hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

نفايات... ومغالطات

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٥ - 10:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يمكن تحميل الحكومة الحالية وزر ازمات وملفات متراكمة منذ سنوات وعقود ولا يمكن تحميل رئيس الحكومة تمام سلام مسؤولية وضع ورثه بكل ما فيه من سلبيات وتبعات خصوصاً وان حكومته جاءت لمهمة محدودة انتقالية تنتهي مع انتخاب رئيس للجمهورية، وإذا بها تجد نفسها أمام فراغ رئاسي جديد ساهم في تفاقم الأزمات. ومما لا شك فيه ان تمام سلام الذي القيت في حضنه كرة النار وورث أزمات لا ناقة له فيها ولا جمل، لا ينتمي إلى الطبقة السياسية التي عاثت في الدولة فساداً وانما ينتمي إلى طبقة الأوادم وهو سليل بيت بيروتي عريق لم يلوث يده بالدم أيام الحرب ولا بالفساد والصفقات بعد الحرب.
ولكن بالمقابل لا يمكن تبرير وتمرير حالة الارتباك والتخبط التي سقطت فيها الحكومة في الأسابيع الأخيرة أزاء ملفات انمائية وحياتية حسّاسة في مقدّمها ملف النفايات، وإزاء وضع شعبيّ وأمني مستجد في الشارع. وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وهذه الحكومة في اهينت في الامتحان الأهم والأدق الذي واجهته، أُهينت وتعرضت صورتها ومصداقيتها للتشهير ولحق بها ضرر بالغ ما أدى إلى تعميق مشاعر الخيبة والاحباط عند المواطنين ودفعهم إلى البحث عن التغيير بوسائلهم الخاصة ومن خارج الحكومة وليس عن طريقها.
علامات التخبط والتضعضع بدت واضحة في ملفات الأمن والسياسة والنفايات. ففي الملف الأمني لم تنجح الحكومة في السيطرة على الوضع وابقاء الحركة الاحتجاجية في اطارها السلميّ ولم تنجح في الحؤول دون تحولها إلى أعمال شغب وعنف عصفت بوسط بيروت وهمّشت صورتها المشرقة والحضارية... وبعدما أخذ وزير أو مسؤول أمني رفع جدار اسمنتي عازل بين المتظاهرين والسرايا الحكومي ما لبث هذا الجدار ان سقط وأزيل من مكانه تحت وطأة انتقادات حادة .
وفي الملف السياسي، اظهر رئيس الحكومة مدعوماً من كتل أساسية تصميماً على تفعيل عمل الحكومة وعقد جلسات منتجة لمجلس الوزراء لاتخاذ القرارات وتسيير أمور الناس والدولة... لتكون المفاجأة بعد حين تجميد الدعوة إلى جلسات جديدة للحكومة التي اعطيت إجازة مفتوحة إلى حين حلّ الاشكالات والخلافات السياسية وارضاء المعتكفين والمقاطعين.
وفي ملف النفايات اطلت الفضيحة من الباب الواسع، وجاء الأداء الحكومي صادماً ومخيباً لما تبقى من أمال وثقة. فبعد انفجار هذه الازمة البيئية وتكدس جبال النفايات في الشوارع دعت الحكومة مواطنيها إلى الصبر والتحمل قليلاً لأنها في صدد مناقصات شفافة في موضوع النفايات والعروض ستفض على وجه السرعة والدقة. وجاء وزير البيئة محمد المشنوق ليبشّر اللبنانيين بعد فضّ العروض بالوصول إلى نهاية سعيدة في هذا الملف مصرحاً لهم ان المشكلة انتهت وان النفايات سترفع من الشوارع بين ساعة واخرى. لتكون الصدمة قوية في اليوم التالي مع اقدام مجلس الوزراء على الغاء المناقصات والنتائج المعلنة بحجة ان الاسعار مرتفعة حتى انها تفوق الاسعار التي تقدمها شركة "سوكلين"... وهذا ما أدى إلى الوقوع في الالتباس واللغط وإلى اصابة شركات وجهات محترمة وبعيدة كل البعد عن منطق المحاصصات والصفقات بضرر معنوي بالغ بمجرد ان الصقت بها اتهامات غير صحيحة ومحرفة للواقع والوقائع. وجرى الإساءة إلى صورتها ورصيدها أمام الرأي العام الناقم والثائر والذي يبحث عن ضحية وفشة خلق.
الرئيس تمام سلام فضّل عدم الدفاع عن نتائج المناقصات بعدما تبلّغ مواقف غالبية القوى السياسية داخل الحكومة الرافضة لنتائج النفايات وأحال الملف مجدداً على لجنة وزارية للبحث في البدائل معيداً الموضوع برمته إلى نقطة الصفر وإلى مرحلة آذار عام 2014 حين صدر عن مجلس الوزراء قرار بتكليف لجنة وزارية لينتهي الأمر بعد 18 شهراً من النقاش والقرارات إلى فشل المناقصات بسبب التجاذبات ودفتر الشروط المبتور والشروط التعجيزية التي تضمنها وتهرّب الحكومة من الاستثمار المباشر في القطاع من خلال بناء المعامل وشراء الاراضي لإقامة مراكز المعالجة والطمر. والأدهى من كل ذلك ان اللجنة الوزارية وضعت أمام خيارين: أما إعادة اطلاق المناقصة ضمن دفتر الشروط الحالي مع ما يعنيه ذلك من دعوة للشركات التي تقدمت لخفض اسعارها أو الغاء دفتر الشروط برمته وإعادة اطلاق مناقصات جديدة واعمال التلزيم...
