hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - محمد مشموشي

للمتظاهرين... هناك من ينتظر على الزاوية!

الأحد ١٥ آب ٢٠١٥ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"المستقبل"
ليس من دون مغزى سياسي، أو دلالة خاصة، أن ينسحب وزراء «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» من جلسة لمجلس الوزراء ويقاطعوا جلسة أخرى، في الوقت الذي يتظاهر فيه آلاف الشبان والشابات في ساحة رياض الصلح رفضا لسياسات الحكومة في موضوع معالجة النفايات. كان المتظاهرون يريدون من الحكومة، ومن وزراء الحليفين الاستراتيجيين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» أن تناقش، فضلا عن أن تجد وتقرر، حلا لمشكلة النفايات التي تتصاعد وتيرتها(عفوا رائحتها، كما يقول المتظاهرون) وتتعقد يوما بعد يوم، فاذا بهم يفاجأون بالوزراء «الاستراتيجيين« هؤلاء ينسحبون من الجلسة الأولى ثم يقاطعون الجلسة الثانية لأسباب أخرى وتحت عناوين وشعارات مختلفة.

أكثر من ذلك، فالأسباب والمبررات التي أعطيت للانسحاب ثم للمقاطعة لا دخل لها بمسألة معالجة النفايات ولا بالنقص الفادح في التيار الكهربائي، ولا حتى بالفساد والمحاصصة والطبقة السياسية واهتراء النظام التي يرفعها المتظاهرون. هي تتحدث عن غياب «المشاركة» وعن «حقوق المسيحيين» وعن «الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، مع أن أصحاب هذا الكلام أنفسهم يتحملون المسؤولية الأكبر عن ذلك باعتبارهم أولا شركاء في الحكومات كلها من سنوات، ثم انهم وحدهم هم الذين يمنعون انتخاب رئيس للبلاد منذ أكثر من خمسة عشر شهرا حتى الآن.

والأفدح من ذلك أنهم، بحسب زعيم «التيار» العماد ميشال عون في آخر مؤتمر صحافي له، يتهمون الشابات والشبان الذين ينزلون يوميا الى الشارع ردا على الفشل في معالجة النفايات ومن أجل محاربة الفساد واصلاح النظام بأنهم سرقوا شعاراتهم هم، وأنهم يريدون أن يستردوها منهم، ليس لسمو «الأهداف» فيها ولا لأنها تلتقي مثلا مع تلك التي يدعي الوزراء أنهم يعملون من أجلها، بل انطلاق من كونها «ملكية خاصة» للحليفين، ولا يجوز بالتالي لأحد غيرهما أن يرفعها أو يتحدث عنها.

هل هي محاولة ركوب «الموجة»؟. ليس هذا فقط، بل السعي لمصادرتها بالكامل وتصوير ما يجري في لبنان الآن بأنه ليس سوى تبن لحركة الحليفين التي أدت عمليا الى شل الدولة ومؤسساتها الدستورية واداراتها…بما في ذلك عجزها عن معالجة أزمة النفايات والنقص في الطاقة والمياه والتردي الاقتصادي/الاجتماعي، وربما عدم دفع مرتبات الموظفين والعاملين في القطاع العام كما كان يمكن أن يحدث لو لم يتم تداركه قبل أيام. وماذا عمن وصفوا بالمندسين وعناصر الشغب الذين عملوا، ونجحوا الى حد كبير، في الاساءة للتظاهرات وتشويه سمعتها وحتى تزوير الأهداف النبيلة التي رفعتها منذ الساعات الأولى لانطلاقها؟.

ثم ماذا تعني شعارات مثل «الشعب يريد اسقاط النظام»، وزميله الآخر الداعي ل»انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب»، والثالث الذي يريد اقالة الحكومة، والرابع الذي يطالب بحل البرلمان واجراء انتخابات نيابية، اذا لم تكن تشكل نوعا من «انقلاب» فوضوي متعمد ودفع للبلاد والعباد والوطن كله باتجاه المجهول؟.

