hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - حبيب معلوف

كارثة النفايات: نحو «الهجرة» إلى الخارج؟

السبت ١٥ آب ٢٠١٥ - 07:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

طغت على أجواء المباحثات يوم أمس بين الأفرقاء المعنيين بأزمة النفايات في لبنان فكرة شحن النفايات الى الخارج كمخرج مؤقت للأزمة. صحيح أن هذه الفكرة كان قد كشف عنها وزير البيئة لأول مرة في «السفير» في 28/4/2015، إلا انه عاد وتراجع عن الحماسة في طرحها بعدما تلقى الكثير من ردود الفعل العلمية حول صعوبة تطبيقها.
ويبدو ان إعادة طرحها على نطاق واسع، ناجم إما عن اليأس، وإما لملء الوقت الضائع كطريقة لإيهام الرأي العام بأن المباحثات لم تتوقف وان الخيارات لم تنضب وان هناك من يفكر في إيجاد الحلول، وأن الموضوع غير متروك للزمن.
إلا أن العارفين بمدى واقعية هذه الأفكار، يؤكدون انها أفكار تعبر عن اليأس، كالتفكير بالهجرة تماما، لا سيما أيام الحروب والنزاعات أو بعد حصول كوارث ما، أو بعد ضيق الأفق وعدم توفر فرص عمل وعدم الشعور بالأمان وغيرها.
ويبدو ان من يطرح هذا الخيار لم يراجع اتفاقية «بازل» العالمية التي تُعنى بضبط نقل النفايات العابرة للحدود، والشروط التي تفرضها. كما لا يعرف أن هناك عمليات فرز من الضروري ان تحصل قبل عمليات الكبس والتوضيب والترحيل والشحن. فكيف ستحل هذه العملية وأين؟ وما الذي سيتم ترحيله والى أين وبأي هدف؟ وماذا سنفعل بالمواد الباقية؟ وماذا نفعل بالعصارة الناجمة عن عمليات الكبس والضغط السامة جدا؟ وما هي كلفة معالجتها؟ وما هي الكميات المطلوب شحنها وغيرها من المقومات؟ والى أين ولماذا؟
اذا كانت وجهتها أوروبا، فللاتحاد الاوروبي شروطه، ونفاياتنا تختلف كليا عن النفايات الغربية التي تذهب عادة الى محارق. فمعدلات الرطوبة في نفاياتنا أعلى بكثير، ما يصعّب عمليات استخدامها في الحرق. كما ان المحارق الاوروبية تشترط فرز النفايات قبل إرسالها الى المحارق، فإذا تم كبس النفايات في لبنان وإرسالها من دون فرز، فإنه سيصعب إعادة فرزها بعد ان تصل الى المحارق الخارجية.
وثمة انواع عدة من المحارق وكل نوع يتعامل بطريقة مختلفة مع النفايات وأنواعها وغيرها من التفاصيل التقنية، التي لن نتناولها في هذه العجالة، والتي تؤكد مدى خيالية هذا الخيار، بالإضافة الى كلفته العالية جدا والتي تتجاوز الـ200 دولار اميركي للطن الواحد.
وكان المشنوق قد تحدث في هذا المجال عن الكثير من العروضات، التي تم تقديمها الى وزارة البيئة في الفترة الأخيرة من شركات متعددة لنقل النفايات المنزلية الى المغرب واليونان وفرنسا وهولندا واسبانيا وتركيا وألبانيا.
وجاء العرض من اسبانيا لمعالجة النفايات بـ65 يورو للطن، الى المغرب 70 يورو مع الشحن، الى اليونان 100 يورو للطن مع الكبس والعصر واللفلفة والتوضيب والشحن، يضاف الى ذلك كلفة الكنس والجمع من مختلف المناطق والمقدرة بما بين 40 و45 $ للطن.
أما مدة العقود المقترحة فهي لأربع وخمس سنوات. ويمكن ان تكون أكثر. كما جاء عرض من تركيا من شركة في منطقة انطاليا لنقل النفايات بكلفة تنافسية. بالإضافة الى عرض طريف من البانيا، بنقل النفايات للمعالجة في معاملهم وبدل ان تعود البواخر فارغة يمكن ان تعود محملة بحجارة البازلت!
ولكن لم يتم درس أين سيتم جمع النفايات، هل في أماكن يفترض ان تكون قريبة من الشاطئ؟ ومن سيؤمن المساحات الكافية؟ وماذا سيفعل المصدّر بعصارة النفايات الملوثة والتي لن تكون قليلة نظرا لكثرة النفايات العضوية والرطبة في لبنان؟ وما هي طرق معالجتها وكلفتها؟ وهل ستحصل عملية فرز بالإضافة إلى الجمع والكنس، مع العلم ان الاتصالات مع بعض الشركات بينت انه من الصعب كبس جميع أنواع النفايات من دون فرزها أولا، وان الكثير من معامل العالم لا تحرق النفايات من دون فرزها، بالإضافة الى عصرها أو قبل عصرها؟
كل ذلك، دلّ مرة جديدة على حالة الإفلاس التي وصلت اليها الطبقة السياسية التي ضاعت بين البحث عمّا يرضي شعبيتها وما يضمن مصالحها المادية، وما يقوله خبراء الشركات أو سماسرتها. وقد وجد البعض نفسه جاهلا في مقاربة هذه الملفات ومستسلما لأي طرح، بعدما كان هذا البعض يشعر بالخجل عند التحدث عن قضايا تتعلق بالنفايات أو بالمياه المبتذلة، ما ترك الامور تتفاقم الى حدود الازمة ثم الكارثة.
وسط ذلك، استمرت عمليات الجمع في بيروت والضاحية بالإضافة الى مدينة جونيه التي استعانت بشركة «سوكلين» بعدما وجدت موقعا لجمع النفايات، فيما رفعت «سوكلين» ليلا الحاويات المحترقة واستبدلتها بأخرى جديدة.
أما بالنسبة الى موقع الكرنتينا، فقد نقلت مصادر معنية أن هناك إمكانية لتكديس طابق ثان من «بالات» النفايات في قطعة الأرض قرب المطاحن، بعد لفها وتوضيبها بالنايلون لمحاولة عزل الحرارة وعدم تسرب العصارة وحماية المحيط، لحين إيجاد مطمر بديل.
وقالت المصادر ان نسبة إنتاج النفايات تنخفض في أيام العطل ونهاية الأسبوع في بيروت، بسبب ترك السكان مدينتهم والتوجه الى الجبال والقرى، وهو إجراء طبيعي يحصل في كل سنة في مثل هذه الايام، مع الأمل أن لا تؤسس هذه الأزمة لنوع جديد من الهجرة، قد يطلق عليها لاحقا تعبير «هجرة النفايات»، أي عندما دفعت الأزمة البعض للتفكير جديا بالهجرة من لبنان بعدما تحوّلت البلاد الى مزبلة كبيرة!

  • شارك الخبر