hit counter script

مقالات مختارة - ناصر شراراة

خفايا الحراك المدني: إدارته والأجنحة التي تقوده

الخميس ١٥ آب ٢٠١٥ - 07:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

منذ 22 الجاري، دخل الى المعادلة السياسية اللبنانية «ضيوفٌ جدد»، وأصبحوا فجأة جزءاً مؤثراً في مشهدها، ومحلَّ تكهّن حول تأثير حركتهم في الواقع السياسي اللبناني. وتقف في مقدّمهم حركة «طلعت ريحتكم» المولودة هذا الشهر من بين ثنايا طفرة حراك شعبي تصاعدي تسبّبت به أزمة النفايات، اضافة الى مجموعات أخرى تعمل ضمن هذا الحراك كحملة «بدنا نحاسب»، وغيرها.

ما هو واقع هذه الحركات ومِمَّن تتشكّل وكيف تُفكّر، وما هي الخفايا المتعلّقة بطريقة إدارتها للحراك الذي تقوده؟

امتحان السبت

ضربت حركة «طلعت ريحتكم» السبت المقبل موعداً لحراكها الشعبي النوعي الجديد. وتقصّدت تحديد زمانه السادسة مساء، وأبقت مكانه مبهَماً. ووراء هذا الإبهام أسباب عدة، أبرزها أنّ الحركة تعيش منذ ما بعد حراك السبت والأحد الماضيين اللذين تحوّلا في نهايتهما الى موجة من الشغب المستطير، نقاشاً داخلياً لاستنباط وسائل تنظيمية تمكّنها من منع اختراق المندسّين لتظاهراتها او اعتصاماتها، وحرفها عن سلميتها، اضافة الى نقاشات أخرى حول بلورة قيادة أوسع تمثيلاً لها، والسقف السياسي الذي يجب عليها عدم تجاوزه في شعاراتها وطروحاتها.

كلّ هذه الأسئلة، لا تملك مجموعات الحراك المتآلفة في ما بينها، أجوبة عملية عليها، اولاً لأنها لا تزال تنظيمياً طرية العود. فحركة «طلعت ريحتكم» لم تبلغ الشهر من عمرها بعد، و«بدنا نحاسب» عمرها أيام؛ والمجموعات الاخرى لا خبرة سياسية وتنظيمية لها.

أضف أنّ التركيبة الداخلية للحركة الأُم «طلعت ريحتكم» وبعض شقيقاتها، مثقَلة بتبادل الهواجس في ما بينها. فحركة «طلعت ريحتكم» تشكلت في الاساس من مجموعة قليلة من الهيئات البيئية والطالبية والحقوقية الناشطة تحت عنوان المجتمع المدني. ثمّ وخلال اللحظات الاولى من بروز دورها، انضمّت للعمل تحت اسمها، هيئات مطلَبية وطالبية وشبابية تابعة لأحزاب ذات طابع يساري.

ساهم هذا الاندماج بإيجابيات على المستوى اللوجستي، لكنّه من جانب آخر خلق نوعاً من ازدواجية الرؤية في داخلها حول طرائق عمل الحراك وأهدافه. فـ»طلعت ريحتكم» ترى أنّ الدور المركزي للحراك هو تحقيق مطالب المجتمع بعيداً من التأثر بأيّ اهداف سياسية، فيما الهيئات اليسارية تريد أخذ الحراك الى أجندة سياسية، تطبيقاً لنظرية أنّ العمل المطلَبي سواءٌ في قطاع البيئة أو غيره، هو في النهاية عملٌ سياسي.

خلال تظاهرة السبت الماضي، برز هذا الافتراق بين هذين الاتجاهين على مستوى طرائق العمل خلال تنفيذ المهمات الاحتجاجية على الارض. ففي البداية، احتشد الجمهور المُلبّي دعوة «طلعت ريحتكم» في ساحة رياض الصلح وسط انبهار مسؤولي الحركة باتساع نطاق التجاوب الشعبي مع دعوتهم. ومع تعاظم الحضور، بدا أنّ خيار التعبير بسلميّة هو الطاغي.

لكن مع حلول المساء ارتفع منسوبُ الحماسة الثورية لدى النشطاء اليساريين داخل الحركة، وحاولوا رفع منسوب أداء الاعتصام لينحو في اتجاه الصدام مع قوى الأمن الحامية للشريط الشائك الذي يفصل المحتشدين عن السراي الحكومي.

