hit counter script

مقالات مختارة - شارل عربيد

لن يُطمر لبنان

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٥ - 08:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أكثر ما يشير إلى قلّة الانتاجية وانعدام الفاعلية والهروب من المسؤولية... وأكثر ما يدلّ إلى العقلية المتكلّسة، هما مصطلحا "النأي بالنفس" و"طمر الملفّات والمشاريع في أدراج النسيان والاهمال".
ومن كثرة ما تساهلت الحكومات المتعاقبة في ترجمتها لسياسة النأي بالنفس عن الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وخزّنت قراراتها، وطمرت مشاريعها في أدراجها، وصلنا إلى اليوم الذي غرق فيه اللبنانيون بظلام العجز وأطنان الوسخ...والقرف والغضب.
المشهد البشع في الشوارع طوال الأسبوعين الماضيين، والذي صوّرته المحطات، وبثّته الفضائيات، أقلّ ما يقال عنه إنه لا يعكس على الاطلاق حكاية شعب يحبّ الحياة، ولا يتماشى بتاتاً مع طريقة عيشه، ولا يليق به أبداً.
لطالما كان لبنان محط الأنظار. واشتهر بتصدير الذوق والفن والجمال والروّاد والمبدعين.
أما الآن، وبسحر ساحر، تشوّشت الصورة. ومن الآثار الجانبية للمآسي الآنية، أنها تجتذب إلى السطح بعض المسؤولين غير المسؤولين وغير المدركين لمصالح الناس، فيبرّرون فشلهم السابق والمستمّر، وكأننا بحاجة الى المزيد من أكوام التبريرات. ويذمّون طبقتهم السياسية وهم في قلبها لذرّ الرماد في العيون، والايحاء بأنهم طامحون للتغيير، لكن على أساس تقييم كل مناقصة على حدة، لناحية النفعية والربحية والاحتكارية.
فمن سمح لهؤلاء بأن يشوّهوا صورة لبنان؟ ومن أوكلهم هذه المهمّة؟
وهل وصل ازدراؤهم إلى حدّ النسيان أن لهذا البلد أصحاب حقيقيين؟
وهل تدرّجوا في تقاعسهم إلى حدّ التآمر على حملات تسويق لبنان في الخارج؟
وهل استسهلوا التخلي المجّاني عن الإرث السياسي والثقافي والحضاري الذي ورثوه عن جيل لم ينحدر يوما" إلى هذا المستوى من العجز وقلّة الانتاجية؟
فكيف الكلام عن سلامة الغذاء ومطابقة المواصفات فيما النفايات مكدّسة أمام المطاحن ومصانع الغذاء؟
وكيف نصدّر السلع والخدمات والامتيازات، بينما المجتمع المنتج مصدوم، محاصر، وممنوع عليه المبادرة؟
وكيف نسوّق لبنان السياحة والمهرجانات والمؤتمرات بينما أجواء المطاعم ومحيط الفنادق غير ملائمة وغير مشجّعة؟
اذا كان "نداء 25 حزيران"، الذي أطلقته الهيئات المهنية والعمالية والاقتصادية والأهلية، ضروريا" في حينه، ونابعا" من النظرة الموحّدة للمجتمع المنتج حول تراجع اداء طبقته الحاكمة، الممارسة دوما" لترف الرقص السياسي فوق البركان، فكيف لا يكون النداء أساسا" صالحا" لانتشالنا اليوم من حضيض تفوح منه روائح الخلطة العجيبة، وتتفشى فيه الأمراض.
هل نحن بحاجة الى "نداء" يومي لنفسّر ونؤكد ان السياسة لا تعني سوى خدمة المواطنين وصيانة مصالحهم الحياتية والصحّية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية... والتشدّد في تطبيق مواصفات عيشهم الكريم. وغير ذلك، تهبط السياسة نحو ادارة الأنقاض: انقاض الدولة والنظام والمؤسسات.
ألا يستأهل اللبنانيون أن يبقى مجلس الوزراء منعقداً ليل نهار حتى إيجاد مخرج لكارثة النفايات، والتخطيط لتفادي غيرها من الكوارث؟
ألا يستأهل المواطن اللبناني، صاحب الحقوق والواجبات...وامتياز المواطنة، أن ينكبّ المسؤولون على العمل لابتداع الحلول واقرار المشاريع الانمائية، أو التخفيف من وطأة التراجع الاقتصادي والضغط الحياتي؟
ألا يدرك هؤلاء أن ادارة شؤون الناس هي رؤية ووقاية ومسؤولية واداء، فأين هم من كلّ ذلك؟
لا نريد من أزمة النفايات أن تنقل الأمراض والأوبئة. ولكن عسى أن تتفشى من خلالها عدوى المساءلة والمحاسبة.
قد لا يفيد الغضب. لكن لفتني ما كتبه السفير توم فلتشر في رسالته الوداعية، اذ دعا اللبنانيين الى الانتقال من "استيراد المشاكل... نحو تصدير الحلول". إنها معادلة مثيرة للاهتمام رغم وجود لبنان في قلب المنطقة، مع حلوّها ومرّها.
إلا أن تصدير الأفكار والابداع والفنّ يبقى الهدف الأسمى، لأنه جوهر لبنان واللبنانيين... بينما العاجزون والنائون بأنفسهم عن مسؤولياتهم ماضون نحو القعر.
 

  • شارك الخبر