hit counter script

مقالات مختارة - محمد وهبة

بلدية بيروت تسيّل عقارات الحريري

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٥ - 07:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

في 5 أيار وافق مجلس بلدية بيروت على شراء 6 عقارات بطريقة الاتفاق بالتراضي بكلفة إجمالية تبلغ 214.1 مليون دولار. عضو المجلس إيلي حاصباني اعترض على الصفقات الست، بعدما تنامت إليه معطيات من مكتب تخمين عقارات يملكه جبران فؤاد عجرم، بأن رئيس البلدية بلال حمد رفض استعمال التقارير الصادرة عن مكتب عجرم بسبب انخفاض قيمة التخمين ولم يوافق إلا على تقارير التخمينات ذات الأسعار المضاعفة التي قدّمتها مكاتب أخرى


عندما أقرّ مجلس بلدية بيروت، في جلسة 5 أيار، شراء 6 عقارات بطريقة الاتفاق بالتراضي، اتُّخذ القرار تحت إشراف وزير الداخلية نهاد المشنوق وبحضوره إلى جانب محافظ بيروت زياد شبيب ورئيس البلدية بلال حمد. قرارات تلك الجلسة تصنّف في خانة المحاصصات السياسية وتبذير أموال البلدية. وتُظهر الوقائع أن المستفيد الأكبر هو ورثة رفيق الحريري، إضافة الى جوائز الترضية للجهات المشاركة في بلدية بيروت أو تلك التي لديها اعتراضات على مشاريع البلدية بالنسبة للمسلخ وسوق الخضر وغيرها...

وقد بدا هذا الأمر واضحاً من خلال ملكيات الأراضي الست ومن القرارات التالية التي اتخذت في الجلسة المذكورة وبعدها، إذ جرى تخصيص العقار 5591 -المزرعة لمصلحة طائفة الموحدين الدروز من أجل إرضاء النائب وليد جنبلاط مقابل موافقته على شراء قطعة أرض في منطقة الشويفات وتحويلها إلى مسلخ بيروت. وقرار نقل المسلح إلى الشويفات هو بحدّ ذاته إرضاء للأطراف المسيحية التي تعترض على وجود المسلخ في منطقة مرفأ بيروت. أما إنشاء سوق الخضر بالمفرّق في منطقة أرض جلول، وسوق الخضر بالجملة في منطقة السفارة الكويتية، فهو يرضي حزب الله وحركة أمل اللذين اعترضا على إنشاء سوق الخضر بالقرب من روضة الشهيدين.

المستفيد الأكبر

لكن السؤال الأهم يبقى من هو المستفيد الأكبر من هذه القرارات؟ وهل أقرّت في إطار صفقات مالية مشتبه بها؟
ما ظهر في جلسة مجلس البلدية في 5 أيار الماضي يفسّر الأمر جزئياً. ففي هذه الجلسة عُرضت لائحة مشروع شراء العقارات الستة (كل عقار قد يتألف من مجموعة عقارات متلاصقة كما هو مسجّل في الدوائر العقارية) وفق جدول يظهر أسعار التخمين والهدف من استعمال المشروع والملكيات على النحو الآتي:
ــ 6 عقارات في منطقة المزرعة العقارية (أرض جلول) هي: 2632، 4387، قسم من العقار 5562، 5839، 5841، 5842. المساحة الإجمالية لهذه العقارات هي 8320 متراً مربعاً، وجرى تخمين سعر المتر الواحد بقيمة 4300 دولار، أي أن المبلغ الإجمالي هو 35.776 مليون دولار. مالكة الأرض هي شركة «نادكو»، والهدف من المشروع إنشاء مبنى سوق خضر بالمفرّق.
ــ العقار رقم 4571 في منطقة الشياح العقارية (السفارة الكويتية) بمساحة 13300 متر. ويبلغ سعر المتر الواحد 3000 دولار، أي أن قيمته الإجمالية تبلغ 39.9 مليون دولار. الهدف من الشراء هو إنشاء سوق خضر بالجملة. مالك هذه الأرض على الصحيفة العقارية هو نجيب حبيب لطيف، إلا أنه يتردّد أن الأرض مبيعة لموسى شرف بموجب وكالات وأن المالك الفعلي هو ورثة رفيق الحريري.
ــ 5 عقارات في منطقة الشويفات أرقامها: 1113، 1115، 1116، 1117، 1118 إضافة الى مبنى مستودع قائم. المساحة الإجمالية لهذه الأراضي والأملاك المبنية، وفق التخمينات التي عرضت على المجلس تبلغ 63 ألف متر مربع. جرى تخمين قيمة الأرض بسعر 800 دولار للمتر الواحد، فيما جرى تخمين مبنى المستودع بقيمة 550 دولاراً، أي أن كلفة الأراضي تبلغ 40 مليون دولار، فيما كلفة المستودع تبلغ 7.15 مليون دولار، أي أن القيمة الإجمالية تبلغ 47.1 مليون دولار. مالكة هذه العقارات هي شركة «لايت ميتال» المملوكة بدورها من بنك البحر المتوسط بشراكة مع شركة فرنسية.
ــ العقار رقم 495 في منطقة رأس بيروت ومساحته الإجمالية 1867 متراً مربعاً. جرى تخمينه بقيمة 22 ألف دولار للمتر الواحد وبقيمة إجمالية تبلغ 41.07 مليون دولار. مالك العقار هو من آل بوبس، أما الهدف من شرائه فهو إنشاء مبنى مواقف سيارات.
ــ العقار رقم 1502 في منطقة الاشرفية ومساحته 1562 متراً مربعاً. جرى تخمين المتر المربع الواحد بقيمة 15500 دولار، أي أن قيمته الإجمالية تبلغ 24.2 مليون دولار. مالك العقار هو ألكسي الجبيلي والهدف من شراء العقار هو إنشاء مبنى مواقف سيارات.

