hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ضحى شمس

دروز لبنان عن دروز سوريا: صمتنا أو تحركنا رهن الزعيم

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٥ - 07:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

من يراقب الدروز من بعيد يخرج معجباً بتضامنهم الطائفي. لكنهم كتلة فيها امراض بقية النسيج اللبناني، من العنصرية والطبقية وصولا الى التبعية العمياء للزعيم. يؤكّد البعض أن الدرزي «بياخذ ثأره ولو بعد خمسين سنة». إلا أن من يصغي لآراء آخرين إثر مجزرة «قلب لوزة» السورية، يخلص إلى أن وجود استثناءات، وهي مرتبطة بالألعاب السياسية

بصعوبة، تصدّق، وأنت تقف على الطريق العام عند مدخل عالية، أن هذه المدينة مصنفة كمصيف. تكاد ثيابك تتشح بسواد مخلّفات عوادم الصهاريج والشاحنات لوقوفك مجرد عشر دقائق، فيما يصم أذنيك ضجيج مرورها الصاخب. ضجيج يدفعك في اتجاه البلدة القديمة، حيث المحلات مفتوحة عشية شهر رمضان. وهو شهر يعني هنا، النازحين السوريين أو العمال المصريين فقط. محلات قديمة وجديدة، تتنوّع بضائعها بين منتجات العطارة والأعشاب والأواني المنزلية وتجارة أسلحة... الصيد، مبدئياً .

ما هو صدى مجزرة قرية قلب لوزة السورية هنا، وإلى أي مدى دروز لبنان معنيون به؟ أهو حادث فردي كما صرح النائب وليد جنبلاط؟ ومن الأهم في ظرف وجودي كهذا: الزعيم أم العشيرة والطائفة التي يصنفها العارفون كطائفة مقاتلة؟
تختار المنطقة لأنها معروفة بنفوذ قوي للعصبية الجنبلاطية. وإن كان ليس سهلاً استصراح الدروز عن أحوالهم، خصوصاً عندما ترتبط بموقف معلن لزعيم بحجم جنبلاط من قضية حساسة كمجزرة قلب لوزة. يضيع المُستفتون بين «واجب» تبرير تصريحات الزعيم من دون التطرق إلى «الأسرار»، وواجب «مؤازرة الإخوان».
«الدروز طائفة واحدة أينما كانوا»، يقول شادي عبد الخالق الذي أرشدنا أصدقاء إليه لأنه «صريح». ويتابع: «هم الموحدون الذين يموتون ويولدون من بعضهم، بغض النظر عن زعمائهم»، وهو يقصد هنا معتقد التقمص.

