hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - دافيد عيسى

بري وسلام... "DUO الضرورة"

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٥ - 08:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يكفي ان يكون لبنان محاطاً بعناية دولية ومحمياً تحت مظلة قرار دولي اقليمي إذا لم يكن هذا التوجه الخارجي مكملاً ومدعوماً بجهود ومساعٍ داخلية تصب في الهدف والاتجاه نفسه...
وفي خضم تطورات دراماتيكية متسارعة في كل المنطقة العربية وفي مرحلة الحروب المتداخلة... الحرب على الارهاب، والحروب بين الطوائف والمذاهب والاعراق، وفي ظل العواصف التي تلفح لبنان وحدوده، كان من الطبيعي ان يشعر اللبنانيون بكل ميولهم وانتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم بقلق بالغ على مستقبلهم ، وان يتفاقم هذا الشعور ويزداد مع انكشاف الوضع الداخلي وحصول فراغ في رئاسة الجمهورية انسحب تعطيلاً لمجلس النواب وبات يهدد عمل الحكومة وانتاجيتها المحدودة.
وهنا وبكل موضوعية اقول انه كان من المفروض ان تكون اثار ومفاعيل هذا «الوضع اليائس» سلبية وسيئة اكثر بكثير، لولا التناغم والتنسيق «والثنائية» بين رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة في ظل «سلطة مبتورة» بسبب الفراغ في رئاسة الجمهورية.
«ثنائية» جهدت وتجهد في احتواء الازمات وامتصاص الصدمات وتدوير الزوايا ومنع الانزلاق إلى الفراغ الكامل، وقد اثبتت بالتجربة والوقائع اقله حتى اليوم انها «DUO الضرورة» وكان دورها فعالاً في تجاوز الكثير من المطبات والافخاخ الحكومية والامنية...
ان علاقة نبيه بري مع تمام سلام علاقة ممتازة لا بل مميزة، وتعاونهما وتنسيقهما هو لتمرير هذه المرحلة الخطرة باقل اضرار ممكنة ، ولولا ذلك لسقطت الحكومة في «لعبة الفراغ» ولكان الشغور طال ايضاً المواقع العسكرية والامنية الرئيسية.
نبيه بري آخر الكبار في لبنان وهو المتمرس في السياسة والحكم منذ عقود، «عجنته وخبزته» التجارب والاحداث وبات صاحب خبرة لا تضاهى. وهذا السلوك ترجمه في السنوات والأشهر الماضية في عدة مناسبات واستحقاقات وكانت نتائجه ايجابية على الوطن وعلى سبيل المثال لا الحصر:
- حين ساهم بشكل كبير وفعال من خلال علاقاته الجيدة والتي لم تنقطع في اشد الظروف مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في ابعاد شبح الفتنة «السنيّة - الشيعية» واخماد نارها في الداخل اللبناني.
كما حاول من خلال مواقفه العاقلة والحكيمة ابعاد لبنان عامة والطائفة الشيعية خاصة عن الصراعات والحروب الدائرة في المنطقة ، وكان آخرها موقفه المسؤول من حرب اليمن والذي دعا الى حل سياسي للازمة، وعدم استعداء السعودية، وعدم تعريض علاقات لبنان ومصالح اللبنانيين في الخليج العربي للخطر.
- وكذلك كان دور بري حاسماً بالتعاون مع سعد الحريري في اطلاق الحوار بين «المستقبل وحزب الله» لتبريد الرؤوس الحامية وتهدئة الاوضاع والنفوس وايجاد آلية تفاهم حول الملفات الامنية في اطار الحرص على منع انفجار الوضع والتورط في الفتنة. ولا نبالغ إذا قلنا ان حوار عين التينة هو الذي ثبّت الحكومة وساهم في انجاحها وتسهيل امورها وفي تفكيك الكثير من العقد والالغام السياسية واطلاق الخطط الأمنية وتغطية مهام الجيش والقوى الامنية، إضافة إلى التخفيف من حالة الاحتقان والتشنج في الشارع الاسلامي.
- دور نبيه بري كان واضحاً في حفظ الميثاقية الوطنية وعدم التفريط بها وعدم خلق سوابق تتيح لاحقاً المسّ بخصوصية التركيبة اللبنانية وبالتوازن الوطني. فقد عمل بري على تغليب المصلحة الوطنية والمثاقية على المصلحة الفئوية والطائفية والتكتكات السياسية الداخلية.
