hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - حسين عاصي

استقالة سلام... بين الجدية والمناورة

الأحد ١٥ تموز ٢٠١٥ - 08:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(الديار)

الاستقالة تراود رئيس حكومة المصلحة الوطنية تمام سلام... هي عبارةٌ تمّ تداولها مراراً وتكراراً خلال الساعات الماضية، قبيل وأثناء وبعد جلسة الحكومة الأخيرة، والتي لم تفضِ عمليًا إلى شيء، إلا لتأكيد سقوط «هيبة» حكومةٍ عاجزة وغير فاعلة، لم تجد حَرَجًا في تأجيل البحث بأزمة النفايات التي ترتقي لمستوى «الفضيحة» لما يقارب الأسبوع الكامل، وكأنّ لا شيء مستعجَلاً أو طارئًا في الأمر، ويمكن تسيير الأمور حتى يوم الثلاثاء، الذي يعرف القاصي والداني أنه لن يحمل «الحلّ السحريّ» المُنتظَر.
وقد أتت «فضيحة» النفايات لتزيد «الطين بلّة» بالنسبة لرئيس الحكومة، الذي لم «يبلع» بعد قطوع «التعيينات»، وإصرار «التيّار الوطني الحر» على تحويل الحكومة إلى «رهينة» بيده، فيبتزّ الحريصين على بقائها، داعيًا لـ»مقايضة» بين تحقيق شروطه ومطالبه وتسييرها بالتي هي أحسن، وإلا تركها مشلولة لا تعمل.
انطلاقاً من كلّ ذلك، تقول مصادر وزارية محسوبة على رئيس الحكومة بأنّ «صبره الطويل» الذي يتغنّى به الجميع «اقترب من النفاد»، موضحة أنّ الرجل «ممتعضٌ» في الواقع من حلفائه وخصومه على حدّ سواء، وهو يشعر أنّهم تركوه وحيداً ليواجه ما لا يستطيع أحد أن يتحمّله، مستغلّين تحسّس رئيس الحكومة بالمسؤوليّة الوطنيّة الملقاة على عاتقه، باعتبار أنّ الحكومة التي يترأّسها تكاد تكون المؤسسة الصامدة الوحيدة في ظلّ فوضى الفراغ، التي تطال كلّ شيء في هذه الدولة.
وفي استعراض الأمور، تنطلق المصادر من موقف «التيار الوطني الحر» وتعنّته على حدّ وصفها، لافتة إلى أنّ سلام «جُرِح في الصميم» من الحملة غير المسبوقة التي شنّها عليه «التيار»، سواء من خلال وزير الخارجية جبران باسيل الذي تخطّى أدبيّات الخطاب السياسي معه، بل إنّه لم يتلقف «الاعتذار» الذي قدّمه سلام للبنانيين عن المشهد ليقدّم «اعتذاراً مماثلاً»، أو من خلال «الخطاب العوني» بشكلٍ عام، والذي وصل لحدّ وصف رئيس الحكومة بـ»الداعشيّ»، وهو أمرٌ لا يمكن لسلام تقبّله بأيّ شكل من الأشكال.
وبعيدًا عن «شخصنة» الموضوع، تقول المصادر عينها أنّ «التيار» ذهب بعيداً في خطته لشلّ عمل الحكومة، وفق منطق «إما تتحقّق مطالبي وإلا فلا حكومة»، وتشير إلى أنّ الحكومة بناءً على ذلك باتت ميتة سريرياً، فهي ليست قادرة على نقاش أو إقرار أيّ بندٍ، لدرجة أنّها لم تستطع وضع أزمةٍ بحجم موضوع النفايات على طاولة البحث بشكلٍ جدّي وعمليّ، لأنّ البعض كان متمسّكاً بما توهّم أنّه أهمّ، ألا وهو آلية عمل الحكومة، ورغبته بتكريس نفسه «رئيساً للجمهورية» في غياب الرئيس، وهو ما لم يتردّد أحد الوزراء في التصريح به جهاراً في إحدى الجلسات.
أما «عتب» رئيس الحكومة على «الحلفاء»، فمنطلقٌ من طريقتهم بمقاربة أزمة النفايات، كما تقول المصادر، حيث تركوا الرجل يتخبّط وحيداً من دون أن يقدّموا له يد العون أو المؤازرة، بل لم يتوانَ بعضهم عن تحميل وزير البيئة محمد المشنوق، وهو المحسوب على رئيس الحكومة، المسؤولية الكاملة عن وصول الأزمة إلى الحائط والمسدود، في حين أنّ القاصي والداني يعلم أنّ المسؤولية مسؤولية جماعيّة، وأنّ وزير البيئة رفع الصوت أكثر من مرّة دون أن يلقى الصدى المطلوب، من دون أن ننسى أنّ خلف هذا الملف خفايا ودهاليز لا يمكن لرئيس الحكومة تحمّلها بمفرده، وهي التي تنمّ عن فسادٍ مستشرٍ ومحاصصةٍ علنية وأكثر.
