hit counter script

مقالات مختارة - د.نسيم الخوري

لبنان في سريرٍ من شوك

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 09:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(الخليج الإماراتية)

لا فرق كبيراً لبنان بين حزبٍ وجمعية. لكلّ حزب جمعياته ولكلّ جمعية تؤسسها ضرورة تفاهم إثنان ويحميها ضرعان: داخلي وخارجي. ما المقصود فعلاً بالمجتمع المدني إذا كان نقيضه المجتمع غير المدني؟ ما هي حدود الحراك المدني في لبنان؟ قد يكون الجواب على هذا السؤآل الأخير مستحيلاً لأنّ لوحتين كان لا يمكن مقاربتهما لفهم ظاهرة إنتفاضات المجتمع المدني في مستقبل لبنان . الأولى تاريخية وهي لوحة الأحزاب والتجمّعات الحزبيّة والثانية حالية هي لوحة جمعيات الأهلي أو المدني. التبرير الأوّل الذي يخطر في الذهن عند النظر الى اللوحتين الغامضتين هو شيوع التسمية التي تعتبر لبنان "ساحةً" لا وطناً. نسمعها ببساطة كليّة على ألسنة السياسيين والإعلاميين تحديداً، كما نسمعهم يشملون بهذه التسمية الكثير من الأوطان العربيّة التي ذاقت أو تذوق طعم "الربيع العربي" الذي حلّ في أكثر من عاصمة أو ساحة عربيّة أخرى. طبعاً لست بحاجةٍ الى كثيرٍ من الجهد كي أفرّق بين الساحة والوطن، حيث التعبير الأول المستعمل بوفرة ومن دون إنتباه أو في لا وعي المتكلّمين، هو المكان الدائري غير المحدّد المفتوح على الجهّات كلّها عبر طرقٍ رئيسةٍ أو فرعية، بينما الوطن هو البقعة التي لها حدود رسميّة وجغرافية ومرسومة في الخرائط الورقية والإلكترونية. لكن أن يقع الإختلاط بين بين الأوطان والساحات فتلك هي المعضلة التي تفلش في بلادنا كسرير من شوك.
اللوحة الأولى: يمكن القول في اختصار، إنّ مرحلة مرّة من الحروب اللبنانية وقعت بين 1975 و1982 لتدفع بالحياة الحزبية اللبنانية في صراعاتها إلى أوجها، حيث اتّخذت طابعاً عسكرياً ظهر في كتلتين ضخمتين شكّلتا الصورة العامة: الجبهة اللبنانية والحركة الوطنيّة ، بالاضافة إلى أحزاب صغيرة وتجمعات سياسية وحركات وتكتلات أفرزتها الحروب. وبين هاتين الكتلتين، كانت الصعوبة هائلة في معرفة عدد الأحزاب الفعلي أو رصد أنشطة الأحزاب والتجمعات والجمعيات التي انخرطت في الصراع فتشابهت، وتنافرت واكتنفها الغموض. فلقد أحصينا على سبيل المثال 719 حزباً سياسياً وجمعيّة في لبنان حتى العام 1976، ولم نتمكّن من معرفة المؤسسات والأحزاب والجمعيّات التي قامت بعد هذا التاريخ، خصوصاً وأنّ عدداً كبيراً منها كان قد انخرط في الأوضاع اللبنانية المعقّدة على مختلف الأصعدة.
ولكي أحلّ هذه المسألة، ولو بإثبات عدد تقريـبي للأحزاب والهيئات الحزبية في لبنان قمت بدراسة تقديرية إستندت فيها مع فريقٍ بحثي من طلاّبي إلى حادثين مهمين متباعدين في الزمان، لكنهما متشابهان في كسب عطف الرأي العام في لبنان وجذبه: وصل إلى 108 مستندين في دراسة:
1- أخذنا حادثة استقطبت وعنت الكثير بالنسبة لمعظم اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم ومذاهبهم، هي استشهاد الرئيس اللبناني بشير الجميّل في 14 أيلول - سبتمبر 1982، قبل تسلّمه رئاسة الجمهورية، وهو تاريخ موضوعي جدير بالاهتمام العام.
2- اعتبرنا الحادثة التي أودت بحياة الرائد باسل حافظ الأسد في 22 كانون الثاني - يناير 1994، مفصلاً برزت فيه الغالبية العظمى من الهيئات والمؤسسات والأحزاب اللبنانية والجمعيات بالمشاركة والإستنكار والتعبير.
