hit counter script
شريط الأحداث

أخبار محليّة

فليتشر: "سايكس بيكو" الجديدة ترسمها شعوب المنطقة

السبت ١٥ آب ٢٠١٥ - 06:04

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يحزم السفير البريطاني طوم فليتشر حقائبه ليغادر لبنان، تاركاً وراءه بصمتَه الخاصة التي جعلته حديثَ غالبية اللبنانيّين. فالديبلوماسي البريطاني الشاب كسَر من خلال عمله التقاليد المتعارَف عليها بين زملائه، فكانت خطواته مبتكرة، سواء لجهة دفاعه عن قضية العمّال الأجانب وتبادله الأدوار مع عاملة أجنبية، إذ رافقَته في إحدى زياراته إلى وزارة الداخلية وفي عمله في السفارة، ليعود بدوره ويساعدها على القيام بالأعمال المنزلية، أو لجهة تغريداته على «توتير» لتعزيز تواصُلِه مع الناس وتشجيع السياسيين والديبلوماسيين على ذلك. وحتى في وداعه البلد الذي لامسَ قلبَه وأثّر فيه كثيراً، حرصَ على اختيار زيارة بعض المعالم والأماكن السياحية، لأنّه سيَشتاق إليها حتماً.
يُغادر فليتشر ويطَمئن إلى أنّ المظلة الدولية لحماية لبنان لا تزال موجودة، ولكن على اللبنانيين أنفسهم انتخاب رئيس للجمهورية وعدم انتظار الاستحقاقات الإقليمية الواحد تلوَ الآخر، والمقلِق أنّ دوَل المنطقة كلّها تمرّ بمرحلة انتقالية، وإذا حصلت تغييرات، وحدها ريشة شعوبها قادرة على رسم «سايكس- بيكو» جديد.

الديبلوماسي البريطاني الذي يتميّز بحيويته وابتسامته الدائمة، يسارع إلى دعوتنا لمشاركته شرب الشاي، مشروب بلاده الأوّل، ليعود ويستفيض في الحديث عن لبنان الذي سيفتقده، «البلد المُذهِل بتنَوّعه وقدرته على مواجهة التحديات»، ويَعتبر نفسَه «محظوظاً» لأنّه عملَ فيه سفيراً على مدار 4 سنوات، وأكثر ما يحبّه فيه، هو «الناس والتبّولة والعرق»، من دون أن يُنكِر أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أثّرَت إيجاباً على قيامه بعمله بطريقة مختلفة.

لكنّه قبَيل مغادرته، يحاول طمأنةَ اللبنانيين إلى أنّ الدعم لبلدهم مستمر. ويقول فليتشر في مقابلة مع جريدة الجمهورية» في مقرّ السفارة البريطانية في بيروت: «لطالما قيل إنّ هناك مؤامرة دولية ضدّ لبنان، حيث يقوم جميع الأطراف بمعاركهم على أرضه، أنا أقول لكم هناك مؤامرة من أجل مصلحة لبنان»، مذكّراً باجتماع سفراء الدوَل الخمس الكبرى في مجلس الأمن مع الرئيس السابق ميشال سليمان عقبَ اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن عام 2012.

ويتابع: «نحن نقف إلى جانب لبنان، الأسرة الدولية لن تتخلّى عنه ولن تديرَ ظهرها له، خصوصاً في ظلّ الأوقات الصعبة التي يمرّ بها. وبريطانيا على وجه التحديد ضاعفَت حجم دعمها للبنان، وخصوصاً للجيش، فضلاً عن تقديمها مساعدات ضخمة إلى اللاجئين السوريين».

أمّا نصيحة فليتشر إلى اللبنانيين «كفّوا عن الإصغاء إلى الخارج». ويقول: «القادة اللبنانيون دائماً يطلبون رأيَنا، وقد انجَرَّينا إلى هذه الدائرة، بحيث بتنا مدمِنين على تقديم آرائنا.

أيّها اللبنانيون جِدوا طريقكم ونحن سنَدعمكم، والحلّ يجب ان يكون منكم، وعلى الناس أن يدركوا أنّ الإستقرار في لبنان لا يمكن اعتباره من المسَلّمات، الأوضاع هشّة جدّاً. هناك جماعات تريد تقسيمَ البلد لمصالحها الخاصة، مقابل فئة من الناس يتمسّكون بالتعايش ويحاولون إسكاتَ هذه المحاولات بمتابعة أعمالهم وتعليم أطفالهم».