تُظهر الوقائع أن المستفيد الأكبر هو ورثة رفيق الحريري مع جوائز ترضية للآخرين

ــ العقاران رقم 535 و605 في منطقة المزرعة العقارية. مساحة الأول 1479 متراً مربعاً، والثاني 626 متراً مربعاً. جرى تخمين المتر المربع الواحد 11500 دولار، أي أن قيمتهما الإجمالية تبلغ 24.2 مليون دولار. مالكة العقار هي مؤسسة السيد محمد حسين فضل الله، والهدف من شراء العقار هو إنشاء مبنى مواقف سيارات. مجمل مساحة العقارات المنوي شراؤها هو 88182 متراً مربعاً وقيمتها الإجمالية 214.16 مليون دولار.
ملكيات وراء ملكيات

هذه اللائحة من المشاريع استدعت اعتراض حاصباني، ولا سيما أنه تلقى معلومات من مكتب تخمين عقاري يملكه جبران عجرم، تفيد بأن خليل برمانا، وهو عضو اللجنة المكلّفة من البلدية باستقدام تقارير تخمين عقارية، طلب منه تخميناً عقارياً للعقار 1502 في الأشرفية، غير أنه رفض تسلم تقرير التخمين، عندما علم أنه خمّن السعر بـ 9500 دولار، وأن قطعة الأرض التي تقع إلى جانبه يخمّن فيها سعر المتر الواحد بقيمة 6000 دولار، في حين ان السعر الذي قررته البلدية (لاحقاً) يبلغ 15500 دولار. وتبيّن لحاصباني أن هناك ثلاثة تقارير من هذا النوع أهملت كلّها ولم ترسل في الملف الذي عرض على مجلس بلدية بيروت والذي أحيل على ديوان المحاسبة لاستصدار الموافقة المسبقة عليه.
أعضاء البلدية المحسوبة على تيار المستقبل ينفون هذه الواقعة، ويؤكدون أن معارضة حاصباني لهذا المشروع سببها أنه يحاول الضغط من أجل لعب دور الوسيط في عملية شراء الأرض.
غير أنه بعيداً من المزاعم والمزاعم المضادة، تكشف خريطة ملكية العقارات الستة المنوي شراؤها عن هوية المستفيد الأكبر من صفقة الشراء الممولة من المال العام. فقد تبيّن أن شركة «نادكو» التي تملك عقارات أرض جلول مملوكة من «ميلانيوم ريل استيت هولدنغ» وهذه بدورها مملوكة من «ميلانيوم دفلوبمنت هولدينغ» وهي ايضاً مملوكة من شركة «إنماء هولدينغ» التي يملك 99.5% من أسهمها نادر مصطفى الحريري، أما باقي الأسماء في الشركات الأربع مثل وليد سبع أعين وطارق نحاس ومحيي الدين دندن وسواهم، هم لزوم تركيبة هيكلية الشركات فقط. أما قصّة عقارات الشويفات فهي مختلفة قليلاً. صحيح أن بنك البحر المتوسط يملك 60% من أسهم شركة «لايت ميتال»، إلا أن المعطيات المتداولة بين أصحاب المصانع المحيطة بهذه العقارات، تشير إلى أن بنك البحر المتوسط اشترى الشركة بكامل موجوداتها من الشركة الفرنسية مقابل ديون مترتبة على الشركة بقيمة 16 مليون دولار، ثم باع هذه العقارات لأحد الأشخاص المقرّبين من ورثة رفيق الحريري والذي باعها بدوره إلى بلدية بيروت بقيمة 47.1 مليون دولار. وبحسب المتابعين في بلدية بيروت، فإن الاعتراض الذي سجّله النائب أكرم شهيب على تحويل هذه الأرض إلى مسلخ ليس مفهوماً، إذ أن المشنوق «نسّق» الأمر مع النائب وليد جنبلاط، وبالتالي لم يكن غريباً أن يلغي وزير الصحة وائل أبو فاعور والنائب شهيب المؤتمر الصحافي الذي كان مخصصاً قبل ثلاثة أيام للحديث عن الضرر اللاحق بالمصانع المحيطة بهذه الأرض في حال تحويلها إلى مسلخ. أبو فاعور وشهيب اكتفياً بزيارة بلا إعلام إلى المصانع المحيطة بعيداً عن أي ضجّة.
