hit counter script
شريط الأحداث

خريطة "هجرة" اللبناني إلى ألمانيا: رحلة الموت برّاً وبحراً

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 13:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مع اشراقة كل صباح تبحر باخرة محملة بمئات السوريين النازحين من لبنان الى تركيا، ومع هؤلاء يبحر كل يوم أكثر من 15 مواطناً لبنانياً من الشمال، على ما صرحت مصادر رسمية في مرفأ طرابلس لـ"النهار"، مضيفة أن "الأمر مستمر على هذا النحو منذ حوالى ثلاثة أشهر، ولاحظنا منذ بداية تشرين الاول دخول عنصر جديد على المهاجرين هو العائلات، ففي السابق كان يهاجر الشباب منفردين، أما اليوم فكل باخرة تنطلق من مرفأ طرابلس في اتجاه تركيا يكون على متنها أكثر من 5 عائلات، هدفهم بالطبع ليس تركيا انما العبور نحو أوروبا".
وتذكر المصادر ان عدد اللبنانيين المهاجرين عبر مرفأ طرابلس وحده فاق الـ2000، من كل الشمال، بالاضافة الى رقم مماثل عبر مطار رفيق الحريري الدولي، وبالتالي سيفوق عدد المهاجرين الـ4500 نهاية الشهر الجاري اذا استمرت الأمور على ما هي.
كيف تتم الهجرة عبر مرفأ طرابلس، وما هي الطرق التي يسلكها المهاجر للوصول الى أوروبا وتحديداً الى المانيا؟ وما هي المتاعب الجسدية التي يتعرض لها، والمبالغ التي يدفعها من يقرر الخروج من لبنان عبر البحر في رحلة يضطلع فيها الحظ بدور أساسي.
"النهار" اتصلت بالشاب "ع. المصري" وهو اللبناني من منطقة ببنين العكارية ومقيم حالياً في المانيا بعد رحلة طويلة مع "الهجرة المغمسة بالموت"، فروى "حكايته السندبادية" منذ لحظة خروجه من لبنان حتى وصوله الى المانيا.
والمصري أحد عشرات وصلوا الى ماليزيا العام الماضي بهدف الولوج الى اوستراليا بطريقة غير شرعية عبر البحر، لكن "المهرب" تركهم في اللحظة الأخيرة فعادوا ادراجهم الى لبنان، وبقيت فكرة السفر تراوده حتى سمع بأشخاص يسافرون عبر البحر الى تركيا ومنها الى اليونان وصولاً الى المانيا، ويقول: "قررت المغامرة من جديد عساني انجح هذه المرة"، ويضيف: "في 24 آب المنصرم توجهت الى مرفأ طرابلس بهدف السفر الى تركيا، وكان برفقتي صديق لي، صعدنا الى الباخرة متجهين نحو مرسين التركية، من هناك ركبنا في حافلة 12 ساعة حتى وصلنا الى أزمير التي ينطلق منها المسافرون عبر البحر، ووصلنا بالتاكسي الى ساحة "بسمة" نقطة تجمع المهاجرين، والتقينا عشرات بل مئات الاشخاص مفترشين الارض. حجزنا غرفة في أحد الفنادق، وتناولنا وجبة طعام، واخذنا نتصل بالمهربين عبر 4 خطوط تركية اشتريناها لهذا الغرض"، وبسؤاله عن الطريقة التي حصل من خلالها على ارقام المهربين، أجاب: "في الباخرة من طرابلس الى مرسين كان الجميع يعرفون هؤلاء المهربين ومعهم أرقام هواتفهم، فحصلنا عليها منهم"، ويتابع: "لم ننجح في الاتصال بسوى مهرب واحد قال إنه سينظم رحلة ليلاً، فاتفقنا معه على السفر لقاء مبلغ 1220 دولاراً عن المسافر الواحد لنصل الى جزيرة تسالونيك اليونانية، بعدها أبلغنا أن هناك رجلاً يدعى "أبو عمر" لديه محل لبيع الشاورما في شارع متفرع من ساحة بسمة، وبالفعل وجدنا الرجل واودعناه 1250 دولاراً فأعطانا ورقة كتب عليها رقم هاتف وقال: "أطلبوا تاكسي ورنوا على هذا الرقم ودعوا سائق التاكسي يتحدث اليه"، وبالفعل صعد المصري وصديقه في التاكسي وطلبا من السائق التحدث الى صاحب الرقم المجهول، "تحدث معه بالتركية، فأخذنا مسافة نصف ساعة تقريباً الى ساحة وطلب منا النزول هناك، واستقبلنا في الساحة اربعة شبان طلبوا منا الاختباء خلف سيارات في الساحة، حالنا كحال نحو 60 شخصاً وجدناهم هناك، والسبب منع الشرطة التركية من الوصول الينا ومعرفة مكاننا، وبعد عشرة دقائق تقريباً وصل "بيك أب" كبير، صعدنا جميعاً فيه وسار بنا، وكانت معنا عائلات بأطفالها وشباب ونساء".