حصلت عملياتُ كَرّ وفرّ بين نشطاء اليسار وقوى الأمن، كذلك حصلت في الوقت نفسه عملية فَرْز بين نشطاء المجتمع المدني في الحركة الذين انسحبوا الى ساحة الشهداء لإعلان رفضهم الصدام، وبين نشطاء اليسار فيها الذين أصرّوا على البقاء في ساحة رياض الصلح لمواصلة مهمة «الصدام الثوري» مع السلطة.

والواقع أنّ المسؤولية عن بدايات صدامات السبت، لا تقع كلّها على كاهل المندسّين، بل تسبّبت بها حماسة نشطاء اليسار داخل الحركة من جهة والإفراط في ممارسة القوة من جهة ثانية.

أحداثُ السبت تركت نوعين من ردود الفعل داخلَ الحراك؛ أولّهما تعاطفي حماسي ضدّ قمعه، وهذا ما قاد الى ارتفاع منسوب المشارَكة الشعبية في تجمّع الأحد من ثلاث فئات: أنصار المجتمع المدني؛ وشرائح يسارية؛ وفئة ردة الفعل الشعبية على أحداث قمع اليوم السابق، والثاني قرار هيئات المجتمع المدني بترك الساحة. وهنا دار نقاش بينهم إذ طلب بعضم عدم إخلاء ميدان الحراك ليوم السبت بل نقله الى مكان آخر.

وبحسب تقديرات مختصّة فإنّ اعتصامَ السبت الماضي شارك فيه قلة من المستقلّين، فيما عامل الحماسة هو الذي سبّب العنف، أما اعتصام الأحد فامتاز بارتفاع المشارَكة الشعبية وبأنّ العنف الذي مورس خلاله كان تخريبياً مقصوداً، وافتعله مندسّون تقصّدوا أن يكونوا علنيّين (وهنا قصة اخرى).

«بدنا نحاسب»

وُلدت مجموعة «بدنا نحاسب» يومَ الأحد وتحت مبرّر أنها تريد اطلاق حملة شعبية للمطالَبة بمحاكمة وزير الداخلية والذين تسبّبوا بالعنف الرسمي خلال اعتصام الليلة الماضية.

لا يمكن اعتبار هذه المجموعة إطاراً منفصلاً عن «طلعت ريحتكم»، فهي امتدادٌ لها، وبمعنى آخر هي امتدادٌ للاتجاه اليساري في داخلها. وللتوّ حدّدت لنشاطها الاحتجاجي الأول موعداً هو اليوم التالي (الاثنين) من ولادتها أمام قصر العدل السادسة مساء.

ووُجِهت الدعوات الى المشاركة عبر رسائل الكترونية، واللافت فيها أنها صدرت بالمفرّق، إذ إنّ الدعوة صدرت بداية باسم «اتحاد الشباب الديموقراطي» وحده، ثمّ وُجِّهت دعوة ثانية باسم قطاع الطلاب والشباب في الحزب الشيوعي وحده أيضاً، وثالثة ورابعة باسم هيئات أخرى يسارية، ثمّ بمرور نحوِ ثلاث ساعات تمّ توحيد الدعوة باسم كلّ هذه الهيئات الآنفة، مُضافاً اليها «حركة الشعب» برئاسة النائب السابق نجاح واكيم.

ولوحظ أنه تمّ إنتاج هيئة «بدنا نحاسب» على عجل، وأنّ الشعار السياسي الذي رفعته لنشاطها يومَ الاثنين أرادته منصة للانطلاق من مطلب محاسَبة مرتكبي العنف الرسمي السبت الماضي، الى تطويرها في اتجاه محاسَبة كلّ السلطة وإسقاط النظام في اتجاه الجمهورية الثالثة. حتى الحركة الأُم «طلعت ريحتكم» لم تكن على علم لا بولادة الحركة الجديدة ولا بنشاطها يومَ الاثنين.

لذلك حصلت محاولةٌ لاستدراك هذا التشتّت، عبر تواصل بين الحركة الام والهيئة الوليدة لتنسيق الأنشطة الاحتجاجية وعدم خلق سابقة تفرّد. اتفق الطرفان على تسوية تقضي بإبقاء دعوة «بدنا نحاسب» سارية في وقتها ومكانها، وفي المقابل ظلّت «طلعت ريحتكم» مصرّة على عدم الالتحاق بالنشاط وفق تحديدات دعوته.

وكحَلّ وسط اتفق الطرفان على أن تنضمّ «طلعت ريحتكم» لاعتصام «بدنا نحاسب» عندما يشارف على نهايته عند السابعة، وفي المقابل تتوجّه الحركتان الى رياض الصلح للمشارَكة في الاعتصام الذي دعت اليه «طلعت ريحتكم».