ووسط كل هذه العروض والمعمعة علق في أذهان المواطنين انطباع خاطىء عن الاسعار المرتفعة وعن شركات هي جزء من عملية المحاصصة والفساد والرشاوى... وفي ذلك إساءة كبيرة لشركات وطنية ناجحة على رأسها رجال اعمال ناجحون وناصعون لا دخل لهم بكل الفساد المتغلغل في عالم السياسة والسلطة، لا بل ينتمون إلى المعسكر المناهض لهذا الفساد والساعي إلى لبنان الأفضل في دولته ومجتمعه وانسانه.
ومع احترامنا لكل الشركات الفائزة في المناقصات فاننا نتوقف عند شركتين وقعتا ضحية لغط جائر ومتعمد وهما: شركة "اندفكو" برئاسة رجل الاعمال الناجح نعمت جورج افرام وشركة " لافاجيت " التي يملكها رجل الاعمال الخلوق انطوان ازعور شقيق وزير المال السابق جهاد ازعور وكلا الشركتان لديهما سجل حافل بالانجازات والمبادرات والعلامات المضيئة.
نعمة افرام لا يحتاج إلى من يدافع عنه، ولا يحتاج إلى الفوز بمناقصات النفايات، هو البعيد تماماً عن دائرة الصفقات والمحاصصة والساعي إلى خدمة منطقته وبلده عبر تقديم نموذج من العمل المحترف والشفاف وتطبيق التقنية التي يطبقها في مصانعه بالولايات المتحدة. وللتوضيح فان المشروع الذي قدمته شركة " اندفكو" يتضمن كنساً وجمعاً وفرزاً ومعالجة للنفايات وتوظيفاً في المعامل باكثر من 100 مليون دولار، وفيه طمر اقل من 10 بالمئة بعدما كان الطمر في حدود 80 في المئة وهو طمر من دون أي اثر بيئي وفيه توليد للكهرباء. وبلغ السعر الذي قدمته " اندفكو " 123 دولار للطن في مقابل 160 دولار لسعر " سوكلين " أي بتوفير يومي قدره 29 الف دولار ما يعادل عشرة ملايين و 440 الف دولار في السنة.
وشركة " لافاجيت " والتي يملكها رجل الاعمال طوني ازعور والتي لفقت حولها اخبار كاذبة وغير صحيحة انها تغطي آحد المشاركين في المناقصات وهو من عائلة عرب تعتز بسمعتها ورصيدها وصيتها وتاريخها المهني الذي يعود إلى أكثر من اربعة عقود وخبرتها العميقة الجذور وشركاتها العالمية وانتشار اعمالها في اكثر من 14 بلداً في العالم وصاحبها هو رجل معروف باستقامته واخلاقه وهو ابن كنيسة ومن المقربين الى بكركي وهو شارك فعليآ في المناقصة ولم يكن غطاء لاحد وهو ليس بحاجة لان يكون كذلك كون شركته هي من بين اهم الشركات التي تقدمت الى المناقصات. كما ان " لافاجيت" اعتمدت في عرضها ومشروعها افضل الطرق المحترفة واصدقها لمعالجة النفايات وتأمين السلامة والنظافة العامة. وكل ذلك باسعار أقل من الاسعار التي تقدمها الشركة الحالية المشغلة وهي " سوكلين ".
ولمزيد من التوضيح والتفصيل، فان العرض المقدم من "لافاجيت" يعني عملياً انها في حال اكتفت بتوفير الخدمات التي توفرها سوكلين حالياً من دون احتساب الكنس سيكون سعر خدماتها 81 دولاراً فقط للطن الواحد، فيكون العرض المقدم من " لافاجيت" يتضمن سعراً أدنى من سعر المشغل الحالي (134 دولار) بنحو اربعين في المئة في حال عدم احتساب النفقات المترتبة على الاستثمار في معالجة النفايات أما في حال احتساب هذه النفقات فيصبح السعر المقدم من "لافاجيت" أدنى منه بنحو 15 في المئة. كما ان " لافاجيت" ستسثمر في معالجة النفايات الصلبة 130 مليون دولار في سبع سنوات، وخدمات المعالجة لم تكن موجودة في ظل العقد مع المشغل الحالي. وباختصار فان مجمل القيمة التوفيرية على خزينة الدولة في سبع سنوات يبلغ نحو 200 مليون دولار، وهذا الوفر يتلازم مع تحسين في نوعية الخدمات المتعلقة بالنفايات الصلبة...
نورد كل ذلك تبياناً للحقيقة ولوضع حد للغط الذي ساد ولأتهامات لا تستند إلى واقع ودليل. ولحث الحكومة على أداء افضل واكثر شفافية وصدقاً ليس في موضع النفايات وانما في كل المسائل والملفات حتى ينال كل ذي حق حقه ويأخذ كل ذي حجم حجمه...
 

  • شارك الخبر