«جنبلاط مع التهدئة، وكل تاريخه يؤكد أنه يرى إلى الأمام، ولا يمكنه أن يقول في الإعلام إلا أن الموضوع حادث فردي» (هيثم الموسوي)
ما الذي حصل في قلب لوزة؟ يجيب: «الحرب في سوريا مذهبية... الغرب واليهود والأميركان ماشيين بتفتيت البلدان العربية مذاهب وقوميات. في حدث قلب لوزة، لكل رأيه. الرئيس جنبلاط مع التهدئة، وكل تاريخه يؤكد أنه ذكي يرى إلى الأمام، ولا يمكنه أن يقول في الإعلام إلا أن الموضوع حادث فردي. لكن واقع الحال أنّ هناك 25 ألف درزي في جبل السمّاق، وهم أقلية بالنسبة إلى محيطهم السني. وفي ظل حكم النصرة وداعش، من الطبيعي أن يكونوا مضطهدين: فرضت عليهم الشريعة ثم هدمت أضرحتهم... جزء رحل وجزء بقي. لجنبلاط مساعيه مع الأردن وقطر وتركيا، لكن المساعي شيء وما يحصل ميدانياً شيء آخر».
وهل تكون حمايتهم بالقول إنه حادث فردي؟ يعترف: «ما بيحمي، بس (جنبلاط) عمل اللي عليه». ويردف: «كان يستطيع أن يخطب خطاباً يميل إلى التهدئة غير خطاب الحادث الفردي. شو هالحادث الفردي ببلد بيوقع كل يوم فيه مائة قتيل! طيب إذا حادث فردي بإدلب، خلينا نشوف شو صار بـ(بلدتي) حَضَر وعرنة وشو عم يصير بجنوب السويداء. كمان هيدا حادث فردي؟».
وعندما تقول له أن الشارع يبدو متقبلا لمقولة جنبلاط، يجيب: «الدروز مش متقبلين. هم حذرون ليحافظوا على بقائهم. ليس لنا إلا أرضنا مهما كانت اللعبة الدولية. نعمل واجبنا، ساعتها ممكن نفلح بتغيير اللعبة، ويمكن اليهود والغرب يحيّدوا عنا». كيف سيفلح؟ «بالقتال والبقاء في الأرض والتمسك بقوميتنا العربية». لكن متى و«هم» يستفردون الدروز؟ يقول: «قريباً جداً بتتغير المعادلة وبتشوفي شو بيطلع من الدروز. كل أبناء الطايفة بكل انتماءاتهم السياسية، حين يتعرضون لانتهاكات يصبحون يداً واحدة. دروز لبنان أيضاً مهددون! هل تظنين أن داعش والنصرة ستبقيان في سوريا؟ شو بيضمن انو بكرة ما يكونوا بلبنان؟». ألا يعني ذلك ضرورة وضع اليد بيد المقاومة؟ فيردّ: «والله المرحلة واصلة انو كل واحد يحكّ جلده. بيكفيها همومها. ع كل الدروز هونيك عددهم كبير مش بحاجة لإعانة. والتمويل لاجل شراء السلاح يرسله المغتربون الدروز بالعالم». يقول بثقة: «أكتر ما بتتصوري مهتمين باللي صار بقلب لوزة، ولكن في الكواليس». وما الذي يفعلونه؟ يجيب: «هلق المقاومة بتقول شو عم تعمل بالكواليس؟ بس وضعها مبين ع الجبهة». كان هذا الحديث قبل اعتراض دروز فلسطينيين لسيارة إسعاف تقل جرحى لـ»النصرة» إلى إسرائيل!. في السوبر ماركت، يقول شادي مسعود الذي كان يشرب فنجان نسكافيه مع رفيقه صاحب المكان، وبعد أن قدمنا أنفسنا على أننا من جريدة «الأخبار»: «اهه! خليني احكيكي أوسع من دروز لبنان: نحن مع أي قوة بتسقط نظام بشار. دروز سوريا مواطنون سوريون مثل غيرهم، وطبعاً نتهم مخابرات بشار باللي صار لدروز قلب لوزة، وبتحريك داعش في توقيت مشبوه على حدود السويداء». ولكن إن كان الأسد هو من يحرك «النصرة» و»داعش»، فمن يحارب في سوريا؟ يجيب متراجعاً شيئاً ما تجاوباً مع ابتسامة السخرية: «إذا مش النصرة أكيد داعش».


