خرج وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس من جلسة مجلس الوزراء الاخيرة متمتما عبارة وحيدة: لم أفهم شيئا. وأخيرا... جاء من يقول الحقيقة "زيّ ما هيي". من يفهم أصلا شيئا؟
من يفهم لماذا وصلنا الى الاحتفاء بدولة "الزبالة"؟ لماذا الان بالذات؟ من المسؤول؟ من المرتكب ومن الضحية؟ من يفهم لماذا كنا بتعيينات عسكرية فصرنا بحقوق مسيحية لنتصبّح بعدها بأكوام النفايات ترتفع خارج أبواب المنازل؟ من يفهم لماذا تمنع "الشركات النظيفة"، بعقودها وأسعارها، من لمّ زبالة الحكومات السابقة؟ من يفهم لماذا وصلنا الى قمة القمامة والكل يعرف اننا نسير برجلينا الى الكارثة؟ من يفهم لماذا لم تتّخذ التدابير الاستباقية لغرق بيروت والمناطق في النفايات؟ من يفهم لماذا هذا التطييف المقيت لزبالة العيش المشترك؟ من يفهم لماذا هذا الاصرار الاستفزازي على حماية سارقي المال العام وقاتلي المدنيين والضباط والعسكر؟ من يفهم لماذا لا نتنعّم برئيس للجمهورية ولو "للمنظر"؟ لماذا حظي نواب الامة بـ "ولاية" free الى جانب الولاية الاصلية؟ ولماذا "شلّش" ضباط في مواقعهم فيما الاخرون احيلوا الى التقاعد او سيتقاعدون او رفعت المتاريس بوجّه تقدّمهم في المؤسسة العسكرية فقط لان الحسابات السياسية "أولى بالمعروف"؟... من يفهم من اين لهذا الرأي العام "البغل" (من أقوال الاديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين) هذه القدرة الفائقة على النوم هانئا فوق أكوام من الجثث السياسية التي تتحكّم بمصيره وكأن ذبابة الـ "تسي تسي" نخرت عروقه وخدّرته حتى يوم الدين؟ من يفهم كيف تتحرّك "شوارع" من أجل أي شئ إلا لإسقاط حكومة عاجزة فاشلة قاصرة حتى عن لملمة وسخ خلافاتها؟ من يفهم لماذا هناك مليون و500 الف نازح سوري على الاراضي اللبنانية؟...
ما علينا... نحن أيضا لا نفهم شيئا مثل درباس. طالما الحقيقة وجهة نظر سيستحيل ان يقرأ اللبنانيون في كتاب واحد. حتّى حين تقع الجريمة تجد عن وعي طائفي او مذهبي او عنصري من يدافع عن القاتل...
ومن لا يفهم لا يسعه سوى انتظار من يُفهِمه بالقوة او "بالملعقة". القوة لا تعني سوى الفوضى التامة التي فوق ركامها يفترض ان نشهد طيّ صفحة النظام المنتهي الصلاحية لولوج نظام ينتشل الجميع من مستوعبات النفايات بكل اشكالها وأنواعها وروائحها. وبالملعقة لن يعني ذلك سوى استمرار الازمة على قاعدة التآلف مع الموجود... الى هنا يفترض ان هناك من "يشرّبنا" إياها بالملعقة: انتم شعب تستحقون الحياة في "الزبالة"... وليس بالصدفة غمرتكم النفايات.