود قوانين دولية صارمة تمنع هذا النوع من الزيجات وإرفاقها بحملات توعية لتلافي خطر كارثي يحدق بالمرأة والأجيال القادمة، خصوصاً وأنَّ معظم هذه الزيجات تنتهي بالطلاق، وهذه مشكلة خطيرة أيضاً.
ويعدّ الفقر من أهم مسبّبات زواج القاصرات، بحسب أبي خلدون الذي زوج طفلته قبل أيام: «طعامها بات يشكّل عبئاً على العائلة، وهذا ما دفعني إلى تزويجها».
وتسعى برامج التوعية إلى الحدّ من انتشار هذه الظاهرة، لكنّها تفشل لأنَّ المشكلة باتت أكبر من التوعية. ويكون الحل الأمثل في هذه الحالة، العمل على إيقاف الحرب، لأنَّ من شأن ذلك أن يخلق واقعاً أفضل يتحسّن بشكل تدريجي، ويؤدي إلى إزالة مسبّبات الزواج المبكر.
 

  • شارك الخبر