hit counter script

مقالات مختارة - أنطوان فرح

إلى المتفائلين بنتائج المقارنة بين لبنان واليونان

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٥ - 07:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

طغت روائح النفايات الكريهة على ما عداها من أزمات تحاصر البلد منذ فترة. لكنّ الواقعية تفرض القول إنّ إدارة الدولة لكلّ القطاعات تشبه الى حدٍّ بعيد الطريقة التي اعتُمدت في ملف النفايات، لكنّ الفارق هو أنّ الأزمات الأخرى لا تطلق روائح تحذيرية كريهة، مع أنّ خطرها أكبر.

في غضون عشرة أيام، يستحق على الدولة اللبنانية دفع سندات دين بالعملة الأجنبية (يوروبوند) تناهز قيمتها الـ 500 مليون دولار. وحتى ذلك اليوم، لن تحصل أعجوبة، ولن ينعقد مجلس النواب لإقرار قانون يسمح لوزارة المالية باستبدال هذا الدين، وبالتالي، سوف يُضطر مصرف لبنان من جديد الى تسديده، وهي المرة الثانية التي يُضطَر فيها المركزي الى التدخل. وبذلك يكون مصرف لبنان قد دفع حتى اليوم حوالى المليار دولار بدلاً من الحكومة.

هذه الهندسة المالية التي تهدف الى إنقاذ لبنان من فخّ العجز عن دفع السندات، والتحوّل الى دولة فاشلة، ليست مثالية لكنها هندسة الضرورة، تماماً مثل تشريع الضرورة الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس هذه الأيام. لكنّ هذه المعالجة لا يمكن أن تستمرّ طويلاً، وهي تُثقل كاهلَ المركزي، ويحتاج الى التخلّص منها في أسرع وقت ممكن.

بعد آب، يحلّ ايلول، وهو الموعد المحدَّد لتوقّف وزارة المالية عن صرف رواتب موظَفي القطاع العام، وسيكون البلد في مواجهةِ عَمَلية تجاذبٍ سياسيّ تتركّز على مناقشة نظرياتٍ قانونية تخفي في الواقع رغبات تصفية حسابات سياسية بين بعض المكوّنات.

لكنّ هذه المشكلات، على أهميتها، ليست بدورها الأخطر، لأنها بمثابة تداعياتٍ لأزمة أكبر تتلخّص بالوضع المالي العام للدولة، والوضع الاقتصادي الحقيقي. وهناك مؤشرات إضافية توحي بأنّ الوضع العام يمضي من سيّئ الى أسوأ.

وإذا احتسبنا حجمَ الارتفاع الذي سَيُسجِّله الدينُ العام في نهاية الـ2015، يمكن أن ندركَ دقة وضع مالية الدولة. إذ إنّ الزيادة المقدَّرة تتجاوز الـ5 مليارات دولار، وهو رقم مخيف وفق المعايير الاقتصادية، التي تستند الى حجم الاقتصاد والنموّ، بهدف قياس نسبة المخاطر. هذا الرقم يعني أنّ لبنان سيُضطَرّ الى دفع أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً لخدمة الدين، وهذا المبلغ مُرشَّح للارتفاع بسرعة تصاعدية في السنوات المقبلة.

بعد أزمة اليونان، حرص خبراءُ الاقتصاد على إجراء مقارنة بين البلدين. البعض اعتبر أنّ لبنان ليس اليونان، وأنه بعيدٌ من خطر الإفلاس، وآخرون رجّحوا فرضية المصير نفسه، أو مصيراً أسوأ على اعتبار أنّ اليونان تدعمها أوروبا، في حين أنّ لبنان قد يُترك وحيداً، كما حصل مع وزير البيئة محمد المشنوق في ملف النفايات.

لكنّ اللافت في المقارنات التي قدّمها أصحاب الخبرة والاختصاص، هو أنّ أكثرها تفاؤلاً، لا يبدو متماسكاً الى حدِّ طمأنة الناس. وعلى سبيل المثال، أورد أحدُ الخبراء المخضرمين أنّ لبنان يتميّز عن اليونان بنقاطٍ عدّة من أهمها:

أولاً- حجم الودائع المصرفية قياساً بحجم الاقتصاد في البلدَين وعدد السكان.

ثانياً- الدين العام اليوناني تملكه جهات خارجية، في حين أنّ الدين العام اللبناني تحمله في القسم الاكبر المصارف المحلية.

ثالثاً- التحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج. (حوالى 12 مليار دولار سنوياً حسب تقديرات الخبير).

هذه الامتيازات اللبنانية، على أهميتها، من الممكن أنها تحمل في بعض جوانبها تداعيات سلبية أيضاً. على سبيل المثال، صحيحٌ أنه إذا كان حامل الدين جهة خارجية كما هي حال اليونان، فهي تستطيع أن تتحكّم وتفرض شروطها، لكنّ الصحيح أيضاً أنه عندما يكون الدين خارجياً تمتلك الدولة خيارَ عدم الدفع، في حال قرّرت أنّ سلبيات إعلان الافلاس أقل من سلبيات الدفع بأيّ ثمن.

في حين أننا في الحالة اللبنانية لا نستطيع أن نأخذ هذا الخيار (التوقف عن الدفع) بإرادتنا، لأنّ ذلك يعني إفلاسَ المصارف، وضياع حقوق الناس، إذ إنّ أموال المصارف هي أموال المودعين.

من هنا، يبدو لبنان محكوماً بمواصلة الدفع، على عكس بلدان أخرى اختارت إعلان الافلاس، على غرار ما تفعله الشركات لتخفيف خسائرها في حال وصلت الى وضع مالي ميؤوس. وهذا يعني أنّ لبنان لا يستطيع أن يقرّر تخفيف خسائره في يوم من الأيام، بل سيستمرّ بالدفع الى اللحظة الأخيرة، أما إذا جاء يومٌ وعجز عن الدفع، فسيكون حجمُ الانهيار أخطر وأعظم بكثير من إعلان الإفلاس نفسه.

هذا نموذج من مقارنة ما يعتبره الخبراء ميزة لبنانية. كذلك فإنّ حجم الودائع، وحجم التحويلات من الخارج، يرتبط نموُّها واستمرارُها بالثقة والأمان. هذه الثقة، وإن كانت موجودة حتى الآن إلّا أنها ليست شيكاً على بياض. وهي يمكن أن تهتزّ بسرعة قياسية، في حال تبدّل الوضع على أيّ جانب من جوانب الحدود، حيث ينتظر الارهاب فرصة أو ثغرة للعبور. وهذا النوع من الأخطار غير قائم في اليونان.

لبنان اليوم يمضي في طريق، نهايته مقفلة. وإذا لم يحصل تغييرٌ جذري يسمح بتغيير الاتجاه الى طريق جديد مفتوح على أفق أوسع، سيصل القطار الى نهاية المسار، ولن تكون طريق الرجوع الى الوراء مفتوحة.
 

  • شارك الخبر