الدروز طائفة واحدة أينما كانوا وهم يموتون ويولدون من بعضهم بغض النظر عن زعمائهم
وعن مجزرة قلب لوزة؟ يجيب: «ندينها طبعاً، لأنها مجزرة بحق الشعب السوري مثل باقي المحافظات». ويضيف بنوع من الانتصار: «التعاطف درزياً قليل، ولكنه مع الشعب السوري كبير». أليس هذا مخالفاً للطبيعة الدرزية؟ يجيب: «أنا عم احكي عن حالي».
هذا «الحوار» يبدو أنه لم يشجع صديقه عفيف سليقة على التجاوب. يقول إنه «مضطر للانصراف». نسأله إجابة سريعة، فيقول: «نحن لا شك متأثرون باللي صار. للأسف لم نكن نتوقع من جبهة النصرة هذا السلوك، وأنا مع كل درزي بسوريا». نسأله: إلى أي حد؟ يعني إن قرع «طبق النحاس» ماذا تفعل؟ يجيب فوراً: «نحن جاهزون». ويضيف بعد لحظة تفكير: «... لمساندة أهلنا في سوريا».
في محلات «الغذاء الأخضر» للعطارة وأسلحة الصيد، يقف شيخ بلباسه الديني إلى جانب رجل ستيني يتحادثان. يبدي الشيخ قابلية للحديث. «بالعكس. كطائفة، كيف ما ضربتيها بترن. بس بما انو أخذوا الأمور ع أساس حادث فردي، واجا وعد بتسليم اللي عمل هالشغلة، هديت. في متابعة من الكبار». ويردف مع مشروع ابتسامة تواطؤ أضاءت وجهه المتجهم: «أصلاً قتل خمسة من النصرة بالإشكال. يعني راحوا الخمسة قبل ما ينقتلوا جماعتنا».
يتبدى أن الرجل «المدني» بجانبه، شخصية معروفة. ينفي الدكتور شفيق باز أن يكون الهدوء في مناطق الدروز دليلاً على عدم الاهتمام. «كانت ردة الفعل بالأول شاملة وعنيفة. يعني في ناس طلبت التطوع بعالية والمنطقة. حصلت فورة. وُجّهت دعوة الى عقد لقاء عاجل في جمعية الرسالة الاجتماعية، لكن جاء الرد سريعاً جداً وتحذيرياً، بمعنى أن هذا الاجتماع مشبوه، وما حدا بيحضروا فأُلغي». نستفهم: باسم من تم التحذير؟ يجيب: «باسم مشايخ عالية والمنطقة والأهالي». حسناً، وماذا بعد؟ يجيب: «المشايخ صراحة قطعوا شوطاً كبيراً بهالمرحلة، حسب علمي، تنظيماً وتدريباً». وماذا عن الخطوة التالية؟ «طلّعوا (النصرة) بيان اعتذار، وهذا استوعب الناس، لكن الترابط دائم بقضايا الوضع العام. يعني الظروف تتحكم. فجبل السماق صعب الوصول إليه، وهذا ما هدّأ الموضوع، وناطرين أخبار السويداء، فالوضع هناك متقدم وارتاحوا بهاليومين لأنهم رجعوا ضربوا داعش والنصرة بمساعدة الجيش والأهالي». وهل عاد الجيش وقدم السلاح للأهالي؟ يقول: «الهيئة رجعوا فتحولهم. يبدو أن الأصداء جيدة».
في أحد البيوت، يفضل الشاب الذي استقبلنا على مصطبة البيت أن يحلل الوضع اجتماعياً. يعزو «رخاوة» ردة الفعل الدرزية التالية لبيان جنبلاط، إلى العلاقة البعيدة نسبياً بين دروز لبنان ودروز حلب وإدلب: لا عمال يأتون من هناك، ولا زيارات اجتماعية. ويلفت إلى أن «المحبة مفقودة بين دروز السويدا ولبنان». أما السبب فعنصرية لبنانية «طبيعية» تجاه العمال مقابل المحبة للزعيم: «هيدا موقف عنصري: أولاً لبناني/سوري، وتالياً طبقي. يعني تاريخياً الزعامة والسياسة عند الدروز هي في جبل لبنان، أما دروز حاصبيا وراشيا فهم فئة ثانية. في سوريا دروز جرمانا (بالقرب من دمشق، وهم أكبر تجمّع بعد السويداء) هم فئة ثانية، ودروز السويدا فئة ثالثة، يعني عمال». ويستشهد على ذلك بمحطات كلام عادية درزياً من نوع «إذا زعل من مرتو بيقلها بطلع بجيب بدالك أربعة من السويدا».
كان هذا الكلام قبل المجزرة، فماذا بعدها؟ يجيب: «بالعربي، دروز لبنان ما بيعرفوا شي عن قلب لوزة، لذا بنيت مواقفهم على المرجعيات السياسية الدينية الثلاث: جنبلاط/نعيم حسن، أو طلال ارسلان /ناصر الدين الغريب، أو وئام وهاب ومشايخه».
يقاطع شخص آخر في الجلسة: «يضاف إلى ذلك وضع السويداء: إنو هلق على أبواب معركة مع «النصرة» على حدود السهل (حوران) وتنظيم داعش صار واصل من صوب تدمر (نحو 700 مقاتل) وصاروا على بعد 30 كلم، والخطاب السياسي يقول خلينا بالسويداء (فيها أكثرية دروز سوريا أي نحو 300 ألف). ولما طلع خبر إنو عم ينسحب الجيش السوري وعم يتخلى عن السويداء، وكان في ذلك شيء من الصحة، لانهم اعلنوا وقتها ان لديهم اولويات اخرى كتمكين سيطرتهم على دمشق، «استخدموها» هنا، لا بل طلع وئام وهاب يذكر النظام بأن السويداء طول عمرها معه. وحين يقول وهاب هذا الكلام فمعنى ذلك أن الوضع سيئ فوق». ويستشهد بأنه «حين زار وزير الدفاع السوري السويداء قالوا له إنهم يريدون سلاحاً، فكان جوابه أن في السويداء 27 ألف شاب متخلف عن الخدمة العسكرية. فأجابوه: نحن مستعدون لتجنيد 50 ألفاً لكن للخدمة بمناطقنا، على أساس أنهم على حدود الأردن، ومدينة درعا سقطت، وفي الأصل الصراع تاريخي بين الجبل والسهل (دروز/سنّة)، فلم يقبلوا. عندها بدأ الجماعة اللي ضد النظام تصرخ: شوفوهم ما سلحونا»!
وإذا حصل تصعيد في السويداء، فهل يبقى دروز لبنان محايدين؟ يجيب: «إذا حصل حينها صمت سياسي، فمعنى ذلك إيحاء بالدخول في القتال، أما الجهوزية؟ فمطلقة». يعني؟ يقول: «أنا اتكلم عن المشايخ، هم يتدربون ويتسلحون منذ 7 أيار، وإذا صار في إيعاز، كلو بيطلع».
 

  • شارك الخبر