لا أحد مع الشارع او العصيان المدني. لا الكنيسة، ولا حلفاء ميشال عون، ولا "حزب الله"، ولا خصوم "الجنرال"، ولا الجيش، ولا حتى بعض العونيين الناقمين اليوم على أحوال بيتهم الداخلي قبل نقمتهم على أحوال المسيحيين!
تصفها غرفة العمليات في الرابية بـ "سرّ المهنة". اي الاجندة التي سيلجأ اليها العونيون لتنفيذ تهديداتهم المتعاظمة من تجاوز مكوّنات السلطة لمفهوم الشراكة واستيلائها على الحقوق المسيحية وإمعانها في تحويل الاستحقاقات الدستورية الى لائحة طعام A La carte!
عمليا الجميع ضد عون حين تصل الامور الى حدّ استخدام ورقة الشارع. حتى "حزب الله" نفسه كان وفي أكثر من مناسبة نصح "الجنرال" بالابتعاد عن هذا الخيار، فيما يرفع له العشرة في جولات الملاكمة على الحلبة السياسية. هو الى جانبه حتّى لو فجّر مزارعو الجنوب والبقاع غضبهم بوجهه ردّا على محاولات حليفه تجميد قرار دعم كلفة تصدير المنتجات الزراعية. وحتى لو بدا في مواجهة مباشرة هو بغنى عنها مع الاكثرية داخل الحكومة مما يفتّح العيون عليه أكثر.
يستطيع راصدو عون استهدافه في أكثر من محل خصوصا حين يبدو كمن قطع تذكرة "وان واي تيكيت" باتجاه الفوضى وقلب التوازنات الدقيقة التي حكمت الداخل منذ اندلاع الازمة في سوريا. شريحة واسعة من اللبنانيين يعتبرون اليوم ان ميشال عون على حق لكن ليس هكذا يتمّ استرداد الحقوق والصلاحيات وإعادة الاستحقاقات الدستورية الى سكة الالتزام بها. يقول هؤلاء "بمشاركة التيار الوطني الحر في حكومة نجيب ميقاتي التي كان كان له فيها حصة الاسد لم يتمكّن من فعل شئ، وبمشاركته في أضخم تظاهرة للمعارضة في وسط بيروت في كانون الاول 2006 بعد حرب تموز لم يتمكن هو وحلفاؤه من تطيير حكومة فؤاد السنيورة، فماذا يمكن ان يقدّم له الشارع اليوم او حتى المواجهة الكبرى في السياسة ضد حكومة محمية برموش عيون المجتمع الدولي؟
مع ذلك، ميشال عون على حق خصوصا حين يعترف ان الجميع يتكتّل ضدّه. وميشال عون على حق لأن ذهنية "الطبطبة" وتربيح الجميلة من كيس "المحرومين"، والمونة الموروثة من ايام الوصاية السورية، وثقافة التمديد الوقحة، والاعتلال في التوازن بين السلطات... كلّها أمور ثبتت بالممارسة والتجربة! في قاموس عون السيل بلغ الزبى. في قاموس خصومه هناك استحالة للخضوع لشروط "الجنرال" العنيد.
يبقى السؤال فقط ماذا يمكن ان يفعل ميشال عون وحده؟! بالتأكيد وقوف "حزب الله" الى جانبه عنصر قوة وتأثير لكن غير كاف في معركة عنوانها مسيحي صرف. رَفَع عون السقف كثيرا الى الحدّ الذي سيبدو فيه اي تراجع الى الوراء بمثابة ضربة سياسية موجعة ونكسة يصعب التخفيف من وقعها. لكن مَن يتحدّث عن التراجع؟ منذ بدايات الازمة كان ميشال عون يردّد بأنني سأفاجأهم حيث لا يتوقعون. كل مسار التصعيد يشي بأن الردّ سيكون قاسيا، لكن أحدا لا يمكن التنبوء بتداعياته لا على الحكومة ولا على النظام برمته...