برأي المصادر المقرّبة من سلام، فإنّ الاستقالة خيارٌ أكثر من وارد، وهو ألمح إليها بشكلٍ واضح في الجلسة الأخيرة للحكومة، حين أعلن صراحة أنّ «كلّ الاحتمالات تبقى واردة» في جلسة الثلاثاء. وتوضح هذه المصادر أنّ الرجل أصلاً كان يفكّر بالاستقالة في الجلسة الأخيرة للحكومة، ولكنّه أرجأ هذه الخطوة بناءً على اتصالاتٍ وتمنياتٍ تلقّاها، ولكنّه يكاد يصل إلى قناعة تفيد أنّ تحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمالٍ بشكلٍ رسمي قد يكون أفضل بأشواط من بقائها حكومة كاملة الصلاحيات بالاسم، وفاقدة للحدّ الأدنى منها على الصعيد العمليّ، بل إنّها قد تصبح أكثر إنتاجيّة من الواقع الذي وصلت إليه الأمور.
وإذا كانت مصادر «تيار المستقبل» تنأى بنفسها عن التعليق على ما يُحكى عن استقالةٍ مرتقبةٍ لسلام، مؤكدة وجود اتصالات ووساطاتٍ لتفادي السيناريو الأسوأ قد تأتي أكلها قبل يوم الثلاثاء المقبل، فإنّ مصادر نيابية في «التيار الوطني الحر» تعرب عن اعتقادها بأنّ الأمر لا يعدو كونه «مناورة» من جانب رئيس الحكومة للضغط على «التيار» وحلفائه للتراجع عن حراكهم المطلبيّ حتى تبقى الحكومة، وذلك بطريقةٍ استغلاليّةٍ رخيصةٍ للحرص الذي يبديه هذا الفريق على المصلحة الوطنية العُليا في كلّ الأوقات.
لكنّ المصادر تشير إلى أنّ هذا السيناريو سيكون «خائباً» هذه المرّة لأنّ المعركة التي يخوضها «التيار» لن تنتهي إلا بحصوله على حقوقه التي ينادي بها، وهو مستعدّ لكلّ السيناريوهات في سبيل ذلك، الحلوة منها والمرّة على حدّ سواء، ذلك أنّه يعتبر أنّه إذا لم يحصّل حقوق المسيحيّين اليوم، فإنّ أحداً لن يحصّلها في ما بعد، وبالتالي فإنّ المعركة هي مصيرية ووجوديّة بكلّ ما للكلمة من معنى، وهو لن يرضخ لأيّ ضغوطٍ من أيّ فريقٍ حليفٍ أو خصمٍ لتعديل «أجندته» هذه.
ولا تتردّد المصادر في الحديث عن «خبثٍ غير بريء» وراء ما تسمّيه بـ «تمثيلية الاستقالة»، مشيرة إلى أنّ رئيس الحكومة، ومن ورائه «تيار المستقبل»، يحاول ضرب «حزب الله» من «اليد التي تؤلمه»، كما يقول المثل، وذلك عبر تهديده بالحكومة، التي يقول دائماً أنّها خط أحمر وأنّها حاجة وطنيّة في هذه المرحلة، وبالتالي فإنّه يحاول «تحريض» الحزب للضغط بشكلٍ أو بآخر على «التيار» ليتراجع عن مواقفه، أقلّه لبعض الوقت، خصوصًا بعد أن كان قد أعلن «التضامن التام» مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ووصف مطالبه بـ «المُحِقّة»، بل ذهب لحدّ رفض الدخول في «وساطات» معه كونه يعتبر نفسه «طرفاً» وليس «حيادياً».
إلا أنّ المصادر تشدّد على أنّ حزب الله لن يخضع هذه المرّة أيضًا للضغوط، وهو أبلغ قيادة «التيار» أنّه معها حتى النهاية في المعركة، أياً كانت العواقب والأثمان، لأنّه مقتنعٌ بأهميتها، تمامًا كما أنّه مقتنعٌ بأنّ سقوط الحكومة بالضربة القاضية لن يقود إلا للتغيير المنتظر للنظام برمّته، لأنّه لن يكون هناك عندها أيّ خيارٍ بديلٍ، شاء من شاء وأبى من أبى...
 

  • شارك الخبر