hit counter script

باقلامهم - رائد ابو شقرا

الاوليغارشية الحاكمة وثقافة "الشبيحة"

الثلاثاء ١٥ تموز ٢٠١٥ - 06:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في العام 1971 مولت البحرية الاميركية دراسة كبيرة عُنيت بالاستجابة الانسانية للاسر، وكانت الدراسة معدة من قبل باحثين في جامعة ستانفورد على رأسهم العالم النفسي فيليب زمباردو، والبحث الذي استمر لاسبوعين كان نفسي بامتياز.
ودرس اوضاع المساجين والسجانين على حد سواء: فقد اعلن المنظمون حاجتهم لمتطوعين في الصحف وتم جمع 24 شخصاً ليلعبوا دور السجناء والسجانين (تم اختيارهم بالقرعة)، ودُفع بدل اجر يومي لهؤلاء. وصرح زمباردو لفريق السجانين بما يلي: «يمكنكم أن تولدوا إحساساً بالخمول لدى السجناء، ودرجة ما من الخوف، من الممكن أن توحوا بشيء من التعسف يجعلهم يشعرون بأنكم وبأن النظام وبأننا جميعاً نسيطر على حياتهم، سوف لن تكون لهم خصوصيات ولا خلوات. سنسلبهم من شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق. بالنتيجة سيقود كل هذا إلى شعور بفقدان السيطرة من طرفهم. بهذا الشكل سوف تكون لنا السلطة المطلقة ولن تكون لهم أي سلطة».
وبدأ الاختبار، وكان السجناء محكومين بقيود محددة اما السجانين فلهم حرية التصرف واختيار الطريقة المناسبة لادارة السجن وضبط الاوضاع، وتجدر الاشارة إلى ان المحاكاة جرت في قبو جامعة ستانفورد. وسرعان ما خرج الاختبار عن السيطرة، فقد عانى السجناء من ممارسات سادية خطيرة من قبل سجانيهم، خصوصاً خلال الليل حيث ظنوا ان الكاميرات تكون مطفأة، واظهر الاختبار ان واحدا من كل ثلاثة حرّاس اظهر ميولاً سادية حقيقية وخطيرة تجاه اشخاص ابرياء. فتم اجهاض الاختبار قبل انقضاء المهلة، وللعلم ان بعض الحراس كان منزعجاً جداً من انتهاء الاختبار قبل المدة المحددة له.
حصل هذا الاختبار ضمن اطار اكاديمي وباشراف البحرية الاميركية وخبراء في علم النفس وحدث ما حدث من فقدان للسيطرة، فكيف اذا كان هذا الاختبار يحصل في الحياة اليومية وبدون اية ضوابط؟
اختبار سجن ستانفورد هو تجسيد علمي لثقافة بعض اللبنانيين، فلبنان بلد الدولة الضعيفة والامن النسبي، يعاني مواطنوه من ممارسات شاذة من اصحاب النفوذ و حاشيتهم، فعند غياب العقاب الحقيقي يستسهل الشبيح او البلطجي خرق القانون والاعتداء على الآخرين، فما هي الاسباب؟ وما هي النتائج؟ و سبل العلاج؟
مرت على لبنان حرب اهلية استمرت ستة عشر عاماً، عانى فيها اللبنانيون من غياب تام للدولة، فقامت الاحزاب بهذا الدور، ونتيجة الظروف كان على قوى الامر الواقع ان تُنشىء جماعات من "الزعران" للسيطرة على الشارع، وسادت ثقافة قبضايات الاحياء وفرض الخوات وحمل السلاح. وبعد انتهاء الحرب وعودة الدولة للعب دورها تدريجياً وقع الصدام بينها وبين هؤلاء، وانتصر فكر الدولة بدعم من بعض الساسة الوطنيين انما بقيت افكار اللادولة واحلام الميليشيات تراود اولئك الذين شاركوا بمتعة اخضاع الآخرين. وبقيت بعض المناطق عصية على القانون والدولة حيث يمارس البعض التصرفات الميليشياوية على المواطنين.
رعت المخابرات السورية واعوانها في لبنان جزءًا من هذه المجموعات التي استعملتها لتخويف الاخرين والسيطرة عليهم، ومنذ الانسحاب السوري كان لا بد لبعض النافذين من سياسيين واحزاب ان يستمروا بنفس النهج عملاً بالقول السائد "ان الاحزاب بحاجة للزعران كما المثقفين"، فظن هؤلاء انهم فوق القانون وان "النافذ" الذي يحميهم لن يتخلى عن خدماتهم وولائهم. اضف الى ذلك الامن النسبي في البلد والقانون المطبّق على البعض دون البعض الآخر بحجج غريبة وعجيبة ادت الى تحويل بعض المناطق الى مناطق خارجة عن سلطة الدولة و مرتعاً للعصابات والخارجين عن القانون.
