hit counter script

مقالات مختارة - نزار عبد القادر

ايران بين خيارين

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٥ - 06:50

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

منذ الانسحاب الاميركي من العراق في عام 2011 اصبحت الجمهورية الاسلامية الايرانية بقيادة علي خامنئي اللاعب الاساسي المؤثر في الجيوبوليتيك الشرق الاوسطي. ولم يسبق لايران ان تمتعت بنفوذ واسع بهذا الحجم في تاريخها الحديث، حتى في فترة حكم الشاه، الذي سعى جاهداً لمدّ النفوذ الايراني الى معظم ارجاء المنطقة، ولكنه لم ينجح في تحقيق هذا القدر من النفوذ، وقد يعود السبب الى فشله في لعب الورقة الشيعية في مختلف دول المحيطة او القريبة من ايران.
تتمتع ايران الآن بنفوذ واسع في العراق، ويمكن القول بأنها باتت تسيطر على القرارين الامني والسياسي، كما انها تتحكم بمسار الحرب ضد «الدولة الاسلامية» من خلال تبعية مختلف ميليشيات الحشد الشعبي لها، ومن خلال هيمنتها على مختلف القيادات العسكرية والأمنية العراقية والتي يعتبر رئيس الوزراء القائد الاعلى لها. ولا يقلّ موقع ايران ونفوذها في سوريا عما هو عليه في العراق، حيث يمكن اعتبار المرشد خامنئي كأبرز وأهم لاعب خارجي في الازمة السورية. ويمكن القول بأنه لولا الدعم السياسي والمالي والعسكري الذي تقدمه ايران لما استطاع نظام بشار الأسد من الصمود في دمشق لفترة تزيد عن اربع سنوات. وتسيطر ايران على الاوضاع السياسية في لبنان بشكل شبه كامل بواسطة حزب الله، والذي تحوّل الى قوة عسكرية هجومية، يمكن لايران نشرها واستعمالها في عدة جبهات قتالية اقليمية. اما في اليمن فقد نجحت ايران في دعم الحوثيين وتطوير قدراتهم العسكرية بقدر كاف للانقلاب على الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وسجن بعض اعضاء الحكومة ودفع الرئيس ومعه رئيس حكومته الى الفرار الى السعودية. والآن وفي ظل تراجع الالتزام الاميركي العسكري بالدفاع عن أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي فان ايران تحاول استغلال حالة الضعف والقلق من اجل مدّ نفوذها الى هذه الدول مستغلة بعض الشرائح الشيعية داخل هذه المجتمعات.
بعد اندلاع احداث «الربيع العربي» والتطورات الدراماتيكية التي شهدتها عدة دول، ومن بينها قوى اقليمية رئيسية كمصر والعراق وسوريا، فقد اعتمدت ايران استراتيجية هجومية، محاولة استغلال هذا الضعف العربي العام لزيادة نفوذها، واخضاع بعض هذه الدول بشكل مباشر لهيمنتها السياسية والامنية.
منذ سقوط حكم الرئيس محمد مرسي فان مصر تشهد سلسلة اهتزازات أمنية وسياسية متلاحقة، في الوقت الذي تشهد فيه سيناء حرباً واسعة بين الجيش المصري ومجموعات اصولية ارهابية، ويبدو بأن هذه الحرب هي طويلة ومعقدة. في هذا الوقت ومنذ سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر تحاول المملكة العربية السعودية ومعها دولة الامارات ودولة الكويت مساعدة الرئيس عبد الفتاح السيسي من اجل السيطرة على الاوضاع الداخلية وتأهيل مصر من جديد للعب دور اقليمي فاعل. لكن يبدو بأن استعادة مصر لهذا الدور «الغائب» ليست متاحة الآن، ولا تتوافر لها القدرة لقيادة تحالف مع دول الخليج للوقوف في وجه الدور الايراني، الساعي الى فرض هيمنته على المنطقة، بحثاً عن بناء امبراطورية ايرانية جديدة، عاصمتها بغداد، وفق ما جاء في تصريحات بعض المسؤولين الايرانيين المحسوبين على القيادة الدينية المحافظة.
