hit counter script

متسربو طرابلس: من نعيم المدرسة إلى جحيم الشارع

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 10:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(البلد، 12/10/2015، ص9)

إذا كان هناك آلاف الأطفال من اللبنانيين وكذلك من السوريين قد دخلوا مدارسهم، إلا أن هناك الآلاف منهم لم يستطيعوا الدخول الى المدارس والجلوس على المقاعد الدراسية كباقي الأطفال، فكان نصيبهم اللجوء الى المقابر، علّهم يجدون هناك لقمة عيشهم من خلال العمل في تنظيف القبور.
تعيش مدينة طرابلس تسرباً مخيفاً للأطفال من المدارس لأسباب كثيرة، فيلجؤون الى العمل في مهن خطيرة وشاقة أكبر من أعمار هؤلاء الفتية الصغار من الحدادة الى ميكانيك السيارات والآليات إلى العمل مؤخراً في تنظيف المقابر.
أصبحنا اليوم قادرين بكل بساطة على تقسيم مدينة طرابلس الى فسطاطين: فسطاط الغنى وفسطاط الفقر، أي المدينة الجديدة والمدينة القديمة. في المدينة القديمة أي الأحياء والمناطق من التبانة إلى القبة فضهر المغر وباب الرمل والسويقة والمساكن الشعبية في الميناء وغيرها أو ما بات يعرف بحزام البؤس في طرابلس هناك تسرب مدرسي كبير وخطير ومخيف وعمالة للأطفال في أعمال مخيفة أكثر من فكرة التسرب نفسها مقابل أجر مادي زهيد يتراوح من 3 آلاف إلى 5 آلاف ليرة لبنانية يومياً.

باب الرمل
أطفال كثر في أحزمة البؤس بلا مدارس. وفي منطقة باب الرمل أطفال صغار يعملون في تنظيف القبور والإعتناء بها لقاء فتات المال من القيمين عليها. إنهم أطفالٌ من باب الرمل ذاتها تركوا مقاعدهم الدراسية لأكثر من سبب لعلّ أهمها "أن الإدارة في المدرسة رفضت استقبالهم في صفوفها لأنهم على حد قولها: مشاغبون".

ليس مجانياً
رئيسة حزب 10452 وجمعية آفاق رولا المراد شددت في حديثها إلى "صدى البلد" على تطبيق مجانية التعليم بالكامل وقالت "ليس صحيحاً أن التعليم الرسمي مجاني فهناك مبلغ 21 ألف ليرة للمراحل المتوسطة و 210 آلاف للمراحل الثانوية وهناك عائلات لا يتجاوز دخلها الشهري 300 ألف ليرة شهرياً ولديها 6 أو 7 أطفال في المدارس فكيف ستؤمن هذه العائلات هذا المبلغ؟!". وأكدت المراد "أن الجمعية تعمل على رفع الصوت إعلامياً وسياسياً وفي كافة الاتجاهات حتى يصل هذا الصوت الى المعنيين بهذا الملف ليعلموا بأن هناك أطفالاً ليسوا قادرين على دخول المدارس لسبب أو لآخر وعلى الجميع تحمل مسؤولياته تجاههم".

ضغط
لا يحق لإدارات المدارس طرد التلاميذ بهذه السن الى الشارع لمجرد أنهم اقترفوا مشاغبة دون مراعاة ظروفهم الحياتية والنفسية والاجتماعية وجميعهم من مناطق فقيرة بائسة حتى لا يصبحوا شركاء في ضياع مستقبلهم. فالمدرسة هي نصف التربية ويقع على عاتقها توجيه التلاميذ نفسياً واجتماعياً وسلوكياً. وفي هذا الصدد تتابع المراد القول "يجب أن يكون هناك ضغط من وزارة التربية على إدارات المدارس لمنع الطرد التعسفي للأطفال من صفوفهم فأين دور الإرشاد الإجتماعي والنفسي ولماذا ليس موجوداً في المدارس الرسمية؟ إن خروج هؤلاء الأطفال من المدرسة يعني حكماً دخولهم الى لعبة الشارع مع ما فيها من موبقات فهؤلاء الصغار هم وقود النزاعات والتظاهرات وشتى أنواع المخالفات لأنهم صاروا بلا مستقبل".
ودعت المراد وزارة التربية إلى "النظر بهؤلاء الأطفال بإرجاعهم الى المقاعد الدراسية من جديد فهذا الأمر الوحيد القادر عن انتشالهم من الوضع البائس، وإلا فإن مصيرهم قاتم والدولة تكون بيدها تأخذ شبابها الى الطريق الخطأ والفعل الخطأ لأنها لم تنتشلهم وتنقذهم".

على الفطرة
رغم شراسة هؤلاء الأطفال الذين أكسبتهم إياها فوضى الشارع وقساوة الحياة في بيئة تعيسة وجو مدرسي صعب لا يتحمل الضغط النفسي الذي يعيشونه إلى جانب ضيق مادي وحياتي شديد، إلا أن فطرة الأطفال وبراءة الصغار لا تزالان في داخلهم وهم يتمنون "أن يعودوا من جديد إلى مدارسهم وأن يعيشوا حياة لائقة وأن تكون لديهم الأموال أسوة بغيرهم فيدخلوا المدارس ويتعلموا وتكون إداراتهم ومعلميهم أكثر حنانا وتعاطفاً معهم ومع قضاياهم" إنهم باختصار جيل الحرب النفسية الذي يتمنى السلام والطمأنينة.

اعتصام
وكان اعتصام قد نظم قبل أيام، أمام المنطقة التربوية في الشمال للمطالبة بالنظر بحال الأطفال المتسربين من مدارسهم في مدينة طرابلس حيث باتت أعدادهم مخيفة بما ينذر بمشاكل اجتماعية كبيرة والتقى المعتصمون رئيسة المنطقة التربوية نهلا الحاماتي التي وعدت بـ "السعي لإيجاد حل لهذه المشكلة".

مهن قاسية
لم يعد هناك فارق كبير بين أطفال لبنانيين وأطفال لاجئين إلى لبنان إذ أن وضع بعض الأطفال اللبنانيين أكثر سوءاً وهم خارج مقاعد الدراسة وتراهم يشتغلون بأسخف المهن من بيع العلكة الى علب المحارم وحتى إلى التسول أيضاً وبعضهم يشغلهم قادة محاور في إشعال الدواليب وقطع الطرقات وبالتالي يصبحون وقوداً لهذا أو ذاك مقابل حفنة من المال لأطفال كان قدرهم أن يولدوا فقراء في بلد التعاسة.
في خصوص تعليم اللاجئين السوريين بدوامات بعد الظهر في المدارس اللبنانية الرسمية نفسها "فإن وزير التربية ومدراء المدارس وجميع المعنيين يجهدون في استقطاب كل طفل وطفلة سورية الى المدارس الرسمية وتقديم كل التسهيلات المجانية وصولاً إلى النقل المجاني وحتى فراشي الأسنان والشامبو ومنشفة الرأس". وعلى قاعدة لا خير لمن ليس فيه خير لأهله فإن الأَولى الإهتمام بالأطفال اللبنانيين المتسربين من مدارسهم إذ مقابل كل طفل سوري يدخل الى المدرسة طفل لبناني آخر يخرج من المدرسة في كافة المناطق اللبنانية وعليهم كونهم مسؤولين رعايتهم لأنهم أصبحوا لاجئين في وطنهم.
 

  • شارك الخبر