hit counter script

شباب تفاحتا: اليأس لم يترك خياراً آخر

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 10:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(الاخبار، 22/10/2015، ص9)

حتى الآن، غادر أكثر من 60 شخصاً من أبناء تفاحتا إلى أوروبا بطريقة غير شرعية انطلاقاً من مدينة أزمير التركية. وصولهم أحياء برغم المعاناة والمخاطر الشديدة، مثّل حافزاً للعشرات ليحذوا حذوهم، ولا سيما بين الشبان القاصرين، لكن ما الذي يدفع أهالي بلدة جنوبية إلى رمي أنفسهم في التهلكة والمقامرة؟
بسرعة، تنقضي الدقائق الخمس التي تفصل بين أوتوستراد الزهراني- صور والبلدة. الوادي الذي يمثل مدخلها الرئيسي، يمنح السكينة في الأحراج المنتشرة بين الجانبين والبساتين، لكن تلك السكينة لا تكمل مشوارها مع قاصد تفاحتا. مع بدء العمران، تتوالى الحفر على الطرقات وتظهر البيوت المتواضعة والشوارع الضيقة. تواضع الحال يغلب على سمة البلدة برغم انتشار عدد من القصور. من ميزاتها، تجمع الشبان في أي وقت من النهار والليل أمام المحال. هم عاطلون من العمل برغم وجود معمل عند مدخل البلدة وتوافر عدد من المغتربين والمتمولين. صيت تفاحتا بين جاراتها ارتبط باندفاع أبنائها إلى الأحزاب وسقوطهم شهداء في كل جبهات المقاومة. أخيراً، يضاف الى ذلك الصيت، اندفاع أبنائها للهجرة حتى لو كانت عبر الطرق غير شرعية المحفوفة بالموت والمعاناة.
في هذه الأيام، يحاول عدد من أبناء تفاحتا الوصول إلى أرض الأحلام في أوروبا الغربية. بعضهم وصل قبل يومين إلى العاصمة اليونانية أثينا للإنتقال منها براً إلى مقدونيا. تعقبوا خطى أقرباء وأصدقاء سافروا من لبنان عبر المطار إلى أزمير التركية. هناك كان شخص في استقبالهم مهنته تهريب البشر عبر البحر من أزمير إلى جزيرة كوس اليونانية. كل واحد منهم دفع 1200 دولار أميركي كلفة استضافة المهرب لهم في شقة لأيام عدة قبل أن يصطحبهم نحو الشاطئ ويدفعهم للركوب في زورق مطاطي نحو الجزيرة. لا يرافقهم في الرحلة التي تحتاج لساعتين في البحر المتوسط، بل يجبرهم على أن يبحروا بمفردهم من دون ربّان. القارب نفسه لا يتسع لأكثر من 18 راكبا، لكن المهرب يكدس فيه حوالي 50 مهاجراً في كل رحلة. عدم معرفتهم بالإبحار وصيانة القوارب كاد أن يكرر مصير عائلة صفوان. تعطل القارب في منتصف البحر. فاضطر بعضهم إلى السباحة وصيانته. بعد ساعات، استطاعوا إعادة تشغيله ووصلوا سالمين إلى كوس. وفق تعليمات المهرّب، مزّقوا القارب وبعضهم مزق جواز سفره لكي لا تجبرهم الشرطة على العودة. في طابور طويل من المهاجرين غير الشرعيين، وقف أبناء تفاحتا لساعات طويلة في مركز الشرطة. عرفوا عن أنفسهم بأنهم سوريون، فحصلوا على ورقة تسمح لهم بالإنتقال إلى أثينا بالباخرة وثمن رحلتها 60 يورو للشخص الواحد. بعد أثينا سيسلكون درب من سبقهم. بالباص سيدخلون إلى مقدونيا بتكلفة 100 يورو للشخص الواحد. وفي صربيا ستمنعهم الشرطة من البقاء في أراضيها. المجموعة التي سبقت هؤلاء، انقسم أفرادها عند الحدود الصربية. منهم من هام في الأحراج ليقطع الحدود نحو كرواتيا ومنهم من لجأ إلى مركز الشرطة، قبل أن يستخدموا سيارة تاكسي للوصول إلى كرواتيا بتكلفة 600 يورو للشخص. من افترق، التقى مجدداً في المخيم الذي خصصته الشرطة للمهاجرين. على نفقة الدولة، انتقلوا بالقطار إلى حدود المجر ومنها إلى النمسا ثم إلى ألمانيا ومنها إلى الدولة التي لدى كل منهم أقرباء أو حيث يرغب بتقديم لجوء.
من وادي تفاحتا إلى اودية وأحراج أوروبا، هام بعض أبناء تفاحتا. صرف المال لا يتوقف من لحظة مغادرتهم إلى ازمير وصولاً إلى دولة اللجوء. من أجل ماذا؟
يقول والد أحد الشبان الذين وصلوا إلى أوروبا إن «اليأس لم يترك خياراً للناس». ويؤكد أن معظم شبان البلدة يسلكون الطريق نفسه لو توافر لهم المال، إذ إن معظم من هاجر استدان لتغطية التكاليف. يستعرض الاب ظروف ابنه ليبرر موافقته على تركه يرمي بنفسه في المجهول على الرغم من صور جثث المهاجرين الغرقى. يقول إنه استدان ليدرس ابنه في جامعة خاصة. درس السنة الأولى ولم يستطع تسديد المزيد من الاقساط فانتقل إلى الجامعة اللبنانية. في تلك الأثناء، تقدم إلى دورة الرتباء في قوى الأمن الداخلي. لا يزال منذ سنة و3 أشهر ينتظر النتيجة. في الإنتظار، حاول تدبر وظيفة من دون جدوى. لم يعد بإمكان الأب أن يقدم بديلاً لابنه. «ندمان ومش ندمان» يقول الوالد عن موافقته على سفر ابنه. «حسرة بقلبنا لأننا ربما لن نراه مجدداً إلا قبل سنوات عدة ريثما يتمكن من تسوية أوراقه الشرعية. اعتبر أني خسرت ابني لكن عسى ان يكون هو قد ربح مستقبله».
وصول المهاجرين سالمين إلى أرض الأحلام، شجع الكثيرين على اللحاق بهم. شرارة الهجرة الجماعية سببها شاب من البلدة متزوج بسورية أمن لها هجرة غير شرعية عن طريق المافيات. كل ما فعله أن دلّ الآخرين على الطريقة. ما كان يخطر ببال أحد أن تنتشر الشرارة كالنار في الهشيم. كثير من شبان البلدة مشغولون حالياً باقتناص فرصتهم. الأحزاب والفاعليات لم تتحرك لمواجهة الظاهرة. لا يحذر بعض من هاجر اترابه من المخاطر. يكتفي من وصل بسرد وقائع الرحلة على صفحته على موقع الفايسبوك. أحدهم نشر صورة له ولزوجته وابنته في الباص في اوروبا، تظن أنهم في رحلة ترفيهية. قبل تلك الأسرة، غادر شخص مع زوجته وطفلته (عامان) وطفله (4 أشهر) ورأى انه حقق الفوز العظيم.
ماذا بعد؟ الشرارة انطلقت من تفاحتا، وحتى الآن لم تنتشر كثيرا في القرى المحيطة، الا ان الاهالي هنا يعتقدون انها البداية فقط: غدا سيشد ابناء قرى الزهراني رحالهم للهروب من اليأس بحثا عن حياة افضل.
 

  • شارك الخبر