hit counter script

مقالات مختارة - علي الحسيني

"سرايا المقاومة" كانت هناك

الأحد ١٥ آب ٢٠١٥ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"المستقبل"

فضحت كاميرات الإعلام أمس ممارسات مجموعات من سرايا المقاومة وهي تتنقل في وسط بيروت في محاولة لاقتحام السرايا الحكومية بعد إحراقها الشريط الشائك المحيط بها. وكان سبق هذه البلطجة بيوم واحد منع أمن «حزب الله» إحدى الوسائل الإعلامية من متابعة بثها المباشر من «الوسط» بعدما تنبّه أحد العناصر لوجود صورة للسيد حسن نصرالله تجمعه مع عدد من الزعماء السياسيين كانت ظهرت أمام عدسة الكاميرا، ولم يُسمح لها بعودة البث إلا بعد إزالة صورة نصرالله دوناً عن بقية الصور.

الحادثة تؤكد بشكل واضح وفاضح ما جرى تناقله خلال الأيام الماضية عن انتشار مكثف ومنظم تنفّذه عناصر أمن من «حزب الله» في ساحة رياض الصلح وعند مداخل العديد من المناطق المؤدية الى ساحة الاعتصامات في وسط بيروت التجاري، وهو ما اعتبره الناس تعدياً واضحاً على حقوقهم في التعبير عن رأيهم ومطالبهم بعيداً عن تسييس حركتهم، وأيضاً سرقة واضحة لجهود قام بها هذا البعض طيلة الفترة الماضية لإبعاد أي شبهة حزبية عن حراكهم وتحركاتهم. كما كشفت أن تواجد أمن الحزب في أماكن الاعتصام لم يكن بشكل فردي، بل كان منظّماً بأعلى مستوياته من خلال مجموعات تُراقب عن كثب كافة المجريات وتقوم بتحريك عناصرها بشكل متقن عندما تدعو الحاجة.

عند منافذ الضاحية الجنوبية كان أمن الحزب جاهزاً وحاضراً بتوجهاته وتوجيهاته وأسئلة عناصره من خلال استجوابهم الخارجين منها، إما حول وجهة تحركهم ومطالبهم، ولو من باب «الأملية»، بحسب ما أوضح أحد هؤلاء العناصر لمجموعة من الشبان كانوا يهتفون للقمة العيش عند مستديرة المشرفية، أو من خلال إرشادهم إلى خريطة الطريق التي يجب أن يسلكوها للوصول إلى ساحة الاعتصام. وفي مناطق أخرى كان واضحاً أن ثمة مجموعات منظمة تقف عند مفارق الطرق وبين الأحياء الداخلية استعداداً لدس عناصرها بين الجموع لسرقة مطالب البعض وحرفها عن مسارها وتوجهها المُفترض.

بين أجواء الكيدية هذه التي طبعت أكثر من مشهد، ظهرت شعارات ولافتات محقة تُطالب بحل سريع لأزمة النفايات والكهرباء، وتُطالب الدولة بإيجاد فرص عمل للشباب. مطالب لم تقتصر على فئة محددة أو منطقة دون أخرى بل شملت كثيرين ممن رأوا في التحرك فرصة للتعبير عن آرائهم بعيداً من حسابات حزبية ضيّقة كانت دسّت عناصرها بين الجموع بهدف تسليط الضوء على مطالب بعيدة عن هموم الناس رافقها وعي كامل وجهوزية عالية في صفوف القوى الأمنية التي عملت جاهدة على إفساح المجال لكل من يريد التعبير عن رأيه، رغم محاولات الاعتداء التي طالتها، والتي رافقتها شعارات تدعو إلى إسقاط النظام والتنديد بوزراء محددين غير محسوبين لا على «حزب الله» وعلى على النائب ميشال عون، وهو ما كشف الدور المشبوه الهادف إلى إظهار التحرّك وكأنه موجّه ضد فئة محددة وأن مطالب المتظاهرين موجودة لدى هذه الفئة بالتحديد دون البقية.

لم ينزع وجود بعض الوجوه الفنية عن التظاهرات حقيقة خلفيّتها الحزبية المُنظمة، خصوصاً في ظل وجود شخصيات سياسية كانت برزت في مطلع الثمانينات تميّزت بعلاقاتها مع النظام السوري ومع الحلف «الممانع» اليوم. أما الموقف الأكثر استغراباً فقد تمثل بالهدوء الذي تعاطت به بعض وسائل الإعلام مع التظاهرات وتنكرها لشعارات كان أطلقها بعض المتظاهرين عبر شاشاتها، علماً أن تعاطيها مع الحدث منذ بدايته كان مغايراً ووصل في بعض جوانبه إلى تبنّي كل شعار ومطلب.

وحده الإعلام «الممانع» المرئي والمسموع كان خارج التغطية الشفافة بعدما أفرد هواءه وأفرغه لشخصيات سياسية تُشبه في نسيجها ونهجها تلك التي تم استحضارها من متحف الساسة. بعضهم تحدث عن تظاهرة تضم الآلاف، وبعضهم الآخر وصلته «معلومات» تؤكد امتلاء الساحات. وحدها أخطاء النقل المباشر كشفت زيف الادعاءات بعدما أظهرت مساحات تنزع الفراغ بين المتظاهرين. وهنا يتدخل مذيع إحدى هذه الوسائل محاولاً إنقاذ الوضع ويقول «هنا لقطة أخرى من مكان محاذٍ لمكان الاعتصام».

تابعت «الممانعة» سقوطها على الأرض وكشف زيف أحزابها المتلطية خلف مطالب الناس من خلال شعارات وعبارات أطلقتها جماعاتها. «الله ونصرالله والضاحية كلها»، «هيهات من الذلة»، «أبو هادي، أبو هادي» و«إما النصر وإما الشهادة» لتعود وتُسمع بعدها أصوات مفرقعات كان يتم رميها على القوى الأمنية ومحاولات اجتياز الشريط الشائك بعد إحراقه بهدف الوصول إلى محيط السرايا الحكومية. «حزب الله» كان يُحلق بالأمس فوق مشاهد الخراب والاعتداءات في وسط البلد بأجنحة متعددة وبأسماء وهمية، يُدير مجموعة هنا، ويُحرّك أخرى هناك وكأنها مناورة حيّة لما يجري التحضير له في وقت لاحق.

بالأمس كانت الضاحية الجنوبية هناك أيضاً، كانت ببعض فقرائها وأغنيائها. فهؤلاء وعلى عكس الدعوات المشبوهة التي كانت دعت الى التعاطي مع وسط العاصمة على أنه بؤرة للفساد، قد نزلوا إلى «الوسط» لما له من رمزية خاصة في نفوس الأحرار الذين أخرجوا منه الوصاية السورية ومنه أسقطوا النظام الأمني المشترك. لكن يبقى لمحمد خليفة أحد المشاركين بحملة «نحن نستطيع» التي خرجت من الضاحية، كلام يُلخص تطلعاته والهدف من وراء نزوله الى الشارع: «شاركت في السابق بمسيرات عاشورائية ومشيت في جنازات شهداء سقطوا في مواجهة إسرائيل، لكن أمس مشيت في التظاهرة لأطالب بتأمين مستقبل ابني ابن الأشهر الثلاثة بعيداً من الحسابات الحزبية وتسييس حركة التظاهر، فالسير خلف مطالب تضمن مستقبل ابني أفضل من السير وراء النعوش، وهذا شكل من أشكال المقاومة».

  • شارك الخبر