hit counter script

باقلامهم - سليمان شيّا

عقوبة الإعدام

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٥ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لاشك ان قتل الإنسان للإنسان بكل أنواعه هو من بقايا توحش البشر. وللأسف مازال هذا التوحش يكبل عنق الإنسان وروحه ويطبق على أذهان قسم كبير من البشرية المعاصرة رغم المسافة الزمنية والحضارية الشاسعة التي تفصل بين مراحل بزوغ المجتمع البشري الأولي المتخبط في وحول الجهل وانعدام الحيلة والوسيلة وبين مرحلة التمدن والثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة. إن التناقض الصارخ بين المكتسبات العلمية والتقنية المعاصرة ودرجة سيطرة الإنسان على الطبيعة وتسخيرها اليوم من جهة وبقاء المعتقدات الخرافية وتقاليد التوحش قوية في المجتمع، يكمن في الانقسام الطبقي ومصلحة الطبقات المالكة والحاكمة للمجتمع الرأسمالي في بقاء الخرافة والدين وشرعة القتل واضطهاد الآخر واستغلاله بهدف تبرير النظام الرأسمالي من جانب وبغرض استخدام تلك الوسائل في قمع الطبقة العاملة وجموع الكادحين ولضمان السلطة السياسية والاقتصادية المطلقة للرأسمال.
يسوق المدافعون عن عقوبة الإعدام جملة من الذرائع، أهمها ان عقوبة الاعدام رادع للجريمة. وكذلك يضيفون انهم يريدون حماية المجتمع من العبث بأمنه. ومنهم من يقول أن القصاص وجزاء المثل بالمثل ضروري وعادل.
قبل مناقشة كل واحدة من هذه الذرائع، يجب التأكيد على أن حق الحياة حق أولي بديهي وشامل أيضاً. وان أي شخص يؤمن بهذا المبدأ الإنساني المتقدم لاتهمه تلك الحجج والأمر عنده واضح لا لبس فيه. وطبقاً لهذا المعيار فان عقوبة الاعدام انتهاك صارخ لأهم مبادئ حقوق الانسان. ولكن من المناسب أيضاً التصدي لتلك الذرائع لتبيين مدى صدقها من عدمه، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يترددون في اتخاذ موقف من هذه القضية الحساسة والحياتية.
هل ان عقوبة الاعدام تردع الجريمة؟ ليست هناك دلائل على هذه المقولة، بل ان الحقائق في الواقع العملي تثبت انه وحيثما كانت هناك عقوبة الاعدام وما يرافقها من استبداد واستغلال شديد عادةً، كانت الجريمة أكثر انتشاراً وأكثر نخراً لجسد المجتمع وتهديداً له.
في الغالب تستند الأنظمة التي تشرع وتمارس عقوبة الاعدام إلى مجموعة من القيم ممعنة في الثقافة الفاشية. وبما ان الثقافة والقيم السائدة في أيّ مجتمع هي ثقافة وقيم الطبقة السائدة والحاكمة، فإن أخلاقيات وتقاليد مصادرة الآخر والتجاوز السهل على حقوقه وكرامته وحتى وجوده تكون سائدةً بشكل واضح ويومي.وكجزء من هذا تقليد القتل والجريمة عموماً. إذن كيف يمكن لعقوبة الاعدام أن تكون رادعاً للجريمة وهي بحد ذاتها أفضع أنواع القتل العمد.الحكمة القديمة، فاقد الشيء لا يعطيه، صحيحة هنا. فالقانون وإضافة إلى عامل ردع الجريمة الذي يجب أن يتوفر فيه يفترض به أن يكون حاملاً نقيض جريمة القتل وليس مجيزاً لها تحت تسمية عقوبة الإعدام. فأما أن ترفض مسألةً ولا تجيزها لنفسك أو انك بممارستها وتحت أي غطاء فانك تعمل من الناحية المبدئية والعملية على ترسيخها وإشاعتها كتقليد في المجتمع. إذا كانت الدولة والدستور والهيئة المشرعة له حقاً تدعي إدانتها لجرم وظاهرة القتل فيجب أن تحمل في ذاتها النزعة المناهضة لتقليد القتل، أي يجب ألّا تشرع وتمارس الاعدام وتلغيه من قوانينها.
توجد أمثلة كثيرة على إصدار عقوبة الاعدام وإيقافها أو عدم تنفيذها عملياً في العديد من الحالات وعند كثير من الدول. وهذا بحد ذاته ليس بدليل قوي لصالح طيبي القلب الذين يدافعون عن عقوبة الاعدام ويدعون الرحمة بعدم تنفيذهم لها، على العكس عدم تنفيذها هو خير دليل على عدم ضرورتها من الأساس وان المجتمع ليس بحاجة لمثل هذا التوحش الرسمي. هكذا تتلاشى الحكمة عن الادعاء القائل بان القصاص وعقوبة المثل بالمثل ضروري وعادل في حالة الاعدام. إن معاقبة شخص هدم بيت شخص آخر بهدم بيته ليست سوى انتقام وعبث وتخريب أكثر مما هي ردع وتقويم وبناء. فكيف بهدم ونفي حياة إنسان، وهي أهم وأغلى بلا شك. هنا ليس سوى ملاحظة تجدر الإشارة لها بهذا الصدد. وهي إن مبدأ السن بالسن والعين بالعين هو من منتجات ظروف وأحوال هزيلة من حيث المستوى الحضاري والمنجز المعرفي والتكنولوجي بالقياس إلى عصرنا هذا، بحيث لا يمكن أن يكون معياراً ومبدأً عادلاً مطلقاً. المرحلة التي كان فيها الإنسان العبد مُلكاً لسيده يفعل به ما يشاء لا فرق بينه وبين ماشيته وأغنامه، يمكنه ذبحه سواءٌ معها قانوناً وشرعاً كما في بابل وروما القديمتين والجزيرة العربية في العصور الوسطى، لايمكن لعاداتها، قوانينها ومبادئها، مهما كان الاعتقاد حول عدالتها في حينه، أن تكون قوانين ومبادئ وثقافة القرن الحادي والعشرين، إلّا إذا أراد شخص العبث أقصى درجات العبث بكرامة وحقوق إنسان هذا اليوم واستعباده.
من المؤسف ان المجتمع مازال يواجه أنواع الجرائم ومنها جرائم القتل. ترتكب هذه الجرائم من قبل أفراد وعصابات مجرمة. وأيضاً من الضروري ومن واجب الدولة والهيئات المسؤولة أن تواجه الجريمة طبقاً لقوانين متقدمة تحمي الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع. برأينا لاتستلزم مسألة مواجهة الجريمة تشريع وممارسة عقوبة الاعدام. هناك عقوبات السجن (ليس السجن المؤبد طبعاً). ولكن في الوقت الذي تبقى فيه الجريمة خارج القانون ومدانة فان عقوبة الاعدام ـ وهي قتل عمد في حقيقتهاـ تصدر عن الهيئات الحاكمة ويحميها القانون. وهنا تكمن الخطورة. إذن مَن يهدد أمن المجتمع بشكل واعٍ ومخطط؟ ومَن يمارس الدور الأساس في ترسيخ وتعميم القتل وجعله أمراً عادياً دستورياً وقانونياً؟ هي نفس الجهة التي تدعي مسؤولية حفظ أمن الفرد والمجتمع!
 

  • شارك الخبر