واخيراً، لا آخراً، ساهم نبيه بري مساهمة فعالة وكبيرة في ولادة حكومة «الفراغ الرئاسي» وحال ايضاً من خلال حنكته السياسية ومواقفه المعتدلة و«مونته» على حلفاء وخصوم دون سقوط الحكومة وسقوط الدولة معها، وذلك عندما اعلن عن وجوب الفصل بين عمل الحكومة ومجمل الصراعات والتجاذبات والارتباطات الاقليمية، وكذلك عندما «فرمل» من خلال مواقفه الصائبة عدم الوصول إلى فراغات قيادية في المؤسسات العسكرية والامنية.
ومن ناحية ثانية فانه من حظ لبنان في هذه المرحلة الحساسة والمصيرية ان يكون شريك بري في هذا الحكم «المبتور» رجلاً اسمه تمام سلام والذي اثبت انه الانسب لهذه المرحلة والأقدر على التحمل والصبر والتعاطي مع التعقيدات والنتوءات السياسية بروية وحكمة واناة، وعلى ادارة التناقضات والخلافات والانفعالات بمرونة فائقة وهدوء منقطع النظير.
عندما تشكلت الحكومة الحالية تعاطى معها كثيرون من الاطراف السياسية على انها حكومة مؤقتة لمرحلة انتقالية قصيرة تنتهي بانتخاب رئيس الجمهورية. ولكن حصل ما كنا اول ما توقعناه ، من فراغ رئاسي وتعثر انتخاب رئيس لتكون النتيجة ان عمل هذه الحكومة هو الأدق والاصعب في تاريخ الحكومات اللبنانية، لانها تقوم بمهام وصلاحيات رئاسة الجمهورية... وكونها الحكومة الاطول عمراً طالما ان عمرها من عمر الازمة الرئاسية التي ستطول كثيراً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
عندما وقع الفراغ الرئاسي والقى بثقله على كاهل الحكومة، اعتقد كثيرون ان تمام سلام سينوء تحت هذا الحمل ولن يكون قادراً على تحمل اعباء المرحلة وضغوطها. ولكنه اثبت العكس سلوكاً وممارسة، وتبين وبالاذن من الصديق وائل ابو فاعور انه «مطابق لمواصفات» المرحلة. وهذا ما لا نستغربه من ابن الراحل الكبير صائب سلام الذي اشتهر بتطويع الازمات وترويض الانفعالات, وليتبين ان تمام سلام هو «سر ابيه».
»لبنان التفهم والتفاهم»، ولبنان الجناحان. هو في اساس تكوين شخصية تمام سلام ولبنانيته، فهو رجل عاقل وموزون وحكيم ورصين ووطني في ممارسته السياسية والعملية، ومن شب على شيء شاب عليه.
من هنا نجح وفي ظروف صعبة في ان يمشي بين النقاط ووسط حقول الالغام وفي ادارة جلسات مجلس الوزراء عندما حدد التوافق والاجماع مبدأ في اتخاذ القرارات، وهو الذي يحرص في مستهل كل جلسة حكومية على التذكير بشغور مركز الرئاسة والتنبيه إلى خطورة استمرار هذا الوضع وإلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد.
نحن مع «ثنائية» نبيه بري وتمام سلام في هذه المرحلة لتمرير الخطر عن لبنان، ونحن مع جهودهما في عدم تعريض وضع الحكومة للخطر لانها آخر المؤسسات الدستورية العاملة والنابضة بالحياة. ونحن معهما في الا يكون مبدأ اتخاذ القرارات بالتوافق والاجماع ذريعة او سبباً لتعطيل عمل الحكومة والناس، ونحن على ثقة بأنهما لن يسمحا في المقابل باستحداث آلية جديدة تجعل قرارات الحكومة سهلة وسريعة وتجعل التكيف مع عدم وجود رئيس للجمهورية أمراً اعتيادياً ومألوفاً.
في الختام نحن مع تجاوز مجمل الحساسيات والاشكالات والمصالح الخاصة والشخصية غير المبررة في الظروف الحالية والتي لا تتناسب مع طبيعة العمل الحكومي واستمرارها، وعلى الجميع ان يعرف ان أي لعب بوضع الحكومة ومصيرها سيكون لعباً بالنار ومساساً بخط احمر عريض، لأن الحكومة هي المؤتمنة على الجمهورية والرئاسة والاستقرار الامني والاقتصادي والاجتماعي وعلى مستقبل النظام والوطن وعلى مصير هذا الشعب القلق على مصيره ومستقبله والذي وصل الى «التحت الذي ليس تحت تحته تحت».
 

  • شارك الخبر