ولا ينكِر فليتشر أنّ «اللبنانيين محبَطون من النظام السياسي، فهم يَشعرون بأن لا صوت لهم، لكن إذا عدنا عشر سنوات إلى الوراء عندما خرَجوا لإخراج الجيش السوري، نرى الفارقَ من قوّة وطاقة تلك التحرّكات. اليوم هم عاجزون عن تحديد من هو العدوّ أو على من يقع الّلوم.

عندما تكون هناك تظاهرات، نِصفي الأوّل يعتقد أنّها تضرّ بالاستقرار ونِصفي الآخر يقول إنّ التحرّكات الشعبية إيجابية، حرّية التعبير عن آرائكم أمرٌ إيجابي. لا شكّ في أنّ هناك معضلة التوفيق بين الإصلاح والإستقرار».

ولكن على رغم كلّ الإحباط السائد، هناك لبنانيون لديهم أفكار خلّاقة وجديدة، الشعب اللبناني يمكنه الانخراط بشكل أفعل لحلّ مشاكله السياسية والإقتصادية.

تشجيع فليتشر اللبنانيين للتحرّك لا يقابله حضُّهم على تعديل النظام اللبناني لفشَل الطبقة السياسية في حلّ خلافاتها. ويقول: «تعديل النظام الدستوري هو سؤال برسم اللبنانيين، وليس على أيّ سفير تقديم رأيه في هذا الخصوص، فلو أراد اللبنانيون ذلك، لمواجهة التحديات، فليكن وفق رؤيتهم الخاصة للنظام ومناقشة طريقةٍ لعمل المؤسسات الدستورية بشكل فاعل».

ويقول: «تعلّمت في مهنتي ومن خلال ديبلوماسيّ مخضرَم أنّه يجب أن أحافظ على الحيادية، وأن لا أنجرّ إلى الانقسامات السياسية في لبنان، فبعض زملائي غرقَ وبات يصنّف في خانة «8 و14 آذار»، أردت أن أكونَ على مسافة واحدة من الجميع».

ويُسجّل فليتشر أنّه منذ البداية كان من مناصري دعم الجيش اللبناني. فهو رفعَ توصية إلى حكومة بلاده، إذا أردتم دعمَ أيّ طرَف في هذه المنطقة الملتهبة، فالأولوية للجيش اللبناني.

غير أنّ اندفاع فليتشر لدعم الجيش اللبناني يقابله رفضٌ قاطع للتعاون مع سوريا في قضية أبراج المراقبة البريطانية للحدود مع سوريا. ويقول: «لن يكون هناك أيّ تعاون وتنسيق مع رجل البراميل المتفجّرة الذي يقتل شعبَه منذ أربع سنوات، حتى في خطابه الأخير لا نيّةَ له بالتغيّر، نحن لا نغيّر تحالفاتنا في المنطقة... أعداؤنا هم أعداؤنا».

ويرفض الديبلوماسي البريطاني اتّهامَ بلاده والمجتمع الدولي بتحويل سوريا إلى ساحة للجهاديين. ويقول: «لم نترك سوريا، الاستجابة الإنسانية كانت الأعلى، وقدَّمنا مساعدات ضخمة إلى اللاجئين، كنّا نساعد الضحايا، لكن علينا التواصل مع زملائنا في مجلس الأمن لإيجاد دينامية لإنهاء هذه الأزمة». ويذكّر بجهود سَلفِه السفيرة فرانسيس غاي التي كانت المبعوث الخاص للتشاور مع المعارضة السورية المعتدلة ودعمها، وجون ويلكس من بعدها، لدعم حلٍّ سياسي ورفضِ نظام البراميل ووحشية «داعش».

ويتابع: «حاولنا مساعدةَ المعارضة في «جنيف 1» و«جنيف 2»، لكن لا نية جدّية لدى الأسد للتفاوض... نحن ندعم جهود المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا، وعلينا مواصلة التكلم مع زملائنا في مجلس الأمن».

منذ فترة قصيرة، وضَع رئيس الوزرء ديفيد كاميرون استراتيجية جديدة لمواجهة «التطرّف» واقترحَ «توسيع عمليتنا ضد داعش»، لكنّ أحدَ الدروس التي تعلّمناها من العراق أنّه علينا التخطيط بعناية، ومعرفة نتائج وتبعات هذا التدخّل مسبقاً، وأي تدخّل عسكري بطبيعة الحال يجب أن يَحظى بموافقة البرلمان.

