hit counter script

باقلامهم - جمال العيساوي

جمهورية أَنُورِكْسيا الشعبية!

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٥ - 06:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وَددْت لو أني استَقبَلت جوارِحَكم بمقالٍ تفوح منه الأعطار وتُزينه كلمات لها وَقع جميل على الأسماع والأبصار. ولكن كيف بي أن أفعل ذلك وأنا محاط بهذا الكم الهائل من النفايات التي تَحجب عني ما هو جميل. كيف لي أنْ أكتب عن الورد وفي بلدي لا تُزرع إلا الأسلاك الشائكة! كيف لي أنْ أَصِف الثلج وأمامي مساحات البودرة البيضاء على المزابل! كيف لي أن أُخْبر عن تصدرنا البلدان باحتياطي الذهب وفي بلدي لا تَلمَع إلا أكياس النَيلون تحت شَمسِه! كيف لي أن أتَمْتِم كلمات فيروز "كيف ما كنت بحبك" وأنا في وسط كل تلك القذارات! كيف لي أن أَفرَح وعلى أرضي يُقتل الأبرياء برصاص الإبتهاج! كيف لي أن أعبِّر عن الحرية وأنا أسمع عن خَطف وأَسْر الأطفال! كيف لي أن أشرَح عن أهمية حزام الأمان وعلى حدودي أحزِمة ناسفة ما لها أمان! كيف لي أن أتكلم عن أي نشاط أو ماراتون وأنا أركض ليل نهار لتسديد الديون! كيف لي أن أتكلم عن "الخبز والملح بيْنَاتنا" في بلدٍ كل ما فيه غير مُطابق للمواصفات! كيف لي أن أَتَغنى "بريحة أراضينا" وهي تُنادينا: "عندك زَبّالَة يا ريس"! كيف لي أن أُعْلن تَفَوّقي وأنا أقرأ كتب التكنولوجيا على ضوء الشمعة! كيف لي أن أَنْظر فقط إلى نصف الكوب الملآن بالنفط دون أن أنظر إلى الفراغ الذي يملئ أكثر من نصف البلد! وكيف لي أن أحكي عن كرز حمانا، زيتون الكورة وكروم الشمس في مغدوشة وأنا مواطن في "جمهورية قشر الموز"! كيف لي أن أتكلم عن عنزة الإستقلال والجرذان تَحْتل مَياديننا! كيف لي أن أتكلم عن الشجاعة وما عندي الجرأة لأرفع الكَمّامة عن وجهي! كيف لي أن أزف لكم أخبار الأعراس ونحن نُزلْغِط لشاحنات التنظيف ونَرش عليهم الرز من الشُرفات! كيف لي أن أَنْقل نَوْبات الفرح والسرور ولا يَنتابني إلا النوائب من النواب! كيف لي أن أنْشد الشِعر وأنْثر "ليالي الأنس في سويسرا الشرق!" وقد جَفَت أقلامنا في تَوْصيف مَجاهل الأمازون التي نعيش فيها! كيف لي أن أتكلم عن الراحة في حين أنَّ الحَد الأدنى للأجور لا يؤمِّن لي أجار أدنى شقة على أدنى بقعة في بلد قيل عنه أنه "قطعة سما"! كيف لي أن أكتب عن المستقبل الواعد وأنا ما زلت أبحث عن جواب "بالنسبة لبوكرا شو؟" كيف لي أن أرْوي عن خيرات المواسم ونحن نقطف في كل السنين خيبات "يومين" من آذار! وكيف لي... وكيف لي...
ثم كيف لنا نحن اللبنانيون أن نحكي عن الآمال والجمال والدلال ونحن نراهم يقومون بكل تلك الفظاعات! أما آنَ لهذه الروائح الفظيعة أن توقِظنا من الغيبوبة التي نحن فيها! ولتَعْلموا بأن هؤلاء مستعدون لفعل أي شيئ خُرافي للحفاظ على عروشهم! لا يَهمهم حتى وإن وصل بهم الحال لإتباع "سياسة الوَجبة الواحدة" وتحويلنا إلى شبه هياكل عظمية أو بمعنى آخر "شعب أنوراكْسيك Anorexic" يَسْهل التحكم به وبالتالي تَقل المُخَلّفات مما يعني "بَحْ زبالة"! إنهم مستعدون لفعل أي شيئ إلا المُريح والصحي والصحيح.
كلامي قد يبدو للكثيرين وكأنه يجري على لسان مجنون غير أنهم بالتأكيد هم السبب في ذلك.. ولكن قبل التسرع بالحكم عليّ، رجاءً أجيبوني: كيف لي أنْ لا أفكِر بهذه الطريقة وهم القائلون دوماً أنهم أتوا ليحلوا مشاكل بحجم وطن.. فإذا بهم لا يحلون مشكلة بحجم كيس زبالة!
 

  • شارك الخبر