hit counter script
شريط الأحداث

حكاية ملياردير رفَعَ شعار: الزبائن والنفايات في مكان واحد

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٥ - 07:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعض القصص تبدو أكثر تعبيراً من كل التحاليل والمعلومات التي يقدمها أصحاب الاختصاص في لبنان، لإقناع من في يده القرار بأن اسلوب التعاطي مع النفايات صار مختلفاً عمّا كان عليه قبل عقود، وان البقايا التي تنتج عن الاستهلاك البشري باتت عنصراً أساسياً في الاقتصاديات الوطنية بسبب أهميتها كمواد أولية للانتاج.

أنطوني برات، رجل استرالي طموح، وصل الى الولايات المتحدة قبل حوالي العقدين، بحثاً عن فرص استثمارية مجدية. لاحظ برات بعد فترة قصيرة على وصوله ان التعاطي الصناعي مع اعادة التدوير في مجال الورق والكرتون ليست في احسن احوالها، وان امتداد الغابات بكثافة في هذه الارض يشجع الصناعيين على الاعتماد على الشجر في التصنيع.

كان برات يمتلك دراية في اعادة التدوير في بلاده، وقرر ان الفرصة سانحة في الولايات المتحدة لتحقيق ثروة بسبب الثغرة القائمة في عدم الاستفادة القصوى من النفايات الورقية والكرتونية في اعادة التدوير.

انشأ برات مصنعه الخاص لاعادة التدوير، وعلى عكس غالبية الصناعات الاميركية، حصر برات عمله في الاعتماد على النفايات الورقية كمادة اولية. وهو بذلك كان يعرف انه قادر على تجاوز منافسيه لاسباب عدة منها، ان كلفة المواد الاولية التي يستند اليها أقل بكثير من كلفة التصنيع من الاشجار. كما انه كان قادرا على انشاء مصنعه في قلب المدينة، لأن المواد الاولية التي يحتاجها موجودة على مقربة منه، على عكس منافسيه الذين اضطروا الى اقامة مصانع قريبة من الغابات، وتكبدوا كلفة نقل المنتجات الى المدن، او انهم اقاموا مصانع في المدن، وتكبدوا كلفة نقل المواد الاولية اليها من الغابات، في حين ان نظرية برات كانت ان الزبائن والمواد الاولية (النفايات الورقية) في مكان واحد.

لم ينتظر برات طويلا كي يحقق نجاحات مذهلة استنادا الى فكرة الاعتماد على البقايا الورقية كمواد اولية. وهو اليوم اصبح يمتلك حوالي 5 في المئة من مجموع السوق الأميركية في الكرتون والورق.

وتستهلك مصانعه لاعادة التدوير وصناعة العلب حوالي 3الاف طن يوميا من البقايا الكرتونية التي تنتجها المصانع الاخرى، او حتى البقايا الكرتونية التي سبق ان انتجتها مصانعه من اعادة التدوير. اذ ان اعادة تصنيع الورق ممكنة لمرات عديدة. وينتج برات حوالي 12 مليون علبة كرتون من دون ان يضطر الى قطع شجرة واحدة.

وهو بذلك حقق ثروة شخصية هائلة قدّرتها مجلة «فوربس» بحوالي 3.4 مليار دولار. وبات يمتلك صناعة تنمو بسرعة اكبر بكثير من الصناعات المنافسة التي لا تزال تعتمد على الاشجار كمواد اولية. ومن المقدّر ان يسيطر برات على نسبة اكبر من سوق الورق والكرتون الاميركي في السنوات السبع المقبلة حيث سيصل حجم مبيعاته الى حوالي 10 مليار دولار سنويا.

في لبنان، لا يزال التعاطي مع النفايات كمواد اولية موضع شكوك، مع ان بعض اصحاب الاختصاص قدموا شروحات وافية عن هذا الموضوع. في كل الاحوال، ما هو ثابت حتى الان ان الوصول الى مرحلة الافادة من النفايات، وتقليص حجم الطمر الى نسب متدنية لا يزال بعيدا. ويبدو ان الخطة التي وضعها وزير البيئة تحتاج الى اكثر من 6 اشهر بعد فض العروض والتلزيم.

وبناء على تقديرات العاملين في هذا المجال، تحتاج الخطة، بعد تصحيح الثغرات في دفتر الشروط، الى حوالي العامين. ووفق الحسابات على الطريقة اللبنانية، واذا أخذنا في الحسبان ان المشروع الذي يحتاج الى سنة قد يستغرق عشر سنوات لكي يُنفذ في البلد (مشروع تأهيل الكهرباء احد النماذج)، قد نستنتج من دون مبالغة ان خطة الوصول الى نهاية سعيدة في ملف النفايات قد يستغرق سنوات طويلة.

بالانتظار، من المرجّح ان المعالجة ستتم على الطريقة اللبنانية ايضا، وسوف يتوصل زعماء الطوائف الى مطمر أو مطامر مؤقتة، سيُقال في البداية انها ستعيش من 6 الى 7 أشهر. لكنها ستصمد اكثر من ذلك بكثير. وستبقى النفايات، وهي مواد اولية مهمة وسهلة، للتصنيع وللبيئة، مجرد نفايات مطمورة تحت الارض، مثلها مثل الغاز والنفط المطمورين تحت البحر الى أجل غير مُسمّى.

أنطوان فرح- الجمهورية
 

  • شارك الخبر