الحال أن أحدا لا يتوهم امكان حدوث «انقلاب عسكري»، خاصة وأن ما تشهده المنطقة الآن ليس سوى جزء من مخلفات الأنظمة العسكرية التي حكمتها وتحكمت بها على امتداد الأعوام الستين الماضية، وفي لبنان تحديدا حيث يعرف القاصي والداني تركيبته الطائفية والمذهبية والمناطقية التي تمنع مثل هذا التوهم. كما لا يرى أحد في الوقت ذاته أحزابا وتنظيمات سياسية رائدة(ولا طائفية تحديدا) من شأنها أن تقود ما يمكن اعتباره «ثورة شعبية» تضع حدا للنظام الطائفي… الذي أثبت، بالرغم من عيوبه ومثالبه التي لا تحصى، أنه كان وما يزال أقوى من الغالبية العظمى من أنظمة الحكم في بلدان المنطقة.

واذاً، ماذا يريد الذين يرفعون شعار «اسقاط النظام» أو استقالة الحكومة حيث لا رئيس للدولة، أو أولئك الذين يطالبون بالقفز فوق الدستور عبر انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، غير اسقاط البلد في الفراغ الدستوري وحتى في الفوضى السياسية والأمنية التي لا تعني في النهاية سوى بدء مرحلة من الحروب الأهلية المديدة؟.

وفي الوقت الذي تقف فيه القوة المسلحة الوحيدة(«حزب الله») هذا الموقف من انتخابات رئاسة الجمهورية ومن شل عمل الحكومة ومجلس النواب وباقي مؤسسات الدولة، ألا يمكن أن تشكل حالة الفراغ والفوضى دعوة لها للانقضاض على الوطن وان بذريعة العمل على انقاذ ما يمكن انقاذه منه؟، والى أي حد ستكون ايران التي تعتبر «حزب الله»(ويعتبر هو نفسه أيضا) جنديا في جيشها الطائفي والمذهبي بعيدة عن ذلك «اللبنان» الهجين والذي لن تكون له علاقة من قريب أو بعيد، ولا شبه في شيء طبعا، بلبنان التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا؟.

في ظن البعض ان تغطية «حزب الله» للعماد عون، ووقوفه الى جانبه في السراء والضراء كما يقول، ليسا الا من قبيل «رد الجميل» انطلاقا من مقولة الحزب أنه لا يتخلى عن أصدقائه. لكن ما لا يجوز اغفاله أن الحزب لم يفعل على مر تاريخه الا كل ما يتجاوز الدولة ويوهنها ويشل عمل مؤسساتها الدستورية واداراتها الرسمية، سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا، لحساب «الدويلة» التي أقامها حيث أمكن له أن يفعل.

ولا حاجة للقول ان هذا تحديدا ما يريده الحزب في المرحلة الحالية، سواء تحت عباءة حليفه عون وحروبه الدونكيشوتية من أجل رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وغيرهما، أو حتى بدعوى مطالب الناس الصادقة حل مشكلة النفايات والطاقة الكهربائية أو انهاء حال الفساد واصلاح النظام.

وهو هنا يحاول أن يصطاد عصفورين بحجر واحد، كما يقال في الأمثال الشعبية.

ما يبقى أن من حق اللبنانيين، بل من واجبهم، أن يتظاهروا مطالبين بالاصلاح وحتى بالتغيير الكامل، لكن من واجبهم وحقهم أيضا أن يعرفوا أن هناك من ينتظرهم على الزاوية لاختطاف العملية كلها لتحقيق أهدافه وتطلعاته الخاصة.

عندها فقط يمكنهم أن يحافظوا على سلامة حركتهم ومطالبهم، بل وحتى أن يتوقعوا امكان تحقيق الاصلاح الذي يريدون، ليس في موضوع النفايات والكهرباء والفساد والمحاصصة وحدها انما في النظام كله أيضا.

  • شارك الخبر