hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

مونتريال

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 05:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

على الجبل الملكي المطل على المدينة والمجاور للمدافن، وقفت وتأملتك. تأملتك في فضاء الصمت يا مدينة الكنائس الالف. وقفت ونظرت كيف يلتهم بدرك الكسوف. قيل انّ ظل الأرض التهمه. لم اسمع الطبول تدق كما جرت العادة في بلدتنا فيبتعد التنين عن فريسته. فعلى ما يبدو التهم التنين أشياء كثيرة، حتى انه اسكت غالبية أجراس الكنائس التي ما عادت تقرع الا نادرا جدا.
وقفت هناك وناديتك يا مونتريال، قائلا:
"مونتريال يا سحر جليد المدائن كيف تأسرين البشر وتدخلينهم مجاهل الشتاء فلا يعودون يخرجون؟؟ قيل لي أنك لا تأذنين للشمس ان تبان الا قليلا جدا كي لا يزول سحرك؟ أتكونين انت الساحرة؟ ام أنك وقعت في دائرة الليل والصقيع، فصارت شمسك من سراب؟؟
نعم، هذا ما سمعته عنك الا أنك ما كنت معي هكذا. نعم، معي كنت مختلفة، فتزينت بالربيع وتلونت بالحرير الهندي وتعطرت بالياسمين. قيل لي أنك تهوين غواية الرجال المشرقين كي يتغربوا، فلا يعودوا يحبون الشمس التي لوّنت وجوهم!! قيل لي إنك تسقينهم من خمرتك المثلجة فيغرقون في سبات الانبهار ويصيرون يعشقون الأبواب الواسعة. ويقبعون فيك حاملين اليك اوطانهم التي تصير فيهم وتنمحي عن خرائطهم، يضيعون في جليدك وطرقاتك ويتوهون في ازقة كنائسك الضخمة والمقفلة والجميلة والباردة.
ثلاجتك يا مونتريال مرصعة بكل أنواع الفواكه المجلدة.
مونتريال يا مدينة سقطت من ممالك الثلج ومن عوالم الاساطير، واستلقت على نهر متجمد. من انت يا مدينة ألف كنيسة وكنيسة غيّب عن غالبيتها الاله فأضحت متاحف وشققا وحتى حانات.
أتكون قد طردته من اروقتك وهياكله انتقاما؟ قيل إنك غضبت من خدامه غير الامنين ممن خانوه وخدعوك فالتصقوا بوحول التاريخ ؟ لم طردته هو؟ اما تعلمين انّ الغريب والاله ابن مريم، وافاهم يوما فقيرا ومشردا ومريضا وسجينا فطردوه لأنه اتى بلا موعد مسبق وليس على لائحة المؤهلين؟ لعنهم لأنه ما احبّ الاروقة المذهبة والكاتدرائيات المعتمة والباردة والقصور المكسوة بقصصه وجدرانياته. فهو يعشق الكنائس الصغيرة والفقيرة اليه والدافئة بنض القلوب. لا يقيم الا في البشر، ولا يحب الزيف. مؤسساتهم اخافته حتى الاختناق.
تنهدت مونتريال وقالت: "تضعف الكنيسة عندما تقوى المؤسسات وتضمحل المحبة عندما تتعاظم السلطات والبيروقراطيات، لكن مازال فيّ بالروح نبضات".
ونبضات مونتريال بالفعل اكتشفتها في أناس من نور يضيئون شوارعها الجميلة والضحلة ويدفئون بعض كنائسها الصغيرة. نبضاتها أدركتها في عائلات تتحدى الزمن، وقد سلمت أنفسها الى ربها، فصارت تعيش في وسط الضوضاء والعصر الجديد كأنها في قفر. اذهلتني بعض القامات الروحية من العلمانيين وغيرهم، قامات يصعب عليك ان تجدها في الشرق. سحرتني محبة بعض أبناء قومي بعضهم لبعض فعرفت انهم من خاصية الله. أدهشني كيف يصلي كاهن كندي اكتشف المسيحية، فشعرت في قداسه انه يحملني لساعة او أكثر الى فوق.
كيف انساك يا مونتريال؟ وهل أنسى عائلتي؟ هل انسى نفسي؟ هل انسى وجوها عشقتها هنا وتنير هناك؟ كيف انسى كل ذلك الكم من المشاعر والدفء والجمالات والتنوع والغنى؟ لن انساك وقد حضنت المحتاج والمكسور والخائف والنازح والمريض من أبناء قومي وجعلتهم من ابنائك؟
 

  • شارك الخبر