hit counter script
شريط الأحداث

خاص - ابراهيم درويش

عن البتراء ولياليها الملاح...

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٥ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أن تنتقل من عَمّان باتجاه الجنوب الأردني في رحلة تستمر ثلاث ساعات، يكون السؤال الوحيد الذي يلازمك حتى الوصول حول ما إذا كان المكان المعتزم زيارته يستحق عناء هذه الرحلة.
إن كنت محظوظاً، فانك ستزور البتراء يوم الاثنين أو الاربعاء أو الخميس، حيث ستتاح لك الفرصة لقضاء ليلة ستطبع بذاكرتك على مر الأيام والسنين.
ولأن زيارة البتراء بحسب الخبراء والأدلاء، تكون بأبهى حلتها في الصباح الباكر وعند الغروب حيث تتمازج أشعة الشمس وألوان الصخور المرجانية في لوحة عجائبية، تصبح المنامة في فندق قريب من البتراء أمراً ضرورياً ومستحباً للاستفادة من كل لحظة يمكن أن تقضيها في المدينة.
للطعام في البتراء تجربته الخاصة، حيث يتيح لك مطبخ البتراء تحضير طعامك بنفسك تحت إشراف طهاة اردنيين، في جو من الألفة والود، لا يخلو من المواقف الطريفة.
تناول طعام العشاء في "petra kitchen" تحوّل الى طقس من طقوس زيارة البتراء قبل الاستعداد لمغامرة "petra by night".
البتراء هي إحدى عجائب الدنيا السبع وتعتبر ميراث العرب الانباط الذين استقروا جنوب الاردن ما يزيد عن 2000 عام، وقد شهدت المدينة ازدهاراً مطرداً
في العهد الروماني وهي تسمى المدينة المفقودة كونها بقيت غير معروفة من العالم الغربي بعد القرن الرابع عشر الميلادي الى ان أعاد استكشافها المستشرق السويسري يوهان لودفيج بركهارت.
كطلاب في رحلة مدرسية يصطف السياح من مختلف الاجناس والاعمار خلف العم محمود بزيّه البدوي ولهجته الانجليزية التي يبدو أنه عمل جاهداً لاتقانها باللكنة المطلوبة. يرحب العم محمود بالحاضرين، بأكثر من لغة (العربية، الفرنسية، الانكليزية، الاسبانية، والألمانية)، قبل أن يطلب من الجميع الانتظام خلفه والسير بهدوء، افساحاً في المجال للاستمتاع بجمالية البتراء.
في الساحة التي تتوسط محال الخزف والأواني والقماش والحفرعلى الرمال يتقدم العم محمود وخلفه صف السياح، مردداً عليهم بصوته الأجش المخضب برمال الصحراء " please one by one to enjoy" وصولاً الى (السيق) الممر الضيق بين منحدرات صخرية يصل ارتفاعها الى 80 متر يكشف سحرها ضوء 1800 شمعة تغطي المسار وصولاً الى الخزنة التي تشكل لوحة تراثية رائعة في فن العمارة والهندسة.
تختلف الآراء حول هدف إنشاء هذا المبنى (الخزنة)، ففي وقت يعتبر بعض علماء الآثار أنه بُني كمعبد أو مكان لحفظ الوثائق، يؤكد آخرون أن الحفريات الأثرية الحديثة في البتراء أثبتت وجود مدافن أسفل ساحة الخزنة، والتي يمكن مشاهدتها الآن من الأعلى من خلال الشبك الحديدي الموجود فوقها، كما أن هذه المدافن قُطعت لبناء الخزنة مع المحافظة عليها، وبذلك تكون الخزنة مدفنا، ويرجح البعض أنها تشكل مدفناً للملك الحارث الرابع ملك الأنباط في القرن الاول الميلادي.
انتهاء المسار لا يعني انتهاء الرحلة بل يمكن اعتباره بدء الوصول الى متعة عصية على الاختزال في أحرف جامدة، حيث ستجد نفسك أمام لوحة من الشمع المرصوف فوق الرمال في جو مرصع بالسكينة والرومانسية، وكأنك في رحلة عبر العصور الى عالم البادية.
لا يكاد يختفي صوت العم محمود حتى يعود ليتسلل بحرفية الى اذنيك من دون أن يزعج سكون الليل، فجأة يرتفع صوته بحثاً عن الهدوء المطلوب: أنتم هنا للراحة والاستمتاع "please be quiet to enjoy"، الآذان صاغية الجميع جالس على حصائر في وجه الخزنة يتوسطهما العم محمود انه بطل هذه اللحظات، رحلة السحر انطلقت، هو سيروي قصته وقصة البتراء على مسامع الحاضرين.
ينتقي البدوي كلماته يحاول ايصال رسائله بحد أدنى من الأحرف، مفسحاً في المجال أمام الموسيقي البدوية لتتسرب عبر جميع المسام والمنافذ العضوية البشرية الى العمق الوجداني لتراقص جميع الحواس، حتى تخال انك ترتقي عن سطح الارض محلقاً في ارجاء المدينة الخيالية.
لا يخلو الامر من بعض المؤثرات الصوتية، من أصوات خيل وابل وفنجان من الشاي الساخن حتى يكتمل المشهد الصحراوي، انت حتماً لست على أرض الواقع، اكتملت الرحلة الى عالم الخيال... لا تريد لتلك اللحظات ان تنتهي... ترفض النظر في الساعة وفي كل مؤشرات الحضارة والتكنولوجيا... في النهاية لا بد من العودة... ها هو صوت العم محمود يعلن انتهاء الحلم: شكراً لزيارتكم الى البتراء وللياقتكم الفائقة.
الممر ذاته الذي مررت به للوصول الى الخزنة على اضواء الشموع...هو نفسه طريق الاياب... امامك كيلومتر من المتعة الساحرة، ستشاهد اشياء لم يقع عليها نظرك في رحلة الذهاب....غير أن هذه المرة ستجتاز السيق مسرعاً وبريق بترا في عينيك، تتمنى اقتطاع ساعات من الليل ريثما يطل الصباح، فلبترا النهار حكايا تختلف تماماً عن بترا الليل، وبعض أسرار بترا التي حفرت على ضوء القمر، لا بد ان تتكشف بعضها تحت أشعة شمس.
هناك في عالم الاسرار، حكايا الف ليلة وليلة هناك رياضة روحية وفكرية، هناك سحر، هناك بدت تلك السيدة الفرنسية وكأنها تعالج زوجها روحيا، وهناك ليس بعيد عنهما سجّل مشرقي مجنون في مكان ما عبارة "عيناك لا تنسى كليلة البتراء المقمرة".


 

  • شارك الخبر