وينفي فليتشر ما يقال عن عدم اكتراث الحكومة البريطانية بالمهاجرين المسلِمين وعدم إيلائهم الاهتمامَ الكافي. ويقول:» أنا لا اوفق على ذلك، المسلمون هم جزء من مكوّنات المجتمع البريطاني، وبالتالي لا يمكن حلّ الأزمة من دون مشاورات معهم. لا يمكن مواجهة الإرهاب من دون الشراكة مع الإسلام المعتدل».

في موازة ذلك، يفضّل الديبلوماسي الذي ساهمت بلاده بعد الحرب العالمية الأولى بالتعاون مع فرنسا في رسم حدود منطقة المشرق العربي، أن تبقى الحدود على حالها، ولكن إذا كانت هناك تغييرات آتية في المنطقة، «سايكس بيكو» التالي يجب أن ترسمه شعوب المنطقة وليس أطراف خارجية.

ويقول: «أظنّ أنّ النموذج الأفضل الإبقاء على الحدود الحالية وإعطاء الناس مزيداً من الحرّيات والفرَص وبناء المؤسسات، وأن يكون لشعوب المنطقة قرارها. فمنذ 100 سنة كان الوضع مختلفاً، الجلوس في غرفة مغلقة ورسم خرائط، اليوم الأمور معقّدة، المطلوب حلولٌ محلية لمشاكل المنطقة.

ولا يستعجل فليتشر في الاستنتاج أنّ الحدود الجديدة يمكن أن تُخفّف من النزعات في الشرق الأوسط، فالمنطقة تمرّ في مرحلة انتقالية، لا يمكن توَقّع ماذا سيَجري.

في الملف النووي الإيراني، يجَدّد فليتشر تأكيدَه أنّ الاتّفاق جيّد وأفضل الخيارات المتاحة. لكنّه يفضّل التريّث وعدمَ التنَبؤ بما إذا كان سيؤدّي إلى تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن تنسحبَ أجواء الحَلحلة على الأزمتين السورية واللبنانية والحرب اليمنية. ويضيف: «لا ندري إن كان سيجلب الاستقرار، الأمر يتوقف على إيران، هل ستُغيّر موقفها؟ نحن نراقب بحَذر سلوكَها».

ويوضح أنّه «لم يكن اتفاقاً يشمل قضايا المنطقة، بل تَرَكّز على نووي إيران، والخلافات كبرى مع إيران حيال قضايا المنطقة، لكنّه سيساعدنا لفهم بعضِنا بشكل أفضل، وعلينا أن نستفيد من الاتفاق لحوار أفضل». لبنانياً، هل يمكن أن يسَرّع في انتخاب رئيس؟

يبتسم فليتشر، ويقول: «منذ 9 أشهرعندما كنّا نحضّ السياسيين اللبنانيين على انتخاب رئيس، كانت حجّتهم ننتظر الاتّفاق النووي. اليوم تمّ الاتفاق ولا تقدُّم على صعيد انتخاب رئيس، هذا عذر خارجي لعدم القيام بواجبهم، وتارةً يتحجّجون بالأزمة السورية، عليهم التحرّك وإنهاء الفراغ للحفاظ على مصلحة اللبنانيين».

ويبقى أنّ فليتشر الذي كان يريد درسَ اللغة العربية بتعمّق، اضطرّ للتوجّه إلى الأردن، بعدما كان يفترَض أن يذهب إلى سوريا مطلعَ 2011، لكنّ انطلاقَ الحراك السوري غيّرَ وجهته، مع العِلم أنّه في السابق كانت تُدرّس اللغة العربية في مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية (ميكاز) في شملان.

المركز أقفِل وانتقل إلى مصر، ولا مؤشّرات لإعادة افتتاحه، على رغم أنّ فليتشر كان ليحبّذ ذلك. لكنّه انهمكَ في أمور عدّة، والأمر يتطلّب رؤية جديدة ووقتاً، ومتطلبات الاستقرار لها الأولوية.

واللافت أنّ معرفة فليتشر باللغة العربية ليست حديثة، بل بدأت في فلسطين حيث عملَ مدرسَ لغة إنكليزية، وحيث تعلّم اللغة الفصحى.
ويَختم مبتسماً: «هذا لا ينفَع في لبنان... أنا أفهم العربية جيّداً، لكن إذا لم أستطِع التحدث بطلاقة... أفضل عدم ارتكاب أخطاء».
- الجمهورية - 

  • شارك الخبر