واتت احداث الانقسام السياسي في ال 2005 و حتى اليوم مروراً بالسابع من ايار لتزيد من قناعة اللبناني بانه مواطن بلا حماية، وان الدولة تطبق القانون على المساكين فقط، وان مبدأ "الحيط الحيط و يا رب توديني عالبيت" هو افضل ما يمكن فعله في غابة "التسَّيُب المكاني" الذي يعيش به.
فمن هم هؤلاء النافذين الذين يحمون المتلاعبين بأمن المواطن العادي؟
ان افضل ما يطلق عليهم هو تعبير "الاوليغارشية" او "الاوليغاركية". فما هي هذه الطبقة (ان جاز التعبير)؟
انها شكل من اشكال الحكم حيث تكون السلطة بيد اقلية تتحكم بالنفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي وتسيطر بشكل كامل على الدولة. ففي لبنان مثلاً ليست الطائفية هي من تحكم بل انها مجرد خطاب وهمي مهمته شد العصب وتجييش الجماهير، فالحكم الحقيقي هو لفئات نافذة (تأخذ من الدفاع عن حقوق الطائفة عنواناً لنضالها) تسيطر على بعض السلطات الامنية والقضائية وهي مدعومة من المنظومة الاقتصادية الحديدية اللبنانية المعروفة بالهيئات الاقتصادية. ان معادلة الاحزاب و المال هي من تحكم البلد.
فاذا ما نظرنا الى عدة احداث جرت خلال الاسبوع المنصرم نرى ان من تسبب باشكال قبرشمون محسوب بشكل او بآخر على حزب سياسي فاعل في المنطقة، وان من قتل جورج الريف في الشارع و بدم بارد يعمل عند احد النافذين في هذه "البوطة" الحاكمة (واذا ما بحثنا في سجله العدلي او تاريخ بطولاته لتأكدنا انها ليست المرة الاولى له)، وانه وفي كل يوم نقرأ اخبار التسيّب الامني واطلاق النار عند اي اشكال فردي و لأتفه الاسباب، وان معظم تجار المخدرات ومسهلي الدعارة في لبنان يتمتعون بغطاء من احد اعضاء هذه المنظومة. مع العلم ان المشكلة ليست بالاشخاص، المشكلة بالنهج... فالحكم القضائي على جريمة عادية، بأبعادها الفردية، قام بها مواطن غير مدعوم يكون اقسى بكثير من الحكم على الجرائم ذات الخلفيات السياسية او الامنية، بأبعادها الوطنية، وما الأحكام الصادرة بحق كل من ميشال سماحة وفايز كرم الا ابرز دليل على ذلك. من هنا يبرز التداخل بين السلطات ويصبح القانون وجهة نظر، ويتمتع البعض بحرية التصرف، تحت حماية بعض النافذين، غير آبهين بالقانون الذي لم ولن يُطَبَق عليهم.
والحل؟
ان الدولة اللبنانية امام مسؤولية كبيرة في مكافحة هذه الظواهر، لقد مل الشعب اللبناني من نسبية تنفيذ القوانين، ومن هنا على الحكومة ان تختار بين الدولة او اللادولة، ففي الاولى ينبغي على المعنيين اطلاق يد الاجهزة الامنية القادرة و تنفيد خطة امنية على مستوى الوطن و الكف عن التدخل في شؤون القضاء اللبناني الذي يزخر بهامات قانونية كبيرة وعادلة، اما في الثانية – اي اللادولة – وترك الامور كما هي عليه، لن يؤدي الا الى مزيد من الانفلات الامني في لبنان.
لم يعد اللبناني يكترث لخطابات سياسية فارغة وخلافات تقسيم الجبنة، ولا يهمه مصير النظام السوري وهو غير آبه بالاتفاق النووي الايراني، واذا كان الاستقرار السياسي صعب التحقيق، فعلى الاقل حاولوا تحقيق الامن والإستقرار الاجتماعيين الحقيقيين، ان دماء جورج الريف، اهم بكثير من احلام البعض لرئاسة الجمهورية. فالمواطن اللبناني لن يهتم بعد اليوم بطموحاتكم السلطوية في غياب ابسط حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والامنية. اعلمونا بما تريدون: إما دولة القانون والعدل والمساواة او شريعة الغاب والفلتان؟ اتريدون ان تحافظوا على حقوق المواطن ام تريدون من المواطن ان يحمي حقوقه بيده وان ينغمس مجبراً بهذه الثقافة السوداء؟
 

  • شارك الخبر