hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - جاد صليبا

الشتاء التُركي العاصِف

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 05:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يُحسَد الرئيس التُركيّ رجب طيّب أردوغان على الواقع السياسيّ الفائق الصعوبة الذي يَمُرّ فيه داخليّاً وإقليميّاً. فتُركيا تشهد تطوُّراتٍ داخليَّة مُتسارعة، فيما مُحيطاها الأوروبّي والشرق أوسطيّ يَحفلان بمُستجدّاتٍ لا يُمكن استشراف نتائجها في المدى المنظور. فهَل يخرج أردوغان من دوّامة الأزمات الداخليَّة مُنتصراً؟ أم إنَّ هذه الأزمات المُتشعِّبة ستَجعلهُ خائرَ القوى وعاجزاً عن حَجز مكانةٍ إقليميّة لبلاده في مرحلة ما بعدَ نُضوج الطبخة السياسيّة في المنطقة؟
هذان السؤالان دَفَعا أردوغان إلى تأليف خليّة أزمة وَضَعت على طاولتها ملفّات لا بُدَّ من إيلائها عنايةً فائقة، ألا وهيَ:
- المُشكلات المُتفاقمة داخل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، والأصوات المُعارضة لأردوغان، والاتّهامات المُوَجّهة لهُ بالتفرُّد بالقرارات والتسلّط والهَيمنة، في وَقتٍ تحدّثت صُحف إسرائيليَّة، أخيراً، عن خلافاتٍ كبيرة بينه وبينَ رئيس وزرائه أحمد داود أغلو الذي كانَ "عرّاب" سياسة "صفر مُشكلات" مع الجيران الإقليميّين، ما يُنبئ بمزيدٍ من الاحتقان في الداخل التُركيّ. يأتي ذلكَ، قبل موعد الانتخابات النيابيّة التي يرى الأكراد أنّ أردوغان "ابتَدَعَها" بعدَ خسارة حزبه الغالبيَّة البرلمانيَّة المُطلقة التي تُتيح لهُ تحويل النظام السياسيّ في تركيا إلى رئاسيّ لتعزيز صلاحيّاته، وَسط توَقّعاتٍ بأن تؤدّي نتائج هذه الانتخابات إلى زيادة الشحن السياسيّ في البلاد.
- زنّار النار المُشتَعِل على الحدود التركيَّة بِفِعل التدخُّل العسكريّ الكُرديّ في الحربَين السوريّة والتركيّة. إلى ذلكَ، لم تَعُد المسألة مُقتصرةً على النزاع التُركيّ – الكُرديّ القديم – الجديد، أو على الهجمات التي تضرب العُمق التركيّ والمَنسوبة إلى "حزب العُمّال الكُردستانيّ"، بل باتَ القلق التُركيّ يتعاظم بسبب تقارير عن إمكان أن تُتيح الضربات الروسيَّة المُوَجّهة ضدّ تنظيم "داعش"، فرصةً للأكراد لتحقيق مزيدٍ من التقدّم الميدانيّ على الحدود مع تركيا، وهذا آخر ما يتمنّاه أردوغان حاليّاً. كذلك، يتعاظم القلق التُركي من "تمتين" الوجود الروسيّ في سوريا، وما يعني ذلكَ من تراجع للدور التُركيّ على الصعيد الإقليميّ.
- الصَفّ الإقليميّ السُنّي غير المُوَحّد، ومُحاولة كلّ دولة "غَرفَ" مَزيدٍ من المصالح الإقليميَّة، بدلاً من توحيد الصَفّ. وهذا الانقسام السُنّي قد يؤدّي، في لحظةٍ من اللحظات، إلى تعاظُم قُدرة "داعش" الذي قد لا يَتردَّد في ضرب العُمق التُركيّ، خُصوصاً بعدما أعلنَ أردوغان حربه على التنظيم الإرهابيّ، فاتحاً قاعدة "أنجرليك" أمام مُقاتلات التحالف الدولي. وأيُّ ضربةٍ "داعشيّةٍ" لتركيا، ستدفع شعبيّة أردوغان نحوَ الهاوية، بعدَ أن يكون الاقتصاد والسياحة تكبّدا خسائر فادحة. علماً أنَّ "داعش" استهدف السعوديَّة التي دهمت أخيراً معملاً لصنع المتفجّرات، وبالتالي فإنَّ الأراضي التركيّة ليست في مأمن مِن أيّ هُجومٍ إرهابيّ دَمويّ على نطاق واسع، خصوصاً أنَّ صفوف المهاجرين إليها تعجّ بأشخصاصٍ مُغَرَّرٍ بهم يَتبنّون "الفكر الداعشيّ".
- الأزمة المُتأتّية مع روسيا على خلفيّة خرق المُقاتلات الروسيَّة التي تقصف "داعش" في سوريا الأجواءَ التُركيّة مراراً، ما أدّى إلى توَتُّر دبلوماسيّ غير مسبوق بينَ موسكو وأنقرة. علماً أنَّ أردوغان لن يكون عملياً قادراً على التصعيد في وَجه الإدارة الروسيَّة، لأنّه يعلم أنّها حليف اقتصاديّ من الصفّ الأوّل بالنسبة إليه، خُصوصاً لجهة تزويد تركيا الكمّيات الكافية من الغاز التي تحتاجها. لذا، ستبحثُ خليّة الأزمة التي شَكّلها الرئيس التُركي في سُبل التعاطي مع الخرق الروسيّ للأجواء التُركيّة، على نحوٍ لا يؤدّي بالضرورة إلى إغضاب موسكو.
وانطلاقاً مِن كُلّ تلكَ المُعطيات، يَخشى مُراقبون من أن تكون أشهر الشتاء المُقبلة على تركيا مُلبّدةً بأحداث سوداويّة وعاصِفة، ما يُهدّد بتراجُع التأثير التُركي في المنطقة تدريجاً.
 

  • شارك الخبر