اتهمت ايران خلال العقود الثلاثة الماضية من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية واسرائيل بمساعدة وحماية بعض الجماعات «الارهابية»، وبتشكيل محور «الممانعة» المعادي للولايات المتحدة وللوجود الاسرائيلي. واتخذت هذه السياسة طابع التحدي العلني المترافق مع تهديدات مباشرة على لسان رئيس الجمهورية المحافظ محمود احمدي نجاد خلال ثماني سنوات من حكمه. تسببت هذه السياسة الساعية الى مدّ النفوذ الايراني باتجاه مختلف الدول العربية، مع التكاليف المترتبة على متابعة البرنامج النووي الايراني الطموح بأضرار بالغة على الاقتصاد الايراني، وعلى مستوى معيشة المواطنين الايرانيين. وازدادت ترددات هذه السياسات على المستويين الاقتصادي والمالي جراء نظام العقوبات الدولي والاميركي والاوروبي المفروض على ايران منذ سنوات طويلة. ولا بدّ في هذا السياق من ذكر ما تتحمله ايران من نفقات باهظة نتيجة سياساتها الهادفة الى دعم النظام السوري مالياً واقتصادياً وعسكرياً من اجل منع سقوطه، وذلك ادراكاً من القيادة الايرانية لأهمية الحفاظ على سوريا كجزء اساسي من محور «المقاومة والممانعة. ان سقوط الحكم في دمشق سيؤدي حتماً الى زعزعة كامل المشروع الايراني في بلاد الشام، ومعه الطموح بالوصول الى شاطئ المتوسط، ولعب دور اساسي في الصراع العربي - الاسرائيلي.
منذ انتخاب الرئيس «الاصلاحي» حسن روحاني، بدأت الحكومة الايرانية وبتفويض من المرشد خامنئي بالتفاوض مع القوى الدولية الست للتوصل الى تسوية في ما يعود لبرنامجها النووي الطموح، وذلك ضمن مسار سياسي يخرجها من عزلتها السياسية والاقتصادية، ويؤمن لها بالتالي استعادة الاموال المجمدة في المصارف الغربية منذ انهيار حكم الشاه عام 1979 وقيام الجمهورية الاسلامية، كما يؤمن لها عودة الاستثمارات الاجنبية، والتي هي بأمسّ الحاجة اليها بعد عقود من المقاطعة الغربية كان من المفترض ان تتوصل ايران اليوم في 30 حزيران 2015 الى اتفاق نهائي مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن زائد المانيا، ولكن يبدو بأن بعض العقبات التقنية قد حالت دون ذلك، وان الاتجاه السائد يتمثل الآن بتمديد المفاوضات لمدة شهر اضافي. اذا نجحت المفاوضات خلال الفترة الممددة، فان الاتفاق سيقضي برفع العقوبات بصورة تدريجية عن ايران، وهذا سيؤدي حتماً الى استعادتها تدريجيا لعشرات المليارات من الدولارات، والتي هي بأمسّ الحاجة اليها لدعم اقتصادها من جهة، ودعم سياساتها الخارجية، وبالتالي الحؤول دون تساقط مشروعها الهادف الى الهيمنة على المنطقة، السؤال المطروح بقوة من مختلف المراقبين، ومن قبل عدد من القيادات في الدول العربية الخليجية يتمثل بمدى تأثير نجاح المفاوضات على السياسة الخارجية الايرانية؟
تقف ايران امام خيارين: الاول، يتركز على طموحات السياسة الخارجية التي يديرها المرشد خامنئي والتيار المتشدد ومعهما الحرس الثوري الايراني، مع ما يمكن ان يحصل من دعم اضافي لهذه السياسة من خلال توجيه قسم من الاموال المفرج عنها في هذا الاتجاه. والخيار الثاني، يتمثل بالمشروع الانفتاحي والانمائي الذي وعد الرئيس حسين روحاني بتنفيذه، والذي يطمح الى تقليد التجربة الصينية في الافتتاح على العالم، وتوجيه الاموال المفرج عنها وتشجيع الاستثمارات من اجل بناء الاقتصاد، ورفع المعاناة الاجتماعية والمعيشية عن كاهل الشعب الايراني. لقد مرّت سنتان من رئاسة روحاني، دون ان يستطيع ان يحقق اي من وعوده، ودون ان ينجح في ضبط الانفاق على السياسة الخارجية التي ارهقت الاقتصاد والشعب الايرانيين.
سأحاول في تحليل لاحق دراسة مفاعيل تحرير الأموال الايرانية على الاقتصاد والسياسة الخارجية.
 

  • شارك الخبر