راقبنا الاستنكارات وردود الفعل والبرقيات التي نشرت في ثلاثة صحف يومية خلال عشرة أيام بعد حصول كل من الحادثتين، معتبرين الهيئة كل جمعيّة أو تكتّل أو جهة أو تجمّع أو رئيس أو أمين عام أو ممثل لأي منها. وأسقطنا من اللوائح الأفراد العاديين وممثلي المؤسسات الدينية والرسمية المعروفة. وجدنا أحزاباً مثلاً لا يتعدّى المنتسبون إليها سوى ثلاثة أشخاص الرئيس الذي هو الأمين العام والناطق الرسمي بإسم الحزب ومعه مرافق وسائق ويتصرّف في الحياة العامّة ويصرّح ويعقد مؤتمرات صحفيّة وكأنه رئيس لحزب ضخم.
ووصلت الى تدوين (830) حزباً وتنظيماً سياسياً وجمعية في لبنان.
فاصلة: هنا فاصلة أضعها بين اللوحتين خلاصتها أنّ الجمعيات هي كما الأحزاب في لبنان. وقد شغلت السياسة في مضامينها المختلفة حياة اللبنانيين خلال الربع الأخير من القرن الماضي الذي انهار فيه وطنهم، وخضع لتحولات كبرى متعددة، عبر محطات أساسيّة شكّلت ملامح الانهيارات. وجاء إغتيال الرئيس الحريري ليزيد الأمر تعقيداً، حيث نرى أنّنا بحاجة الى تجديد هذا العدد التقريبي لمعرفة العدد الحقيقي للجمعيات والأحزاب ومدى الشوك المتضافر في الجسد الوطني.
اللوحة الثانية: عندما دقّقنا في الجدول الإحصائي غير النهائي لعدد الجمعيات تجاوزنا ال7000 جمعية. فقد "تأسست مثلاً بين 18/9/2008 و 17/9/2009 884 جمعية أي بمعدّل ثلاث جمعيات في اليوم ، إذا احتسبنا أيام الدوام الرسمي.يكفيك أن تعلم الدولة خطيّاً وتخبرها بإنشاء جمعية ما في لبنان وفقاً للقانون المستورد عن الفرنسية في إنشاء الجمعيات، فإنّنا منذ ال ال 1994 أغرقنا اللبنانيون بكميّات هائلة من الكراريس المقتضبة والكتيبات والنشرات والدعوات والمحاضرات والمقابلات الإعلامية والشعارات التي كانت تتدفّق على صناديق البريد وتحت الأبواب وعبر وسائل الإعلام أو في أثناء المؤتمرات والأنشطة الكثيرة، وتدور في معظمها حول عناوين غريبة مثل: اقرأ دستورك. كيف تنشىء الجمعيات؟ الطريق نحو الديمقراطية والعناوين المكلفة مادياً لترويجها والتي كانت تصدرها جمعيات المجتمع المدني أو الأهلي، تطالب بتحديث الإدارات ومكننتها وتنسلّ فيها لتعلن محاربة الفساد ثمّ إصلاح النظام ثمّ تغييره وتوجز تقارير المشاريع في التنمية المستدامة والحرية والديمقراطية والبطالة وحقوق المرأة والطفل والمعوقين والحرية الجنسية حتّى المثلية منها وحرية المعتقد والتدريب على التنمية المؤسساتية. انها هجمة عناوين وشعارات مربحة مادياً وسياسياً ترعاها وكالة التنمية الأميركية Usaid وبرامج الأمم المتّحدة بمساعداتها وهباتها ومستشاريها ومعها السفارات تموّل وتدرّب أعضاءها وتجمعهم في مؤسسات وجمعيات غير حكومية أوهيئات تطوعية حاملة لبرامج التوعية والتثقيف، والتماسك والاندماج الإجتماعي. ولأفراد الجمعيات ثيابهم وقبعاتهم وشعاراتهم. اللافت جدّاً تلك الحماسة الهائلة لظاهرة مؤسسات المجتمع المدني لدى العديد ممّن إنخرطوا أساساً في الفكر اليساري البائد، وأغرتهم تعابير مستجدة مثل workshops وال Papers ، وباتوا يستحصلون على تأشيرات الدخول الى أميركا والغرب بسهولة فيتدرّبون على تذوّق الديمقراطية وتعلّمها ومعرفة قيادة الشباب، ويعودون حراكيين في جذب الناس حيث أنّ جماهيرهم مسكونين بعقدة الإستسهال في التغيير عبر وسائل التواصل الإجتماعي ساحر الجميع. يقصون علينا محاضراتهم présentations ببرودةٍ وثقة ظاهرة ولكنة عربية إنكليزية إكتسبوها فيعربّونها ويصفعوننا بها مع كلّ "تغيير" أو "ربيع" محصلته الفوضى المستدامة وتخريب الإستقرار. هؤلاء بعض من طبقة همّها توسيع المجتمع المدني وجذب الناس نحو موضة" الربيع" عبر هندسة التظاهرات.
 

  • شارك الخبر