hit counter script

مقالات مختارة - نادر حجاز

جلسات اللامبالاة تفضح سوء النوايا

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٥ - 06:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

البلد

وحدها طيور الحمام في ساحة النجمة توحي بالحياة في تلك الساحة الخالية من الشعب وممثليهم، الا بعضهم، حتى المقاهي تبحث عن روادها على ابواب موسم الصيف المعطّل هو ايضاً.
دعوة الرئيس نبيه بري وإرجاؤه المحسوم سلفاً لجلسات انتخاب الرئيس الـ 25 الماضية، بات مشهدا روتينيا اعتاد عليه اللبنانيون، في ظل عدم اكتراث معيب من قبل غالبية نواب الامة الذين لم ينزل منهم امس الا 46 نائبا الى البرلمان، والعدد الى تناقص دائم جلسة بعد جلسة.

جميعهم يدعون الى وضع حد للشغور الرئاسي، وحفلات المزايدات لا تنتهي فوق المنابر من الجنوب الى الشمال. فالمسؤول في لبنان يحلل سياسة العالم ويرسم معالم الشرق الاوسط الجديد ويتسابق على برامج الحوارات السياسية الصباحية والمسائية ويتوقع مصير هذا الحاكم او ذاك ويطالب بحق تقرير المصير لشعوب المنطقة ويهنئ كل رئيس منتخب في العالم او وزير معيّن في دولة شقيقة، لكنه عاجز عن القيام بأبسط واجباته بانتخاب رئيس لبلاده قبل وصول كلمة السر المقدسة.

لم يعد من مكان للعبة حافة الهاوية وللمصالح الضيقة لكلا الفريقين المتخاصمين لإيصال هذا المرشح او ذاك الى سدة الرئاسة، فالمرحلة باتت تلامس الخطوط الحمراء التي تتطلب قرارات بحجم المخاطر التي تهدد اهم المقدسات التي قام عليها لبنان والمتمثلة بكيانه وميثاقه وصيغته. واذا كانت الاوضاع الاقليمية حالت طوال هذه الفترة دون انتخاب الرئيس، فمن يضمن ان المستقبل سيحمل ما هو مختلف؟ خصوصا اذا ما صدقت تحذيرات وصلت مؤخرا الى آذان المسؤولين والمرجعيات بأن تطورات مفاجئة قد يشهدها الجوار وعلى اللبنانيين ان يكونوا حذرين وان يتحصنوا سياسياً وامنياً.

الا ان اخطر ما في هذه المرحلة المأزومة من تاريخ لبنان هو الاعتياد على الفراغ واستسهال التعطيل وشل مؤسسات الدولة واستمرار البلد كما لو ان شيئا لم يكن، في حين يتجرأ البعض على تعطيل مؤسسات دستورية اساسية، من دون ان يقوم بأي جهد لوضع حد للشغور الاكبر في الدولة ولو معنوياً بالنزول الى مجلس النواب وتأمين النصاب القانوني المطلوب لانتخاب الرئيس، رغم ان النوايا المعلنة توحي بعكس ذلك رغم عجزها حتى اللحظة عن كسر بعض العقد السلطوية الموروثة وتقديم مصلحة البلد على اي مصلحة اخرى.

ليس من جديد يلوح في الافق، فكل المبادرات التي تم طرحها باءت بالفشل والحراك الدبلوماسي مؤخرا لم يتعدى كونه حراكا استطلاعياً على ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة ومدى انعكاسها على لبنان، في حين ان الجميع مدرك ان اللبنانيين عاجزون تماماً عن حسم مصير هذه الازمة وإيجاد مخرج يرضي الجميع من دون اشارة خارجية، في حين ان هذه الاشارة مفقودة في ظل المحاور المتصارعة اقليمياً والتي تأخذ من لبنان الرهينة التي لا يريد احد ان يضحي بها، لما يشكله من مساحة مفتوحة توفر حرية الحركة ويمكن استغلالها في اي لحظة كصندوق بريد عابر للحدود.
لا رئيس في لبنان قبل التسوية في سورية، مهما طالت هذه التسوية، فتورّط اللبنانيين بالصراع السوري جعلهم جزءا من الازمة، وإن حاولوا تنظيم خلافاتهم داخلياً وتأمين الحد الادنى من استمرارية الحكم مستفيدين من المظلة الدولية الضامنة لاستقرار لبنان، وحتى نضوج التسوية وولادة سورية الجديدة لا توقعات بانجازات لبنانية كبيرة وقد يكون قمة ما يستطيعون القيام به ان يحافظوا على جلسة حكومية اسبوعية لتوفير بعض المعاناة على الشعب اللاهث خلف لقمة عيشه ورأفة بما تبقى من اقتصاد في هذا البلد.

والى ذلك الحين، سيطول تعداد جلسات "اللامبالاة" الرئاسية ومع كل جلسة سينفضح اكثر سوء النوايا ... فالتاريخ لم يسجّل يوماً النيّات.
 

  • شارك الخبر