أنجزت شركات مقدّمي الخدمات المتعاقدة مع مؤسسة كهرباء لبنان في شهر أيلول 2013 المشروعَ التجريبي للعدّادات الذَكية، بحيث جرى استبدالُ آلافِ العدّادات الكهربائية القديمة بعدّاداتٍ ذَكية في عدد من المناطق اللبنانية، بإشراف وزارة الطاقة.
كانت تلك، الخطوة الاولى على طريق استبدال جميع العدادات في مختلف المناطق من دون استثناء في مشروع طموح ورائد، لمواكبة التطوّرات التكنولوجية في العالم، إذ إنّ معظم الدول المتطوّرة (منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا) تقوم حالياً بتطوير مشاريع مماثلة تهدف الى استبدال العدادات الميكانيكية القديمة للكهرباء بعدادات ذكية.

وقد قامت كهرباء لبنان العام الماضي باختبارات مكثَّفة لهذا المشروع التجريبي بمواكبة خبراء أجانب في هذا المجال. وقد أصبح هذا المشروع جاهزاً للتنفيذ بانتظار أمر المباشَرة من مؤسسة كهرباء لبنان.

ويُعتبر تركيبُ العدادات الذكية مطلَباً أساسياً وخطوة أولى لتمكين شركة الكهرباء من الإستفادة من تطبيقات الشبكات الذكية وهي السمة المميَّزة لتطوّر صناعة الكهرباء.

كما أنّ ارتفاعَ معدّلات استهلاك الطاقة في لبنان، يولّد الحاجة الملِحَة لطرح استراتجية ناجحة للمساعدة في تقليص الهَدر الفنّي، وهذا يتطلّب شبكاتِ طاقة ذكيّة تقدّم حلولاً عصرية تُسهم في إرساء بنية تحتيّة عالية الكفاءة وتساعد في تحسين مستوى الخدمة المقدَّمة للمستهلك.

ما هو العدّاد الذكي وما هي فؤائد تعميمه بدلاً من العدّاد القديم؟

العداد الذكي هو عداد كهربائي إلكتروني (ديجيتال) يسجّل استهلاكَ الطاقة الكهربائية خلال فتراتٍ زمنيةٍ متتالية ويُرسل هذه المعلومة لأغراض المراقبة والفوترة الى مركز التحكّم في مؤسسة الكهرباء. كما يمكّن العداد الذكي الإتصالَ المتبادَل بين مركز التحكّم في المؤسسة والعداد.

وتتعدّى فوائد العدادات الذَكية عملية قراءة الاستهلاك عن بُعد، والتي تعني عدمَ الحاجة الى إرسال قارئ للعداد، إلى تحقيق ميزات عدّة للمستهلك ومقدِّم خدمة الكهرباء على حدٍّ سواء، بالقدرة على التأكّد من سلامة العداد آلياً وضمان ودقة الفواتير، وتوفير معلومات مفصَّلة للمستهلك عن استخدامه للكهرباء عبر الشاشة الإلكترونية التي تمكّنه من معرفة استهلاكه اليومي أو الشهري من دون أن يحتاج لمراجعة فاتورته الوَرَقية الشهرية.

وهذا ما يساعده على تعديل أسلوب الاستهلاك لخَفْض فاتورة استهلاكه. كما توفّر العدادات الذكية مرونة عالية لعملية فصل الخدمة الكهربائية وإعادتها عن بُعد.

الى ذلك، تساعد العدادات الذكية على تحسين أداء الشبكة الكهربائية عموماً عن طريق الحدِّ من فقدان الطاقة من الشبكة بما يسمى الهَدر الفنّي وهو مختلف عن الهَدر الناتج عن السرقة، إذ تقوم مؤسسة الكهرباء بتحليل المعلومات التي ترسلها العدادات الذكية يومياً ما يعطي دلائل هامة على حالة الشبكة ويمَكّن المؤسسة من تنظيم وتوزيع الحمولة على مختلف المخارج والمحوِّلات ومن وضع المشاريع الاستثمارية اللازمة لإعادة تأهيل وتحديث الشبكة المتهالكة.

ومن جهة ثانية فإنّ العداد الذكي يَحدّ جَذرياً من التعدّي على الشبكة الكهربائية، لأنّ نظام العدادات الذكية يحدِّد مناطقَ التعليق على الشبكة ما يساعد مؤسسة كهرباء لبنان على توجيه فِرق نزع التعدّي الى الاماكن المناسبة.

بالاضافة الى ذلك فإنه من المستحيل التلاعب بالعدادات الذكية كما كان يحصل في العدادات الميكانيكية التقليدية، لأنّ العداد الذكي يقوم بفصل التيار تلقائياً في حال محاولة التلاعب ولا يمكن إعادة التيار إلّا من قبل فنّيي شركة كهرباء لبنان.

كما يمكن قطع التيار الكهربائي مباشرة من خلال مركز التحكّم عن المشتركين في حال عدم سداد الفواتير الشهرية. وهنا أيضاً فإنّ وقفَ الهدر غير الفنّي (السرقة) الذي يشكل حوالى 30 في المئة من كمية الطاقة المنتِجة، سيوفّر للخزينة مئات ملايين الدولارات سنوياً.

وهكذا تؤمّن العداداتُ الذكية المصلحة العامة من خلال سدِّ مزاريب الهَدر في موازنة كهرباء لبنان، وتؤمّن مصلحة كلّ مشترك من خلال فَوترة سليمة لاستهلاكه، ولن يتحمّل المواطن أيّ تكاليف إضافية لأنّ العداد الذكي سيُرَكّب مجاناً.

هذا ومن المتوقع أن يشكّل مشروعُ العدادات الذكية ثورة في قطاع توزيع الكهرباء، فهو جوهرُ مشروع مقدِّمي الخدمات الذي انطلق في العام 2012. فالمشروع ليس مجرَّد أعمال روتينية في الجباية والصيانة، وإنما هو مشروعٌ رائد لتحديث شبكة الكهرباء بالكامل، وتأمين نقل الطاقة بكفاءة وأمان، فلا تضيع هنا وهناك.
ايفا ابي حيدر - الجمهورية