hit counter script

مقالات مختارة - هشام يحيى

مخاوف من تحوّل الاحتجاجات الى مواجهات دموية

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٥ - 07:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

ما بين روائح أزمة النفايات العضوية والنفايات السياسية ثمة مؤشرات عديدة تدل بأن الحراك الشعبي في الشارع الذي انطلق وثبت نفسه في ساحات وسط العاصمة لن يتوقف وهو مستمر بوتيرة تصعيدية تضع لبنان القابع على مفترق خطير أمام تحديات كبيرة، وهذا ما استدعى بحسب أوساط سياسية بارزة في 8 آذار من الرئيس نبيه بري تسريع وتيرة مشاوراته لإطلاق مبادرة سياسية قادرة في آن معا على الحفاظ على ما تبقى من أمن واستقرار البلاد، وفي فتح الأبواب الموصدة للخروج من دائرة المراوحة والتخبط باتجاه ملاقاة مطالب الحراك الشعبي عبر خطوات وإجراءات عملية وجدية تخرج البلاد من كبوة أزماتها المستعصية التي باتت تهدد بانهيار الهيكل اللبناني فوق رؤوس الجميع.
وأكدت الأوساط أن مبادرة الحوار التي أطلقها بري بدعم واضح من الأحزاب والتيارات السياسية الأساسية في البلاد ليست التفافية أو اجهاضية لحراك الاحتجاجات الشعبية كما يحاول البعض خلف المزايدات الشعبوية الطائشة أن يصورها، بل على العكس فان الحوار بأهدافه الرامية إلى اطلاق هدنة سياسية بين القوى السياسية المتصارعة ليس سوى سبيلا ضروريا للحفاظ على الحد الأدنى من الأمن والاستقرار في البلاد وذلك على قاعدة بأن الأمن والاستقرار يبقى الحجر الزاوية لأي حراك مطلبي ولأي نضال شبابي أو انتفاضية شعبية هادفة إلى اصلاح النظام وتطويره وحتى ربما إلى تغييره، فمن دون الاستقرار يعني انزلاق لبنان نحو الفوضى ومغامرات القفز في مجهول الصراعات الدموية والعنفية التي تهدد لبنان ككيان سيد حر مستقل.
وشددت الأوساط على أن لبنان ليس في جزيرة منعزلة بل هو في بقعة جغرافية متفاعلة مع المحيط والجوار الملتهب بحمم البراكين المشتعلة في كافة أرجاء المنطقة عموما، وخصوصا في سوريا التي لا تزال الحلول في شأن أزمتها في بداية الطريق أي أن التفاهمات الدولية والإقليمية بشأن الوضع السوري لا تزال بعيدة المنال، ما يعني بأن الكلمة الفصل في سوريا لا تزال للميدان والعمليات العسكرية بمعاركها الطاحنة مع ما تجر معها من دمار وخراب وقتل، والتي من دون أدنى شك سيكون لمفاعيلها تأثير مباشر على مسار وتطورات الأحداث السياسية والأمنية في لبنان على اطلاقها، بحيث أن الحراك الشعبي المدني بشقه العفوي وبشقه المرتبط بالقوى الداعمة والراعية والممولة له، لن يكون بمعزل عن شظايا الصراع الدولي والإقليمي المحتدم على الساحة السورية، ومن يظن غير ذلك أو لا يأخذ في الاعتبار ماهية الترابط بين الساحة اللبنانية وما يجري في سوريا فهو حتما يعيش في عالم الأحلام والتمنيات البعيدة كل البعد عن الواقعية السياسية ومرتكزات حساباتها الدقيقة والحساسة.
