hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - نبيه البرجي

بريما كوف ... ومجانين أميركا

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٥ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

الذي قال لنا الا غرابة ان تتعفن الانظمة. الصدمة ان تنتقل العدوى الى المجتمعات التي بدل ان تثور وتعيد هيكلة السلطة على قواعد تتفاعل مع ديناميات الحداثة، تتفكك وتتفتت. في هذه الحال اما ان تنشأ انظمة لا تقل هولا (وتعفناً) او ان تندلع الحروب الاهلية وحيث الجميع، في نهاية المطاف، يذهبون الى الحطام...
اذاً، مات يفغيني بريما كوف الذي كان شغفاً بالشرق الاوسط، بل كان شغفاً بنا ويحاول ان يزجي الينا النصيحة لكي نفهم انفسنا اكثر ولكي نفهم العالم اكثر. هو اليهودي الذي قال انه تخلى عن ثقافة التوراة «لانها إما ان تحولك الى قاتل او تحولك الى مخبول»، دون ان ينسى، ضاحكا وحتى الثمالة، ما قاله اليهودي الآخر، والفذ، البرت اينشتاين عن اولئك اليهود الذين يقومون بحركات عجيبة عند حائط المبكى...
وقال «اخشى على المسلمين ان يصبحوا توراتيين، وتلموديين، اكثر من اليهود»، ليلاحظ «انكم تراقصون الاوثان، وسواء الاوثان التي في السلطة او الاوثان التي تأتون بها من الغيب»، ناهيك عن الاوثان التي تستنزف ثرواتنا وحتى خيالنا والتي تحمينا بالاساطيل...
بريماكوف الذي رأى اننا نتعامل مع انصاف القادة على انهم انصاف الآلهة، استغرب كيف اننا لا نستطيع ان ننتج قائدا تاريخيا ينتشلنا من قعر الازمنة. قال ان جمال عبد الناصر كان تلك الظاهرة التي هزت عظام العرب، وحتى العظام البالية، من المحيط الى الخليج، يضيف ليس الاميركيون الذين حطموا الظاهرة ولا الاسرائيليون. العرب فعلوا ذلك، بذلك المال الغبي طاردوا الرجل في كل مكان الى ان كان الموت هو سبيله، او خياره، الوحيد للخلاص.
المال إياه في نظر رجل الدولة ورجل الاستخبارات، كذلك رجل الاعلام، والديبلوماسي المحنك، هو الذي دمّر العرب، فيما امم اخرى، شعوب اخرى، تصنع بايديها المال مثلما تصنع بايديها الحياة. كان يقدم دائما المثال في اليابان التي حولت الدين من دين عمودي، وحيث الناس يتلاشون في الغيب، الى دين افقي يعمل لتطوير، وتثوير، الناس وحتى تثوير الاشياء!
موقفه كان قاطعا من الاسلام وحيث الفوضى الايديولوجية تبدو وكأنها افضت الى تبديد ذلك الارث الفذ. على الاقل ذلك الجانب المضيء من التراث، فالمسلمون عاشوا عصورا ذهبية حين كان هناك من يعتقد ان النص لا يقتل الدنيا ولا يقتل الحياة. الآن، ذلك النص الآخر الذي يقتل الدنيا و يقتل الحياة...
كان يفغيني بريما كوف يتحدث عن «مجانين اميركا» وكان يقول «حتى انهم وضعوا على رأس السيد المسيح قبعة الكاوبوي». هؤلاء المجانين في التكنولوجيا دفعوا بالبشرية قرونا الى الامام.لولاهم لكان العالم الان لا يزال في القرن التاسع عشر، ودون ان يعني ذلك اغفال المنجزات الاوروبية في هذا المجال، لكن اوروبا كانت مسكونة بقعقعة السلاح، وكانت تأتي بمواردها من افريقيا وآسيا وحتى من اميركا...
المشكلة في كيفية تعاطي اولئك المجانين مع الاستراتيجيا. الآخرون ليسوا سوى الهنود الحمر بألوان مختلفة، ليسأل ما اذا كان البيوريتانز (الطهرانيون) الانكليز الذين فروا الى العالم الجديد، وقد تمثلوا التوراة بكل تفاصيلها، هم من زرعوا في اللاوعي الاميركي، وسواء كان دينيا ام سياسيا، الغاء الآخر...
بتواضع شديد تحدث بريما كوف عن دوره في الحيلولة دون تنفيذ السيناريو الاميركي الذي كان يرمي الى تفكيك الاتحاد الروسي بعدما زال الاتحاد السوفياتي، ويكشف انه زار الصين وزار الهند من اجل اقامة ذلك الثالوث الاستراتيجي الذي يرسي قواعد مختلفة للنظام العالمي بعدما اعتقد الاميركيون ان ثمة قطبا واحدا يستطيع جر الكرة الارضية بكل تعقيداتها وبكل مشكلاتها وبكل احلامها...
يقول ان الاميركيين اقصوه بفظاظة عن الكرملين بعدما اقترب منه كثيرا ظنا منهم «انني مسكون بالهاجس السوفياتي و بأنني سأعيد احياء روسيا. ولا ادري ماذا يقولون الآن بعدما امسك فلاديمير بوتين بالسلطة، وهو الآتي من «الحلم الروسي». لا شك ان ذلك فاجأهم كثيرا بعدما مضى بهم الخيال حد الاعتقاد ان باستطاعتهم وضع اليد على روسيا وضمها الى ممتلكاتهم».
يفغيني بريما كوف اوصى ببعض الشموع تضاء فوق قبره «لانني اخاف العتمة كثيرا، مع ان سنوات المرض جعلتني اتكيف مع الظل». غادرنا...
 

  • شارك الخبر