والواقع أنّ التوجّس القائم بين جماعة اليسار وجماعة المجتمع المدني داخل قيادة الحراك الشعبي، مفهومة وليست جديدة في العلاقة التاريخية بين هذين الاتجاهين. فاليسار عموماً لديه سؤال دائم عن صلة مجموعات المجتمع المدني بأميركا والاتحاد الاوروبي، ويرى أنّ هذه الجمعيات تنفّذ أنشطة مموَّلة خارجياً، ووفق «كونترا عمل» تتعهّد بموجبه تنفيذ عدد محدَّد من الأنشطة في السنة، في مقابل أنّ هذه الجهات الخارجية تدفع بدلاً مادياً لها.

فيما جماعة المجتمع المدني مفرَطة الحساسية تجاه دخول الأحزاب الى حراكها، وتخشى من أخذ مطالب الناس الى التسييل السياسي، فيما هي تريد النأي بمطالب الناس عن السياسة.

وحالياً يتساكن اليساريون وأهل المجتمع المدني في لبنان ضمن قيادة حراك شعبي واحد، وذلك عبر اتفاقهم على تسوية أيضاً باتت معتَمَدة في كلّ مكان يشترك فيه الطرفان بقيادة حال مماثلة لما يحدث الآن في لبنان، وقوامها أنه خلال الأنشطة على الارض تتعهّد الفئات اليسارية ألّا ترمّز الى نفسها بشعارات حزبية. وهذا الاتفاق طُبّق بنجاح حتى الآن في فاعليات السبت والأحد الماضيَين.

محطة السبت المقبل

هناك نوع من الاستهابة تستشعر بها حركة «طلعت ريحتكم» من موعد السبت المقبل؛ هل ستحافظ المشاركة الشعبية على نسبتها المتصاعدة أم ستخفت؛ هل ستُثبت الحركة أنها قادرة على السيطرة والتحكّم بفاعليات هذا النشاط أم سترسب مجدَّداً في هذا الامتحان ما يطلق رسالة عنها للرأي العام بأنها عاجزة بنيوياً عن القدرة على القيادة.

منذ بداية الأسبوع يدور نقاش داخل أوساط «طلعت ريحتكم» حول نقاط محدَّدة عدة، وهناك رهان على أنّه إذا نجح قادة الحراك في تقديم أجوبة عمَلية عليها، فسيؤدّي ذلك الى نقل حراكها وقيادتها له، الى حال أرقى وأصلب:

- النقطة الاولى هي عن شكل حراك يوم السبت؛ هل تتمّ الدعوة الى تظاهرة بدلاً من الاعتصام؟ وهل الافضل تعيين مكان غير ساحتي وسط بيروت، لتسير فيه هذه التظاهرة؟ هناك عناية بإنتقاء نقطة انطلاق التظاهرة (إذا أُقرّت) تتميّز برمزية معينة، وأيضاً تحديد نقطة مكانية لانتهائها تُعبّر عن رمزية أُخرى. من الاقتراحات أن تسير التظاهرة في خطِّ مسير تعبر فيه من منطقة الى اخرى كتعبير عن وحدة الشعب.

ويأتي تفضيل التظاهرة على الاعتصام (على رغم أنه لا يزال مطروحاً) انطلاقاً من أنه قابل اكثر للسيطرة عليه، وهو أمر مطلوب إظهاره من وجهة نظر «طلعت ريحتكم».

- النقطة الثانية تتعلق بتوسيع الجسم القيادي لحركة «طلعت ريحتكم» عبر ضمّ أسماء سياسية اليه، تتّسم بأنَّ لها باعاً طويلاً في العمل ضمن المجتمع المدني وفي مشاكسة الحكومات، ومن الأسماء المطروحة للاتصال بها الوزيران السابقان زياد بارود وشربل نحاس وآخرون.

- النقطة الثالثة تتصل بنقاش السقف السياسي الذي يجب أن يطرحه الحراك. فجماعة المجتمع المدني لا توافق على شعار إسقاط النظام، فهو عالٍ ويقع في خارج صلب اهتماماتها، فيما «بدنا نحاسب» واتجاهات يسارية وغير يسارية داخلَ الحركة تعتبره شعاراً مناسباً، ويمكن الوصول اليه بالتمرحُل. وهناك أسماء سياسية مرشَحة للانضمام لقيادة «طلعت ريحتكم» ترى أنّ الهدف الحالي المطلوب هو توسيع الشرعية الشعبية للحراك ليصبح هو مصدر السلطة.

السبت امتحانٌ للحراك فهل ينجح ويجتاز عواصفَ إشكالاته الداخلية من ناحية وخصوصيات البلد المعقَّدة من ناحية ثانية؟

  • شارك الخبر