ويبدو لافتاً أيضاً، أن تكون قطعة الأرض في السفارة الكويتية مملوكة من نجيب لطيف، فيما الذي يقوم بمراجعة الصفقة في ديوان المحاسبة هو موسى شرف. المتابعون يقولون إن ملكية شرف تخفي وراءها ملكية ورثة رفيق الحريري لهذه الأرض. هكذا تبدو حصّة آل الحريري ثلاث قطع أرض مخمّنة بمبلغ 123.5 مليون دولار. ويضاف إلى ذلك، أن قطعة الأرض في منطقة المزرعة والمملوكة من مؤسسة السيد فضل الله، هي واحدة من العقارات التي كانت بلدية بيروت وضعت عليها إشارات استملاك بعد أحداث 7 أيار خوفاً من «التمدّد الشيعي في مناطق وأحياء معيّنة في بيروت» وفق مصدر مطلع. وبالتالي، لم تتمكن المؤسسة طيلة السنوات الماضية من تحريك الأرض ولا من إجبار البلدية على استملاكها إلى أن جاءت هذه الصفقة التي «حرّرتها» مقابل إرضاء الطرف الشيعي في البلدية.
ديوان المحاسبة والسمسرات

صفقة شراء العقارات الستة شارفت على نهايتها بعدما أنهى ديوان المحاسبة دراستها. الديوان، بحسب مصادر مطلعة، كلّف مجموعة من الخبراء العقاريين، بإعادة تخمين العقارات واستقبل كل المراجعات بشأن العقارات، لكنه لم يتلقَّ أي تقارير تخمين أقل من تلك التي عُرضت في الملف المرسل من بلدية بيروت والتي يتوجب على حاصباني تقديمها إلى النيابة العامة المالية في الديوان كإخبار لمنع هدر المال العام. كذلك، تقول المصادر إن الديوان لا يرى مانعاً من أن يكون هناك بعض السمسرات في هذا الملف نظراً إلى قانونية السمسرة (!) فمن هي الجهة التي ستحدّد السمسرة القانونية من السمسرات غير القانونية؟ خصوصاً أن خبراء مستقلين أبلغوا «الأخبار» أن الأسعار المذكورة هي أعلى، بالحدّ الأدنى، بنسبة 10% من الاسعار الرائجة في المناطق، وأن بعض خبراء التخمين قيّموا سعر الأرض من خلال اتصالات هاتفية ببعض الخبراء الزملاء. هل تنبّه الديوان وقضاته إلى قصّة هذه العقارات والمستفيدين منها، والجدوى من المشاريع المذكورة؟ فمن الواضح أن البلدية ستشتري ثلاث أراض لتحويلها إلى مواقف للسيارات بقيمة تصل إلى 90 مليون دولار، فيما هي المعنية بمراقبة الإنشاءات التي تقام في العاصمة وتخالف شروط البناء لجهة المواقف وغيرها. كذلك ستدفع 75 مليون دولار لإنشاء سوقي خضر بالجملة والمفرق. هل سيكون هناك مردود اجتماعي واقتصادي لشراء هذه العقارات بهذه الأسعار؟ ألم يناقش المجلس البلدي هذه الصفقة انطلاقاً من هذه الزاوية؟ هل بنى المعترضون رأيهم على هذا الأساس أم أن لديهم مآرب أخرى؟
 

  • شارك الخبر