hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جوني منير

لهيب يُواكب ولادة الإتفاق

الإثنين ١٥ حزيران ٢٠١٥ - 07:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

لا مبالغة في الاعتقاد بأنّ دافع الحماوة الحاصلة يبقى الاتفاق الأميركي - الإيراني. ذلك أنّ الاعتقاد الراسخ لدى الكثير من الديبلوماسيين أنّ مرحلة جديدة ستبدأ مع توقيع هذا الاتفاق، لذلك لم يتردّد العديد من المراقبين الأميركيين في تشبيه توقيع الاتفاق بالمحطة التاريخية في سبعينيات القرن الماضي عندما نجح هنري كيسنجر في إتمام المصالحة بين بلاده والصين.

اتفاق حتمي بالنسبة الى البلدين أو كما ردّد السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل بأنْ لا خيارَ أمام واشنطن وطهران إلّا انجاز هذا الاتفاق. في أيّ حال، فإنّ شروع الشركات الاميركية الضخمة في استثماراتها في الاسواق الايرانية المتعطشة لكلّ أنواع الاستثمار بعد عقود من العزل والحصار، إنما يؤكد أنّ الاتفاق حتميّ وعلى قاب قوسين من الولادة. والأهم أنّ هذا الاتفاق الاميركي - الايراني سيعني ظهور خريطة جيوسياسية جديدة في الشرق الاوسط كما أورد كيسنجر في كتابه الصادر أخيراً.

ومن هذا المنظار يجب قراءة التطورات الاخيرة التي ألهبت الساحات دفعة واحدة. فعلى الساحة السورية نجح خصوم الرئيس بشار الاسد في التقاط بعض الاوراق الميدانية أملاً في استثمارها على طاولة الحوار وفي مشاريع التسويات، وتبقى أبرز تلك الاوراق معركة جسر الشغور التي هدَّدت عملياً منطقة اللاذقية حيث النفوذ الاقوى للأسد.

لكنّ هذه المجموعات فشلت في المقابل، أقله حتى الآن، في السيطرة على كامل حلب لتشكل لاحقاً عاصمة المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة، كما أنها فشلت في الاقتراب من دمشق من الجهة الجنوبية.

في هذا الوقت وقياساً الى عنف المعارك، قرّر النظام السوري بالتحالف مع «حزب الله»، «تطهير» المناطق التي تُعتبر معقلاً له امتداداً من الساحل السوري مروراً بالقلمون وصولاً الى دمشق، وجعلها مناطق صافية.

وفيما يتحضّر الجيش السوري لاستعادة جسر الشغور، عزّز قواته في حمص بالتنسيق مع «حزب الله» لمنع «داعش» من الوصول الى الشمال اللبناني ونشر الفوضى فيه.

كذلك يتحضّر الجيش السوري ومعه «حزب الله» لإنهاء وضع الزبداني قريباً جداً، مع ما يعني ذلك السيطرة على كامل هذه المنطقة، ما يجعل الاسد صاحب كلمة اساسية في التسويات المطروحة وتقاسم سوريا عبر فدرالية او وفق معادلة «الاخوة - الاعداء» ضمن الدولة الواحدة.

وفي كوباني اشارة تركية واضحة برفض الدولة الكردية الجاري رسمها، وقد صرّح بذلك علناً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الخارج جريحاً من انتخاباته. وهناك مَن رأى أنّ الرئيس التركي الذي تلقّى ضربة سياسية قوية في الانتخابات بسبب الاكراد، ردّ التحية بالمثل في كوباني من خلال فتح الطريق لـ«داعش» موجِهاً في الوقت نفسه رسالة اعتراض قوية على تهديد الكيان الكردي حتى الحدود التركية وهو ما يتفق على رفضه جميع الاتراك.

إذاً ترتيبات عنيفة في سوريا بالتزامن مع اقتراب ولادة الاتفاق الاميركي - الايراني، واستمرار العنف في اليمن بعد جلسة حوار فاشلة بين الاطراف المتضاربة، وضغوط ميدانية في العراق. لكنّ الجديد العمليات الارهابية لـ»داعش» في الكويت وتونس وفرنسا.

البعض فسر هجمة «داعش» الارهابية بأنها انسجام مع أوّل جمعة في شهر رمضان. لكنّ ثمّة رسالة سياسية أخرى أكثر اهمية ولها علاقة بتصعيد العمليات قبيل الاتفاق المتوقع. وكانت تلك الرسالة واضحة خصوصاً في فرنسا حيث قُطع رأس مدير الشركة ووُضع على السور. فقيادة «داعش» التي أثبتت ذكاءً ودهاءً عاليَين في التخطيط واختيار الاهداف، أرادت توجيه رسالة إنذار دموية للدول المعنية بتوقيع الاتفاق النووي بهدف ردعها.

لذلك مثلاً، اختير الهدف في تونس بعناية حيث ركز الارهابي على قتل الرعايا الأوروبيين دون سواهم، وهو ما دفع الدول الاوروبية الى رفع درجة تأهّبها. وربما انطلاقاً من ذلك رفع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس شروطَ بلاده للموافقة على الاتفاق بعد ساعات على العمل الارهابي.

لكن على رغم كلّ هذه الفوضى والجلبة والارتباك الامني، فإنّ العواصم الغربية باشرت ومنذ فترة تركيز دعائم سياستها المستقبلية وعلى أساس بدء حقبة جديدة تشكل فيها إيران شريكاً رئيساً في المنطقة.

هكذا مثلاً عيّنت باريس سفيرها السابق في طهران برونو فوشيه BRUNO FOUCHER مسؤولاً عن قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية مكان جان فرنسوا جيرو الذي أصبح سفيراً لبلاده في المغرب.

وكذلك حلّ دافيد سفاكل DAVID SVACL مكانَ إيمانويل بون مسؤولاً عن الشرق الاوسط في قصر الاليزيه، وحيث أصبح بون سفيراً لبلاده في بيروت.

وفي هذه التعيينات بدت الادارة الفرنسية حريصة على إيلاء خبراء في الملف الايراني مواقع حساسة في صنع القرار في الشرق الاوسط.
وتتحضّر باريس بالتعاون مع واشنطن لوضع خريطة طريق ديبلوماسية تتعلق بملفَي لبنان وسوريا على أن يبدأ التحرّك فور توقيع الاتفاق النهائي.

وتدرك باريس أنّ دوراً مهماً ستلعبه موسكو وهو ما يتوجب مراعاة مصالحها، اضف الى ذلك وجوب التواصل المباشَر مع «حزب الله» حيث يعترف الديبلوماسيون الغربيون بأنه التزم التزاماً كاملاً الحفاظ على الاستقرار الامني اللبناني الداخلي على رغم دقة وخطورة الوضع في سوريا، ما يعني الكثير للعواصم الغربية.

  • شارك الخبر