الأوساط عينها أشارت الى أنه لا يمكن لأحد خلف اي حجة أن ينكر بأن من حق اللبنانيين أن يعبروا عن سخطهم وغضبهم من ما وصلت إليه أزمة النفايات المتفاقمة، كما أنه لا يمكن لأحد بحسب أوساط سياسية بارزة أن يدير ظهره عن أحقية المطالب التي ينادي بها الحراك الشعبي في وسط بيروت لناحية مكافحة الفساد وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأمين المياه والكهرباء وفرص العمل للشعب اللبناني، إلا أن ذلك لا ينفي أبدأ بأن هناك مخاوف جدية من تحول الإحتجاجات الحالية في أي وقت إلى فوضى عارمة ونزاعات ومواجهات عنفية دموية وتخريبية تتخذ الطابع الطائفي والمذهبي في الشارع المنقسم انقساما عاموديا طائفيا ومذهبيا حادا والمحتقن إلى أقصى درجات الإحتقان والتوتر. وتتابع بأن ما يمر به لبنان والمحيط والجوار من مرحلة دقيقة وحساسة تستدعي قبل أي شيء آخر إعلاء صوت العقل والحكمة والوعي الذي يضع حماية أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي وعيشه الوطني المشترك فوق كل الإعتبارات والحساسيات، خصوصا ان تعميم الفوضى والإنزلاق نحو مجهول الفتنة لن يحقق مطالب ولن يحل أي أزمة بل على العكس من ذلك سوف يفاقم الأزمات ويزيد المشاكل على اطلاقها التي ستساهم بدورها في زيادة انكشاف الساحة اللبنانية سياسيا وأمنيا أمام هول المخاطر التي تهدد وجود لبنان ككيان سيد حر ومستقل.
وأكدت أن جميع القوى السياسية باتت مدركة بأن الأوضاع العامة في البلاد وصلت إلى حال يرثى لها وبأن بقاء الحكومة واستمرارها يبقى حاجة ملحة للجميع لإيجاد الحلول للأزمات الحالية المتفاقمة والتي يأتي في مقدمتها أزمة النفايات المكدسة في الشوارع بوضع ينذر بكارثة بيئية وصحية فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه. مؤكدة بأن ما تشهده المنطقة من كباش اقليمي حاد على أكثر من ساحة لا سيما في اليمن وسوريا والعراق في مرحلة ما بعد الاتفاق الاميركي ـ الايراني الذي لم تظهر ملامحه حتى الآن لا تحتمل أي مغامرة في اسقاط النظام السياسي في لبنان، كما لا تحتمل رفاهية المطالبة باسقاط المجلس النيابي أو الحكومة في الشارع من خلال الحراك الشعبي العنيف خصوصا أن واقع لبنان بتركيبته السياسية والاجتماعية وتجاربه التاريخية تؤكد بأن استخدام الشارع والعنف تحت عنوان التغيير والإصلاح لا تقود سوى إلى الفوضى والسقوط في حرب أهلية جديدة على نسق الحرب اللبنانية في العام 1975 التي نتج عنها اتفاق الطائف أو وفق نموذج حرب 7 أيار في العام 2008 الذي أنتج اتفاق الدوحة.وشددت الاوساط بأن الحل المتاح للخروج من الأزمة الحالية أو التخفيف من عواقبها الكارثية على أمن واستقرار البلاد يبقى للحوار الذي يسعى بعض العقلاء من القوى السياسية وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري بالتعاون مع النائب وليد جنبلاط بإعادة احيائه بين جميع المكونات السياسية من دون أي استثناء تحت عنوان الحرص على الاستقرار وتجنيب البلاد كأس اسقاط الحكومة السلامية والذهاب بالأوضاع الداخلية نحو الفوضى العارمة التي لن تنتج نظام سياسياً جديداً في لبنان كما يتصور البعض بل ستطيح بما تبقى من استقرار سياسي وأمني في البلاد، والذي سيليه ويعقبه مزيدا من الإهتراء الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي الذي سيصيب بتداعياته الكارثية جميع المكونات السياسية والاجتماعية بمختلف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والمناطقية.
 

  • شارك الخبر