hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جان عزيز

سر ربع قرن... وأهداف السوخوي

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 02:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

يروى أنه في 18 أيار 1977، وصل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى الرياض في زيارة خاصة، لتهنئة الملك الراحل خالد بعودته من علاج صحي. كان الأمير عبدالله يومها نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. أي باللغة التي أرساها هو نفسه لاحقاً، كان «ولياً لولي العهد» فهد. وكان قد مضى شهران ويومان بالتمام على اغتيال كمال جنبلاط في لبنان، الذي ربطته بعبدالله صداقة وثيقة. يروى أنه يومها، ولمناسبة الزيارة ومحطاتها الملكية، التقى الأسد بعبدالله.

مد يده لمصافحته. فأحجم الأمير السعودي. قبل أن يبادر الضيف بالقول: لا أصافح يداً تلوثت بدماء كمال جنبلاط. ابتسم الأسد بسمته الجدية الشهيرة، وأجاب: هذا غير صحيح. فعاجله عبدالله: أتقسم على مصحف بذلك؟ رد الأسد فوراً: طبعاً أقسم... يروى أن ذلك الحوار المتوتر لم يلبث أن تحول سهرة مكاشفة استغرقت حتى ساعات الفجر. خرج منها عبدالله بنتيجتين: أولاهما صداقة مستجدة بالرئيس السوري. وثانيهما اقتناع فعلي بأن من اغتال صديقه البيك اللبناني الأحمر، هو رفعت الأسد، من دون علم الرئيس، وعكس إرادته، وبغرض تفجير سوريا ولبنان وأكثر من البلدين معاً!
بعد ربع قرن كامل على حدث 13 تشرين الأول 1990، لم يعط اللبنانيون حتى رواية تبريرية أو تفسيرية كهذه. بمعزل عن صحة هذه ودقتها وحقيقتها. لم يعطوا حتى سيناريو ولو خيالي أو تخيلي، أقله من النوع الذي يستأصل الحداد، بالمعنى الفرويدي. 25 عاماً، أي جيل كامل، أو المهلة الزمنية المتعارف عليها دولياً لرفع حظر الأسرار وكشف الحقائق وكتابة التاريخ... ولم يحق للبنانيين بعد أن يدركوا ماذا حصل يومها.
طبعاً للسؤال شق وقائعي عملاني ميداني، سيظل حاضراً في آلام الناس. لا بل هو متماد في مأساة المفقودين. أولئك الذين سكتت عنهم سلطة لبنانية كاملة طيلة عقد ونصف بالعمالة، وطيلة عقد إضافي بالاستثمار. وهو شق لا يمكن طيه إلا بالحقيقة، ولا يمكن تحقيق مصالحته الفعلية الطوعية الإرادية الكاملة، إلا بكشف مصير كل إنسان. لكن لهذا النهار شقاً آخر. أقرب ما يكون إلى اغتيال وطن، وهو يستحق مساءلة عن المسؤوليات، وعن الخلفيات والأسرار والأغراض.
واقعة واحدة من أسرار تلك المرحلة تبدو كافية لطرح الموضوع في 13 تشرين الأول 2015: ثابت في الأحداث، أنه ذات يوم من الأسبوع الأول من تشرين الأول 1990، توصل السفير الفرنسي في بيروت يومها، رينيه ألا، إلى إقناع ميشال عون بالتوقيع على مبادرة، تحت عنوان القبول باتفاق الطائف. حفاظاً على ما تبقى. وحرصاً على الحد من الخسائر. كتبت المبادرة بالفرنسية، بخط مدير المخابرات في الجيش يومها، العميد عامر شهاب. حملها ألا في 11 أو 12 تشرين الأول ... واختفت!
سليم الحص يجزم في مذكراته حول تلك المرحلة، «عهد القرار والهوى»، أنه لم يتسلمها ولم يسمع بها. يسوق على ذلك دليلاً أنه التقى السفير الفرنسي قبل ساعات من احتلال الجيش السوري لآخر المناطق اللبنانية، ولم يسمع من ألا أي كلام حول الوثيقة المبادرة. وزراء حكومة الحص الأولى في عهد الطائف، يجزمون أن الياس الهراوي لم يعرض عليهم أي ورقة من قبل عون، في تلك الجلسة التاريخية التي وصمت تاريخ لبنان، بأن يطلب مجلس الوزراء في الدولة اللبنانية، اجتياح قصر رئاسته ووزارة دفاعه من قبل جيش غير لبناني. إدمون رزق يؤكد أنه لم يكن على خط تلك المفاوضات لا من قريب ولا من بعيد. لا علم له بالأمر إطلاقاً. ألبر منصور يذهب أبعد في جرأته. يجزم أنه لو عرضت تلك الورقة على طاولة ذلك المبنى الحريري في الرملة البيضا يومها، لسقط قرار الاجتياح، ولتغير مسار الأحداث والآلام.
ليست المسألة هنا ضياع ورقة. بل اغتيال وطن ودولة. هي سلسلة من المسؤوليات التاريخية، عن شعوب وحروب، تبدأ بسقوط رينيه معوض، وتنتهي بسقوط ميشال عون. سلسلة وصلت إلى إقامة نظام الوصاية الثلاثية، عبر كونسورسيوم واشنطن – الرياض – دمشق. ماذا يعرف عبد الحليم خدام عن تلك الوقائع المجرمة؟ أين كانت أنظمة المخابرات الأميركية والسعودية والسورية من تلك السلسلة وصواعقها المفجرة المسهلة؟ وكيف قيض لذلك المثلث أن يصمد عقداً ونصف، قبل أن يسقط بدوره، لحظة تناقض أضلاعه، وبواسطة سلسلة جديدة من الاغتيالات المكتومة هي أيضاً؟!
ليس المقصود بهذا الكلام نكء جراح. ولا مناسبته فتح قبور أو غرضية سياسية أو استثمار في الدم أو كل الكلام التسويغي الذي ينسكب عند كل نية بجلاء صفحة من تاريخنا الحاضر. هو الهدف كل الهدف، تطهير ذاكرة، ومصالحة لا زغل فيها. هو كل المرتجى حقيقة كاملة ولا شيء إلا الحقيقة. فهل من يهتم أو يتجاوب أو يحمل واجب كتابة التاريخ، بوقائع ما كان وحصل، لا باستغلاله لما أراد البعض أن يحصل أو يكون؟!
تبقى مفارقة معبّرة حول تلك الجزئية الوقائعية من هذا النهار. أن الورقة التي وقعها ميشال عون يومها، ربطت موافقته على الطائف ونتائجه، بشرط واحد: أن تجرى انتخابات نيابية، تأتي بمجلس نيابي يعبر عن إرادة اللبنانيين، يبرم ما يريدون ويصدق على ميثاقهم الجديد. 25 عاماً، لم يتغير فيها السياق. ولم يتغير المطلب ولا المطالب. لكن 13 تشرين لن يكون ثانياً، لأن تفصيلاً واحداً تغير على الأقل: هوية طائرة السوخوي وأهداف غاراتها!

  • شارك الخبر