ويضيف: "كانت الساعة 12 ليلاً عندما صعدنا الى "البيك أب"، عند السابعة صباحاً وصلنا الى ما يشبه المرتفع الجبلي، كان في انتظارنا 6 شباب معهم لوازم السفر البحري، مركب نفخ و"بالمات" وما الى ذلك، وكان سبقنا الى نقطة الانطلاق هذه حوالى 200 سوري ولبناني وجاء دورنا عند الساعة 11 قبل الظهر، وسلمنا أوراقنا الثبوتية أحد الاشخاص لاعادتها الى لبنان، وركبنا 35 شخصاً في مركب بالكاد يتسع لعشرة وتوجهنا نحو الجزيرة اليونانية، وفي الجزيرة استقبلنا يونانيون عملوا على نقل العائلات التي كانت معنا بالباصات الى مركز الشرطة في الجزيرة، أما نحن الشباب فمشينا من الساعة الرابعة عصراً حتى الثانية عشرة ليلاً، ووجدنا حديقة فأمضينا ليلتنا فيها".
صباحاً استدللنا على مركز الشرطة عبر شاب يوناني مشينا معه ساعتين وأخذ من كل واحد منا 100 أورو لقاء ذلك. ولماذا التوجه الى مركز الشرطة؟ يجيب المصري: "للحصول على ورقة تسمى خريطة عبارة عن ورقة طرد من اليونان تحجز من خلالها باخرة الى قلب اليونان الى جزيرة كروس، وبعدها تتبع مسار الخريطة للخروج من اليونان في اتجاه مقدونيا".
ويتابع: "قطعنا الحدود اليونانية – المقدونية على الاقدام، وبعد ذلك ركبنا القطار الى صربيا، من ثم الى الحدود الهنغارية، وهناك بدأت الصعوبات الكبيرة. سرنا في مستوى النهر الذي يمر بصربيا وهنغاريا وهو الطريق المعتمد للتهريب، وبعد 3 ساعات من المشي وجدنا الحدود الهنغارية مقفلة، والشرطة منتشرة في المكان. كنا نحو 70، فاشتبكنا مع الشرطة الهنغارية وتمكنا أنا و7 أشخاص من الهرب عبر غابة محيطة بالنهر، وركض خلفنا رجال الشرطة وحلقت فوقنا مروحية، رأينا الموت عشرات المرات في الغابة، منا من سقط مغمياً عليه، ومنا من شوهت رجلاه وتمزقت ثيابه. أمضينا يوماً كاملاً ونحن نمشي حتى وصلنا الى قرية صغيرة، والتقينا سيدة طلبنا منها تأمين تاكسي لنا وفقاً لما هو مرسوم في الخريطة الى بودابست. طلب السائق 500 أورو فأعطيناه وصعدنا معه وكنا 4 شباب. وصلنا الى بودابست وبقينا فيها يومين، تواصلنا خلالهما مع احد المهربين ليساعدنا في الوصول الى ميونيخ في المانيا، فطلب لذلك 600 أورو عن الراكب، فقبلنا ودفعنا له نصف المبلغ على ان ندفع الباقي حين وصولنا الى ميونيخ، لكنه حاول سرقتنا وتركنا في بودابست، ولكن لم يستطع ذلك، وصلنا الى فيينا في النمسا وكان في استقبالنا بعض النمسويين الذين قدموا الينا الطعام والشراب، وقطعوا لنا تذاكر عبر القطار الى المانيا".
وما هو وضعكم اليوم في المانيا؟ يجيب المصري: "قدمنا طلب لجوء شرحنا فيه صعوبة الوضع في لبنان، وبعد ذلك نقلونا الى أكثر من 4 أماكن، ومنذ يومين فرزوني الى بيت واعطتني السلطات الالمانية 350 أورو وقالوا إنني سأحصل على هذا المبلغ كل شهر عبر بطاقة بنكية أعطوني إياها لهذا الغرض، وبطاقة تعرف عنا للتنقل داخل المانيا، ونحن 20 في البيت 19 سورياً وانا الوحيد من لبنان، وعلمت ان 17 لبنانياً آخرين فرزوا الى منازل مثلي في مقاطعات مختلفة من بينهم صديق لي، وأخبرتني السلطات انني بعد 3 أيام سأحصل على اقامة موقتة لثلاثة اشهر لا استطيع خلالها مغادرة المانيا، وهي قابلة للتجديد كل فترة، أما السوري فيمنح إقامة دائمة".
وعن العدد التقريبي للبنانيين الذين وصلوا الى المانيا بطرق مشابهة قال المصري: "علمنا بأن العدد هو 1050، والأمور اليوم باتت أصعب لأن هنغاريا أغلقت الحدود نهائياً، لكن هناك من شق طريقاً جديداً للتهريب، وربما أسهل بكثير من الطريق الذي سلكناه، اذ يدخلون صربيا ومنها الى كرواتيا فالنمسا وصولاً الى المانيا".
المصري وصل الى المانيا واستقر فيها وفقاً لما روى، لكن كثيرين ممن ارتضوا الهجرة الى احتمال الموت، على الحياة في لبنان لم يصلوا بعد، فالبحر الغدار غدر ببعضهم ورماهم في أعماقه ينهشهم السمك، هم الذين تركوا وطنهم لأن أوضاعاً قاتلة نهشتهم فلم تبق منهم ولهم أي شيء، فهل نحن مقبلون على مزيد من لقاءات العزاء في لبنان، أم أن السلطة المربكة بالنفايات ستعلن النفير العام منعاً لاستشهاد أي لبناني جديد؟... لا شك في أننا نمعن في الحلم.

مصطفى العويك (النهار، 21/10/2015، ص2)

(http://newspaper.annahar.com/article/277190-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A9-%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%A8%D8%B1%D8%A7-%D9%88%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D8%A7
 

  • شارك الخبر